اطبع هذه الصفحة


دور المؤسسات الأهلية في رفع مستوى العمل التطوعي (خليجياً)

بقلم: جعفر محمد العيد
jaf@gawab.com


قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(1){وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}(2)
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(3)
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُورًا}(4).
إن أي عمل تقوم به المؤسسات الأهلية الخيرية.. هي من الأعمال التطوعية في سبيل رفعة مجتمعاتنا، فهؤلاء البشر بأعمالهم الخيرية يعطون للحياة نكهة مختلفة، ففي ظل الزحف المادي الجارف الذي يكتسح الأخضر واليابس من حياتنا، وفي ظل التعاملات المادية الجافة التي لا تعطيك شيئاً إلا وتأخذ منك مقابله أشياء أخرى.
ينطلق هؤلاء البشر بروح الملائكة، وتضحيات الأولياء والصالحين، يقدمون لنا هذه الأعمال الخيرية، طالبين بذلك وجه اللَّه سبحانه وتعالى.
ولذلك يستحقون الأوصاف الإلهية في القرآن ،التي ذكرنا القليل منها.. وما أعذب معنى الآية في سورة الإنسان التي يتحدث عن هؤلاء، الذين يطعمون الطعام في حب اللَّه المساكين وما شابهه، ولا ينتظرون منهم أي مردود لتشكل بالضبط المعنى الصحيح للتطوع .

تعريف التطوع :
فالعمل التطوعي هو: تقديم العون إلى شخص أو مجموعة أشخاص، يحتاجون إليه، دون مقابل مادي أو معنوي.
أما الدكتور سيد أبو بكر حسانين (5) فيقول: إن التطوع هو ذلك المجهود القائم على مهارة أو خبرة معينة والذي يبذل عن رغبة واختيار بغرض أداء واجب اجتماعي وبدون توقع جزاء مالي بالضرورة.
والتطوع مسألة عالمية تحدثت عنها كل الديانات السماوية وجميع الدساتير الأرضية.
ولكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ممثلاً للدين الإسلامي هو أعظم رجل تحدث عن هذا الجانب وطبّقه في حياته، وجاءت الآيات القرآنية الكثيرة، والأحاديث النبوية الشريفة التي تحدثت عن ذلك.
وعندما نسوق بعض الآيات والأحاديث في هذه الأوراق، إنما نورد ذلك قاصدين القول بأن التطوع هو أحد الأمور الهامة جداً في الحياة الاجتماعية، والتي تمثل روح الإسلام في حمايته لأفراد مجتمعه، ونجد أن هذا الموضوع يلقى ترحاباً وتطبيقاً عند الغربيين أكثر من عالمنا الإسلامي على الرغم من احتياجات البشر لدينا هي أكثر من العالم الغربي.

