اطبع هذه الصفحة


اغتيال المؤسسات الخيرية
19/2/1425ه

إبراهيم بن عبد الله الدويش


الحمد لله ذي القوة المتين، ناصر المظلومين، ومجيب دعوة المضطرين، ومغيث المستغيثين، فارج الهم، وكاشف الكرب، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وخلفائه الراشدين، ومن استن بسنتهم إلى يوم الدين .

أما بعد: عباد الله! اتقوا الله واحذروا الإغراق في الدنيا، وتنبهوا لما يكاد لكم ولدينكم، فإن آثار وتداعيات مسرحية الحادي عشر من سبتمبر تزداد وضوحًا يومًا بعد يوم، وتتكشف كثير من أهدافها، وما زال العالم الإسلامي يصطلي بنار المكر الصهيوني الغربي وأذنابهم من المنافقين والمتغربين، وخاصة البلاد العربية، وبالأخص هذه البلاد المباركة، قلب الإسلام النابض ونبعه الفياض، فهم يدركون جيدًا معنى كونها بلاد الحرمين ومهبط الوحي، ويعلمون تمامًا أثر أهل هذه البلاد وعطاء اتهم الخيرة المستمرة، وبذلهم الذي لا ينقطع من أجل هذا الدين، ولذا فلا غرابة أن تتوجه سهامهم وتصوَّب -وبقوة- لكل منابع الدين فيها، بدءًا بأنظمتها التعليمية، ومناهجها الدراسية، ومنابرها الدعوية، ومحاضنها التربوية، ومؤسساتها الخيرية، وهذه الأخيرة أعني الجمعيات والمؤسسات الخيرية، تشهد هذه الأيام منعطفًا مصيريًّا وحاسمًا في تاريخها، قد لا يدرك أبعاد هذا الخطر الداهم الكثير من عامة الناس بل حتى من خواصهم، ونظرًا لخطورة الأمر، وأداءً للأمانة التي حمَّلها الله أهل العلم من البلاغ والنصح وبيان الحق للناس – ولأن محاصرة العمل الخيري في الخارج وتحجيمه وتجفيف منابعه الأصيلة يعد كارثة في حق الشعوب المنكوبة والمستضعفة والفقيرة والمحتاجة في العالم كله - كان هذا البيان، الذي أسأل الله فيه السداد والتوفيق، والإخلاص والصواب .

إخوة الإيمان! إن العمل الخيري عبادة وجزء من عقيدة الأمة، ولا يمكن للأفراد أو الأمم أو المؤسسات أو الدول تهميش هذا العمل الجليل أو التخلى عنه، فالمسلم كما أنه مطالب بالركوع والسجود والعبادة، فهو مطالب بفعل الخير، والتعاون على كل بر وفضيلة، تؤكد هذا الكثير من النصوص الشرعية، بل إن فعل الخير ورد بسياق قرآني قبل الجهاد في سبيل الله، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ثم قال: وجاهدوا..، كما أمر سبحانه بالدعوة إلى فعل الخيرات إضافة إلى فعله:وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وربط سبحانه بين أداء الصلاة حقاً لله، وإطعام المساكين حقاً للضعفاء فقال :{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } [المدثر:42-44]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)) (1) وفي لفظ: ((ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه)) (2) .

