اطبع هذه الصفحة


تفعيل العمل التطوعي (*)

الدكتور/ صالح حمد التويجري
جمعية الهلال الأحمر السعودي

 
1. توطئــة:
التطوع ظاهرة اجتماعية موجودة على مر العصور منذ بدء الخلق وحتى الوقت الحاضر ولكنها تختلف في أشكالها ومجالاتها وطريقة أدائها وفق توجهات وعادات وتقاليد تنسجم مع الثقافات والمعتقدات الدينية لكل عصر ودولة فالمفهوم العام للتطوع هو بذل الجهد أو المال أو الوقت أو الخبرة بدافع ذاتي دون مقابل مادي وإن كان هذا التعريف في جزئيته الأخيرة غير شامل لا سيما في عصرنا الحاضر الذي طغت فيه المادة وتعقدت فيه أساليب الحياة المعيشية كما سنتطرق إلى ذلك لاحقاً.

2. دوافع التطوع وكيفية استثمارها لصالح العمل التطوعي:
تم رصد الدوافع التي تدعو إلى التطوع من قبل عدد من المؤسسات والمنظمات الدولية التي تقوم أعمالها الاستعانة بالمتطوعين فوجد أن المتطوعين إجمالاً يختلفون في أهوائهم ودوافعهم ورغباتهم في التطوع ومن هذه الدوافع على سبيل المثال:
‌أ. التطوع من أجل حب الآخرين وتقديم المساعدة لهم.
‌ب. التطوع من أجل تكوين العلاقات الاجتماعية واستثمارها لأمور شخصية كالحصول على وظيفة أو مهنة.
‌ج. التطوع من أجل اكتساب مهارات وخبرات جديدة قد يحتاجها المتطوع مستقبلاً في حياته العملية قد لا تتوفر له إلا من خلال مراكز التطوع.
ومن هذا التصنيف المبنى على دراسات ومشاهدات ميدانية أمكن للمؤسسات والمنظمات والهيئات الإنسانية والاجتماعية تكييف العمل التطوعي وفق الدوافع التي تتلاءم ورغبة المتطوعين للعمل في أجواء مناخية مناسبة تتيح لهم حرية الاختيار ومن ذلك توفير النوادي ومراكز التدريب وإقامة الندوات والمحاضرات والبرامج التـثقيفية والتوعية والتأهيلية. فاستقطاب المتطوعين يعني كيفية انتقاء المتطوعين واستثمار خبراتهم وجهدهم ووقتهم وحماسهم وتسخيرها للعمل التطوعي.

3. واقــع العمــل التــطوعــي:
سبق وأن أشرنا إلى المفهوم العام للتطوع وقلنا أن الجزئية الأخيرة من التعريف قد لا تكون مطبقة في كثير من الحالات ففي أغلب المجتمعات وحتى المتحضرة يكون التطوع مقابل أجر مادي معلوم بل ومحدد أيضاً نتيجة للتطور الحضاري والتقدم التكنولوجي الذي شمل معظم دول العالم وما صاحب ذلك من تحسين أوضاع الشعوب المادية في هذه الدول كل ذلك أدى إلى إنشغال الناس بأمور الحياة المعيشية والأسرية والصحية ويرى المؤرخون وعلماء الاجتماع أن تنامي الثروة وتحسن الرعاية الصحية والاجتماعية التي توفرها الدولة لمواطنيها يؤديان إلى فتور في العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمعات المحلية مما يؤثر سلباً على العمل التطوعي في هذه المجتمعات وقد أشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن هذه المؤشرات أدت إلى نقص ملحوظ في أعداد المتطوعين حيث انخفض عددهم من 250 مليون متطوع إلى 100 مليون متطوع ودعت إلى أن يكون العام 2001 عاماً دولياً لتنشيط وتفعيل العمل التطوعي وتكثيف الندوات والمؤتمرات وورش العمل للدعوة إلى استقطاب المتطوعين ووضع البرامج التي تساهم في تنشيط هذا العمل التطوعي ولأهمية هذا التوجه الدولي تم طرح العمل التطوعي كبند رئيسي على جدول أعمال المؤتمر الدولي السابع والعشرين للهلا الأحمر والصليب الأحمر الذي عقد في جنيف عام 1999م وطلب من ممثلي الحكومات والجمعيات الوطنية التعهد والالتزام بذلك. لذا فإن العمل التطوعي من منظور دولي وإقليمي ومحلي يجب أن يفعل في جميع مجالاته وأن يكون منظماً ومقنناً من حيث الواجبات والحقوق وتقرير مبدأ المكافآت المعنوية والتشجيعية والتعويضية نتيجة الإصابات سواء بالإعاقة أو الوفاة وفق لائحة تنظيمية متعارف عليها دولياً ومن أجل ذلك ووفق هذه المعطيات أدركنا في المملكة العربية السعودية أهمية ذلك وضرورته فكان أ، تم وضع لائحة تنظيم العمل التطوعي تحفظ الحقوق والواجبات وتوضح الشروط والمكافآت والتعويضات وتم رفعها للجهات المسؤولة وتم إقرارها بمناسبة العام الدولي للتطوع لتشجيع المتطوعين وحفز هممهم ومن أهم ما ورد في هذه اللائحة تقرير مبدأ المكافآت التشجيعية للمتطوعين البارزين وفق معايير وضوابط معينة مثل السماح للموظف السعودي بالتغيب عن عمله خلال العمل التطوعي دون احتساب ذلك من أجازته وتكون مدة التطوع امتداد لخدمته في الوظيفة كما نصت هذه اللائحة على دفع تعويض مالي للمتطوع الذي يصاب بعاهة أو إعاقة أو وفاة خلال عمله التطوعي وهذه اللائحة تعتبر بحد ذاتها إنجازاً كبيراً حيث ظل العمل التطوعي في المملكة لسنوات عديدة يقوم على المبادرات الفردية والاجتهادات الشخصية دونما تنظيم.

4. العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية من واقع تجربة جمعية الهلال الأحمر السعودي:
برز العمل التطوعي في المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ملك المملكة العربية السعودية رحمه الله كواجب ديني يحث عليه الدين الإسلامي الحنيف والهدي النبوي الشريف كما ورد ذلك في كثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية التي تؤكد وتقرر على التعاون والتكاليف والتكافل والتآلف والتراحم بين الناس بعضهم لبعض فتأسست الجمعيات والمؤسسات الخيرية في كافة أرجاء المملكة يعمل بها متطوعون في مختلف المجالات كالطب والتمريض والدعوة والإغاثة وجمع التبرعات والزكوات والصدقات وتوزيعها على الفقراء والمحاتجين ورعاية المسنين والمعاقين وتقديم الخدمة المناسبة لهم. وجمعية الهلال الأحمر السعودي تعتبر تجربة رائدة في المجال التطوعي ومثالاً حياً على العطاء والبذل في المملكة العربية السعودية فقد نشأت الجمعية الإسعاف الخيري عام 1354هـ لتقديم الخدمة الإسعافية لحجاج بيت الله الحرام ولاقت هذه الفكرة استحساناً ودعماً من الملك عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية يرحمه الله وأقامت مراكز إسعافية في مكة المكرمة يعمل بها متطوعون من أبناء المنطقة واقتصر عمل هذه الجمعية في تقديم الخدمة التطوعية على منطقة مكة المكرمة حتى عام 1383هـ فرؤى أن تعم خدمات هذه الجمعية كافة أنحاء المملكة فتحول اسمها إلى جمعية الهلال الأحمر السعودي أسوة بما هو معمول بهفيدول العالم فتوسعت خدماتها وأوكل لها مهام ومسئوليات تقديم كافة الخدمات الإسعافية في أنحاء المملكة والقيام بمهام العمل الإغاثي في خارج المملكة إنسجاماً مع مهامها الإنسانية وانتمائها للحركة الدولية مما جعل الاستعانة بالمتطوعين أمراً ضرورياً وحتمياً فدعت إلى استقطاب المتطوعين وتم تدريبهم على الإسعافات الأولية وفق برامج مدروسة من خلال معسكرات للتطوع تم التركيز فيها على أعمال الإغاثة والإسعافات الأولية بالإضافة إلى المجالات الأخرى وقد أعطت هذه الجهود ثمارها فتم استقطاب حوالي 1000 متطوع عن طريق الندوات وورش العمل التي أقامتها الجمعية للتعريف بالتطوع وأهميته وبمناسبة العام الدولي للتطوع فإن الجمعية تعد لإقامة مؤتمر عن التطوع بالاشتراك مع الدفاع المدني وبعض المؤسسات الحكومية وغير الحكومية سوف يقدم فيه بحوث وأوراق عمل تتناول محاور عديدة للتطوع منها التطوع من وجهة نظر إسلامية والتطوع في المجال الصحي وخدمة المجتمع والتطوع في مجال الدعوة والتطوع في مجال الإغاثة كما سيتم التركيز في المؤتمر على مفهوم التطوع وأهدافه ومجالاته والحقوق والواجبات ونأمل أن ينتج عن المؤتمر توصيات وقرارات هامة تصب في صالح العمل التطوعي يكون لها أثر كبير في تشجيع المواطنين عن الإنخراط في العمل التطوعي.

خـــاتمـــة:
إن العمل التطوعي هام وحيوي لاستمرارية نشاط الجمعيات الوطنية خاصة وأننا نواجه تحديات وصعوبات جمة في الألفية الجديدة حيث النزاعات والصراعات والكوارث الطبيعية والتكنولوجية في ازدياد مستمر، وهذا يستوجب تعميق مفهوم التطوع وموالاة الدعوة لاستقطاب المتطوعين وتقييم جهودهم وتشجيعهم وإشعارهم بقيمة وأهمية الأعمال والمهارات التي يقومون بها.

-------------
(*) ورقه عمل مقدمه إلى المؤتمر الدولي السابع :إدارة المؤسسات الأهلية والتطوعية في المجتمعات المعاصرة
قناة القصباء 17 – 18 ديسمبر 2002  الشارقة - دولة الإمارات العربية المتحدة
 

العمل الخيري