إن عظمة أمر التطوع هو أن اللَّه اعتبر أيما إنسان قام بعمل خير لأخيه الإنسان، كأنما قدم العمل إلى اللَّه سبحانه وتعالى واللَّه هو الذي سيجازيه عليه، وهو أمر دلت عليه الآيات القرآنية الكريمة وأحاديث الرسول وأهل بيته وصحابته عليهم السلام.
جاء في القرآن الكريم دعوة إلى الخير، وتعبير غاية في الجمال: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}(6) {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}(7). وفي مكان آخر يأمر اللَّه سبحانه وتعالى بالإنفاق ثم يعقبها بأن هذا الإنفاق يلقى مردوده من الباري عز وجل أضعافاً مضاعفة، وأكثر من ذلك.. ألا وهي المغفرة.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}(8)
إن عدم تطبيق التطوع في حياتنا ليس راجعاً (في الواقع) بجميع أسبابه إلى زهد المسلمين عن العمل للآخرين، وإنما هناك أسباباً موضوعية أدت إلى تناقص أعداد المتطوعين في السنوات الأخيرة.
جاء في الأثر عن أبي بصير قال: "سمعت أبا عبد اللَّه الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: إن عيسى روح اللَّه مر بقوم مجلبين فقال: ما لهؤلاء؟ قيل: يا روح اللَّه؛ إن فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه (أي تتزوجه).
قال: يجلبون اليوم ويبكون غداً. فقال قائل منه: ولِمَ يا رسول اللَّه؟ قال: لأن صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه. فقال القائلون بمقالته (أي المؤمنون بكلامه): صدق اللَّه وصدق رسوله، وقال أهل النفاق: ما أقرب غداً.
فلما أصبحوا جاؤوا فوجودها على حالها لم يحدث لها شيء. فقالوا: يا روح اللَّه إن التي أخبرتنا أمس أنها ميتة لم تمت، فقال عيسى عليه السلام: يفعل اللَّه ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب فخرج زوجها فقال له عيسى عليه السلام: استأذن لي على صاحبتك، قال: فدخل عليها فأخبرها أن روح اللَّه وكلمته بالباب مع عدّة قال: فتخدرت فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه؟ قالت: لم أصنع شيئاً إلاّ وقد كنت أصنعه فيما مضى، إنه كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فَنُنِيلَهُ ما يقوته إلى مثلها، وإنه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغل فهتف فلم يجبه أحد ثم هتف فلم يُجَبْ حتى هتف مراراً فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى نِلْتَهُ كما كنا ننيله فقال لها: تنحي عن مجلسك فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جذعة (أي مثل جذع شجرة أو نخلة) عاضٌّ على ذنبه، فقال عليه السلام: بما صنعت صرف عنك هذا"(9).
وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: "مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليك، فقال أصحابه: إنما سلّم عليكم بالموت، فقال: الموت عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رددت، ثم قال النبي: إن هذا اليهودي يعضه اسود في قفاه فيقتله. قال فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً فاحتمله ثم لم يلبث أن انصرف. فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضعه فوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود فقال: يا يهودي ما عملت اليوم، قال ما عملت عملاً إلاّ حطبي هذا حملته فجئت به وكان معي كعكتان فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على مسكين، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بها دفع اللَّه عنه، وقال: إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان"(10)
وهذه دعوة من رسول اللَّه للتصدق حيث جاء في الحديث الشريف أن امرأة سوداء كانت تقمُّ المسجد (11) ففقدها رسول اللَّه فسال عنها فقالوا: ماتت، قال: "أفلا كنتم آذنتموني" فكأنهم صغروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها، فدلوه فصلّى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن اللَّه تعالى ينورها لهم بصلاتي عليهم" (12)
إن هذه الأفعال تحثنا حثاً على التطوع في سبيل اللَّه، كما فعلت هذه المرأة السوداء ونالت كل هذا التقدير من رسول اللَّه.
والمؤسسات الأهلية تستطيع جلب المواطنين إلى عمل الخير، وتنظيم الأعمال التطوعية، وهناك مسؤولية أكبر.
1- استثارة الناس وجذبهم للتطوع لعمل الخير.
2- تنظيم أعمال التطوع.
3- تدريب المتطوعين.
4- زيادة فائدة التطوع.

أنواع الأعمال التطوعية:
كما هو معروف أن المتطوعين ليسوا سواء، فمن الناس من يمكن أن يقوم بمساعدة العجزة، أو زيارة المرضى، ومنهم من يستطيع أن يقدم المشورات المجانية، مثل المهندسين والمحامين، ومنهم من يستطيع أن يعمل في اللجان العاملة في المنظمات الاجتماعية، والمؤسسات التطوعية، وآخرين يستطيعون تقديم المعونة إلى المنظمات والجمعيات، لتوزيعها على مستحقيها.
خلاصة يمكن القول: إننا يمكن أن نصنف المتطوعين إلى مجموعة أصناف:
1- متطوعون بالمال فقط.
2- متطوعون بالجهد فقط.
3- متطوعون بالجهد والخبرة.
4- متطوعون بالوقت.
5- متطوعون بالجهد والوقت والمال.

ولكن الدكتور حسانين (13) يعطينا تقسيماً آخر للعمل التطوعي حيث قسمه إلى ثلاث مستويات:
1- مستوى رسم السياسة.
2- مستوى الإدارة.
3- مستوى تقديم الخدمات.
ويضيف: يمكن القول بأن المتطوع يشترك بالنصيب الأكبر في مستوى رسم السياسة، فمن الواضح أن المناصب السياسية لا تملأ في الهيئات الأهلية أو الحكومية طبقاً لدرجة التعليم أو المعرفة المهنية أو المركز الاجتماعي، فهذه وظائف تسند إلى مواطنين بواسطة آخرين، ولا مجال هنا لمناقشة قيمة المعرفة المهنية بالنسبة لمن يشغلون هذه المناصب حيث لا تؤخذ هذه المعرفة في الاعتبار عند اختيار شاغليها، والمحك هنا عند الاختيار هو القدرة على تحمل المسؤولية العامة وليس التخصص في مجال معين.
والواقع أن هذا الأمر صحيح، فما فائدة أن يملك شخص معين شهادة رفيعة، ولكن ليس لديه الاستعداد لخدمة المجتمع؟ ما تعودنا عليه في (خليجنا العربي) أن الناس يبقون أوفياء لمن يخدمهم، وفي بعض الأحيان، كما دلت التجارب أن الناس عند اختيارهم لشخص معين ينظرون إلى أسرته وسمعتها الحسنة، وماذا قدمت هذه الأسرة للبلاد، فتقديراً لهذا الشخص نابع من تقدير المواطنين للدور الحسن الذي لعبته أسرته.

مصادر التطوع:
يمكن الحصول على المتطوعين من مصادر متعددة مثل:
1- بعض سكان المجتمع الذين يتحسسون واجبهم.. أو أنهم مارسوا بعض أعمال الخير في المجتمع.
2- الطلاب على مختلف مستوياتهم، خصوصاً أولئك الطلاب الذين يدرسون العلوم الاجتماعية، وبالأخص طلاب تخصص الخدمة الاجتماعية، لأنهم أكثر إدراكاً لحاجة المجتمع للتطوع.
3- أعضاء ينتمون إلى مجالس أسرية، أو تجمعات شبابية.
4- النجوم والأبطال الرياضيين الراغبين في تقديم أعمال معينة لمجتمعهم.
5- أعضاء الهيئات الدينية أو التنظيمات السياسية في البلاد المسموح لها بالممارسة الديمقراطية.
6- قد تستفيد بعض المنظمات من الجهود التطوعية لبعض من الذين استفادوا من خدماتها.
7- تجنيد متطوعات من النساء، فقد أثبتت التجارب في العالم، أن النساء أقدر على العطاء في مجال التطوع أكثر من الرجال، قد يكون ذلك بسبب كثرة النساء اللاتي تَيَتَّمْنَ، وترملن، بعد الظروف التي خاضتها الشعوب الأوروبية، والأمريكية واليابانية جراء مرور حربين عالميتين عليهم، ومجموعة من الكوارث الطبيعية، التي أودت بكثير من الرجال، وتركت الفرصة قائمة إلى النساء.

وثمة فكرة.. تقول: إن النساء اللاتي ينتمين إلى عوائل (أسر) كبيرة أو متوسطة الحجم هن أقدر على تنظيم أوقاتهن، وأكثر عطاءً من غيرهن، ولكن للأسف الشديد لا تزال المرأة تعاني من عدم السماح لها حتى في المشاركة بعمل الخير.
علما إن الدين الإسلامي حث الجميع (نساءً ورجالاً) على بذل الجهد والمال في سبيل رفعة المجتمع وعلو شأنه.

شروط التطوع:
من المفضل (في مجال عمل الخير) ألاَّ يكون هناك شروطاً مسبقة للتطوع؛ لأن العمل التطوعي، يمكن حسابه في المجتمع المسلم في صالح الأعمال الخيِّرة للفرد، أما بالنسبة لغير المسلم فإن مثل هذه الأعمال تعد جانباً من خدمة المجتمع ومساعدة أفراده، الذين ساءت ظروفهم وأحوالهم بهم، وقد تكون هذه الأحوال وهذه الظروف من نصيبك أو مما تصادفه في فترة من فترات حياتك. ولكن من المفضل:
1- أن يكون لدى المتطوع وقت يبذله للعمل التطوعي.
2- أن يكون ذا صحة جيدة يمكن أن يقوم بالمجهود المطلوب منه.
3- أن لا ينتظر الأجر المادي، وإنما يقوم بذلك العمل قربة إلى اللَّه تعالى أو خدمة لمجتمعه.
4- يفضل من لديه خبرة في المجال الذي يرغب التطوع فيه، أو أن تعمل المؤسسات على تدريبه على ذلك.
5- أن يكون إنساناً صالحاً ذا سمعة حسنة، لأن الأعمال التطوعية تحتاج للصالحين ليكونوا قدوة حسنة للآخرين.
6- مقدرة هذا الفرد على العمل مع الآخرين وعدم الصراع معهم.
وفي الواقع فإن التطوع بشكل عام يحتاج إلى ترتيب أكثر وتخطيط. وفي الدول الغربية هناك مكاتب للتطوع، يمكن أن تدرس إمكانيات الفرد ومن ثم توجهه للمكان المناسب له، وحسب الوقت الذي يحدده، ولكن ذلك مرتبط أيضاً بعدة أمور، أهمها أن الناس هناك أوقاتهم منتظمة، حياتهم منظمة أكثر، يعرفون متى يعملون، ومتى يستريحون، أما عالمنا فلا زال يعاني من كثير من الإرباكات الحياتية ونقص حاد في الخدمات الأمر الذي جعل أوقات الإنسان مهدورة نتيجة لمجموعة من الأسباب:
1- أحدها: ضياع وقت الإنسان على توفير الأمور الخدماتية إلى منزله، وسيارته، ومزرعته… الخ.
2- والأمر الآخر: وجود العديد من الارتباطات الأسرية والاجتماعية للفرد الخليجي تجاه أهله، وتجاه أصدقائه، فنحن مجتمع لا نزال نتحلى بصفات في الأصل حميدة وجيدة، ولكنها في كثير من الأحيان تكون على حساب وقت الإنسان وراحته وبرنامجه اليومي.
فالفرد الخليجي (سواء كان رجلاً أو امرأة) إذا أراد أن ينخرط في سلك التطوع، فإنه في الواقع يبذل جهداً غير عادي من أجل التخلص من كثير من الارتباطات التي تشكل أحد صعوبات، ومعوقات، انتظام التطوع.
3- هناك أمر ثالث أيضاً: وهو انتظام أماكن وبرامج الترويح في الدول الغربية، الأمر الذي نفتقده في العالم العربي.

التدريب والإشراف على المتطوعين:
يحتاج بعض المتطوعين إلى التدريب على مهماتهم، وهناك أعمال تطوعية لا تحتاج فعلاً إلى تدريب.
إذاً فعلى المؤسسات الأهلية، بالتعاون مع برامج المؤسسات الحكومية والكفاءات في المجتمع المحلي العمل على تدريب المتطوعين وزيادة مقدرتهم على أداء الأعمال الخيرية.
ويحتاج المتطوع إلى بعض التوجيه عند قيامه بالأعمال المختلفة، وفي الواقع يحتاج العمل التطوعي وكل أعمال المنظمات الأهلية إلى إعادة نظر، لأنه ومن الواضح أن مجال التطوع وعدد المتطوعين قد انكمش كثيراً، ولذا فمن الواجب بذل جهود كبيرة لتشجيع التطوع وإنعاشه، ولإعداد وتدريب المتطوعين اللازمين للقيام بواجباتهم .
إضافة إلى إجراء الدراسات الميدانية لمعرفة الأسباب الحقيقية للعزوف عن العمل التطوعي في مجتمع خيِّر ومسلم كالخليج العربي.

أسباب العزوف عن العمل التطوعي:
والواقع أن ابتعاد الناس عن التطوع والعمل التطوعي، لا يمكن إرجاعه إلى سبب واحد، وإنما هناك مجموعة أسباب وظروف اجتماعية تكاتفت وكونت هذا الصدود عن العمل التطوعي.
1- التطور الحضاري والنمو المادي للمجتمعات الخليجية، فكما أن للنمو الاقتصادي فوائده الكثيرة، فإن له مضاره، ومثالبه، ومن هذه المثالب أنه كلما زادت درجة الحضرية والمادية ضعف الجانب القيمي، وكما يقول ابن خلدون: الناس وفي مسيرتهم من البداوة إلى الحضارة وعندما يسود وضع الرفاه ورغد العيش، ويتجه الناس إلى إتقان الصنائع والمهارات والتأنق في المأكل والمشرب والملبس والمسكن.. عندها تضعف العصبية (14). وعندما تضعف العصبية، يسود المجتمع نوع من الارتخاء والميوعة، ويبدأ المجتمع بالانهيار.
2- وكمجتمع وعندما تحولنا أيضاً من المرحلة الاقتصادية المستقرة والتقليدية والتي كانت تسودها بساطة الحياة أيضاً، واتجهنا ناحية المرحلة الاقتصادية المعقدة، والتي تختلف فيها الوظائف، تخلت الأسر عن أدوارها التقليدية والتربوية فضعف الوازع الديني لدى الجيل الجديد.
3- زيادة متطلبات الحياة المادية وتعقدها جعل الناس مشغولين إلى درجة كبيرة بخلاف مجتمع الآباء والأجداد الذي كان يجد فسحة كبيرة من الوقت يستطيع خلالها القيام بواجبه تجاه أهله وجيرانه.
4- التوقعات الكبيرة من الدولة النفطية الحديثة.. فعندما حدثت الطفرة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من هذا القرن، ورأى الناس ما هو موجود من العائد النفطي، أوكلوا إلى الدولة الكثير من الأمور، لم تكن الدولة قادرة على القيام بها، وبأقل التقادير غير مهتمة بتطبيقها .
5- حداثة مهنة الخدمة الاجتماعية التي لم تكتمل فصولها إلا في القرن التاسع عشر في الدول الغربية، ووصولها متأخرة إلى الدول العربية مواكبة مع مجيء الاستعمار لبلداننا.
6- إضافة إلى هذا وذاك زيادة معدل التفكك الأسري، وتفكك العلاقات والروابط الاجتماعية، نتيجة لما تفرضه حاله الحضرية، التي من سماتها التنقل الدائم، وسيادة الأسر النووية، وذلك تلبية لمتطلبات العمل، والترقي لدى معظم الموظفين خصوصاً أولئك الذين يعملون في الهندسة البترولية، أو يعملون ضباطاً في الشرطة وغيرهم وما تتطلبه مهنهم من الانتقال لسنوات عديدة بعيدين عن أهلهم وذويهم. كل هذا وذاك أبرز ضعفاً في حالة التطوع في مجتمعاتنا الخليجية.

مقترحات إصلاح الوضع التطوعي:
ومن أجل إصلاح الوضع التطوعي في المؤسسات والمنظمات الأهلية نقترح التالي:
1- العمل على استثارة المواطنين عن طريق الإعلام ورجال الدين والكتب، ومواقع الإنترنت بضرورة التطوع ودوره في حياتنا اليومية.
2- وضع خطتين للتطوع الأولى في أي مؤسسة من مؤسساتنا الخيرية، والاجتماعية، والأخرى خطة عامة لجميع المؤسسات العاملة في البلاد، ويمكن تكوينها خليجياً، وعلى مستوى أعلى عربياً، وحتى إسلامياً، تتضمن هذه الخطط المواصفات المطلوبة، والمواقع المطلوبة، وتتضمن أيضاً تدريب المتطوعين.
3- تشجيع المتطوعين وتحفيزهم، بوضع حوافز للعمل التطوعي وعدم الاعتماد على النيات الحسنة، وحب الناس إلى الخير، لكن الحوافز أيضاً لها دور في ذلك.
4- حفظ مكانة المتطوع سواء كان فرداً (هذا المتطوع) أم جماعة، ومساعدته على التكيف وأداء عمله بالوجه الحسن.
5- يضاف إلى هذه النقاط نقاطاً أخرى جاءت كتوصيات في ندوة العمل الاجتماعي التطوعي ودوره في التنمية (15) في مجال تشريعات العمل الاجتماعي التطوعي والتي جاء فيها:
أ- عقد اجتماع عربي في إطار جامعة الدول العربية للخبراء القانونيين من دول الجامعة مع خبراء اجتماعيين ومتطوعين للجنة التشريعات العربية الخاصة بالعمل الاجتماعي التطوعي يطرح على الدول العربية للاسترشاد به في صياغة القوانين.
ب- العمل على بلورة إطار قانوني ملائم للمؤسسات الأهلية العربية، ينسجم مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمبدأ الديمقراطي والتجارب التنموية الخاصة للمؤسسات الأهلية.
ج- منح الجمعيات والهيئات التطوعية في الدول العربية مزيداً من حرية الحركة من خلال ما قد تحتاجه من تعديلات على القوانين القائمة وكافة النصوص التي تحد من انطلاق هذه الجمعيات نحو آفاق التنمية الاجتماعية.
د- منح الجمعيات التطوعية مزيداً من الامتيازات والإعفاءات من الرسوم والجمارك والضرائب أسوة بمشاريع الاستثمار الاقتصادي المحلي الأجنبي باعتبارها استثماراً أجنبياً.
هـ- دراسة توحيد الجهات الإدارية المشرفة على الجمعيات وحصرها في وزارات الشؤون الاجتماعية لما تتمتع به هذه الوزارات من قدرات وإمكانيات بشرية قادرة على الإشراف والمتابعة والتوجيه.
و - تطوير التشريعات المنظمة للعمل الاجتماعي التطوعي بما يتناسب مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وبما يحقق التنسيق والتكامل والفاعلية لهذا القطاع.

ــــــــــــــ
الهوامش:
1- البينة: 7.
2- الحشر: 9.
3- النحل: 90.
4- الإنسان: 9.
5- راجع: سيد أبو بكر حسانين، طريقة الخدمة الاجتماعية في تنظيم المجتمع ، ص 459.
6- البقرة: 245.
7- الحديد: 11.
8- التغابن: 17.
9- راجع الميلاني مرتضى، قصص الأبرار من بحار الأنوار، دار المحجة البيضاء، الطبعة الأولى 1422هـ - 2001م، بيروت، ص17.
10- المصدر السابق، ص18.
11- تقم المسجد: أي تكنسه.
12- متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، راجع التربية الوطنية (كتاب مدرسي) الثالث المتوسط، وزارة المعارف - الرياض، ص79.
13- حسانين: 498.
14- علم الاجتماع، الكتاب المدرسي، الصف الثالث شرعي، طبعة 2001م، وزارة المعارف – الرياض.
15- عقدت الندوة في عمان خلال الفترة 25 - 30 إبريل 1998 ونشرت في شؤون اجتماعية ع 59 عام 15، خريف 98 - 1419هـ

http://www.qateefiat.com/02/mq/29%20moasasat.htm
 

العمل الخيري