سبحان الله! وهل بقي للمنكوبين والمستضعفين - بعد الله - سوى هذه المؤسسات الأهلية والتي تبذل الكثير لمحاولة تخفيف بؤسهم ومعاناتهم، رغم ضعف إمكاناتها ومواردها، إن الجميع يدرك أن من أهم مقومات نجاح هذه الجمعيات والمؤسسات أنها مؤسسات أهلية شعبية، قامت على أكتاف أمثالكم ممن يؤثرون إخوانهم على أنفسهم، وممن يقتطعون من رواتبهم وقوت أولادهم من أجل الضعفاء والمنكوبين، تقوم هذه المؤسسات بجمع الريال على الريال من عرق جبينكم؛ لتكون الشريان الذي يمتد لإخوانكم، والله يرى ويطلع ويعلم حالكم، يعلم أن هذا هو الطريق الوحيد الذي بأيديكم لنصرة المنكوبين والمستضعفين، ومد يد العون لهم، وكأني بكم -إخوة الإيمان- ولسان حالكم يقول: وهل من عمل صالح نرجوه، وتقوم الحجة لنا فيه أمام ربنا تجاه إخواننا سوى هذا الشريان؟! ولكأني بلسان حالكم يقول: إننا نظن أنه السبب الأكبر في حفظ الله لنا ولبلادنا، وأمننا وأرزاقنا، فليس بيننا وبين ربنا نسب ليخصنا بالأمن والنعم، إنما نحسب أنه ببذلنا ونصرتنا للضعفاء والأيتام، ففي البخاري قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ((هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ)). وفي رواية عند النسائي قال صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ)). فكأني بكم أيها المؤمنون ترددون: إن حفظ الله لنا بعطائنا لبناء المساجد والمدارس، إن حفظ الله لنا بكفالة اليتيم، وإطعام الفقير والمسكين، إن حفظ الله لنا إنما هو بطباعة المصحف وكتب التفسير والتوحيد ! فقاتل الله الصهيونية وأعداء الإسلام، عجباً! حتى هذا الطريق لن يدعوه لنا، أيعقل أننا لن نستطيع حتى أن نمد أيدينا لإخواننا، أو حتى أن نمسح دمعة أيتامنا؟! أيمكن أن يُتسلط حتى على كسرة الخبز التي تمدها الشعوب بعضها لبعض؟ يا الله أي شيء يبقى لنا، لقد أغلقوا باب الجهاد وشوهوه، ووقفوا بباب الدعوة وحاصروه، وهاجموا باب الفضيلة وخرقوه، وها قد جاء الدور على العمل الطوعي الشعبي ليغتالوه، وهنا أسئلة وعلامات تعجبٍ تدور حول بعضها:لماذا تحجيم العمل الخيري؟ ولماذا تجهض المؤسسات الأهلية بهذا الشكل؟ ومن أجل مصلحة من؟ أحقًّا أن هذا كله باسم محاربة الإرهاب؟ أو بسبب الضغط الخارجي والغربي كما يقال؟! أم أن هناك من يحاول الصيد في الماء العكر، ويسعى لاستغلال الأوضاع والفرص لأفكاره ومصالحه؟! أم هو تقويض لدور المصلحين والعاملين؟ هل هناك أيد خفية، تحاول لسبب أو لآخر قطع هذا الشريان، أو تحجيمه، باسم تطويره وتنظيمه؟! ولا أظن عاقلاً يعترض على التنظيم، أو الإشراف أو حتى المراقبة القانونية والمالية، وبكل أنواعها دولية أو محلية، فالمؤسسات معروفة، والعاملون فيها ثقات معروفون، والعمل فيها يجري تحت ضوء الشمس ليس عندها ما تخفيه، وهو كغيره من الأعمال عرضة للخطأ، والنقص والقصور، ومن أخطأ يحاسب بل ويعاقب، والعمل الخيري خاصة في هذه البلاد عمل مشاهد ومحسوس تحكيه الأرقام والتقارير، ويشهد به الواقع، وليس راءٍ كمن سمع، ودعمه متواصل بفضل الله ثم بفضل هذه البلاد قيادة وشعبًا، فأينما حلت الكوارث، وأينما نزلت النكبات والأزمات، تجد المؤسسات الإسلامية الخيرية هناك حاضرة بإمكانياتها المباركة، وهي في غالب الأحيان تطعم بلا إحصاء، وتعطي بلا عدد، حيث إن لغة الأرقام لم تدخل عالم المؤسسات الخيرية الإسلامية إلا بشكل متأخر، ومع ذلك فإليكم هذه الأرقام على سبيل المثال:

لقد بلغ عدد المغاثين من قبل بعض المؤسسات الخيرية في الخمس سنوات الأخيرة حتى عام اثنين وعشرين بعد ألف وأربع مئة (1422هـ) أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون محتاج، بلغت تكاليفها ما يقارب مئتين وخمسًا وثمانين (285) مليون دولار. وهناك بعض المؤسسات تحصي إغاثتها بالأطنان فيصعب تقدير التكاليف، كما أن نقل الإغاثة للمحتاجين وفي أغلب البلدان يكلف أكثر من الإغاثة نفسها .

وأما مداواة المرضى فقد بلغ إجمالي المخيمات الطبية التي أقامتها بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية في شتى أصقاع العالم أكثر من خمس مئة مخيم طبي في أفريقيا وآسيا وأوربا بلغت تكاليفها أكثر من ستة وعشرين (26) مليون دولار، وذلك لمعالجة كافة الأمراض الفتاكة وغير الفتاكة، هذا غير المستشفيات الميدانية التي تقام في ساعات الكوارث والحروب، وغير ما ينفق في تشغيل وصيانة هذه المرافق الصحية الحيوية. وهناك مؤسسات خيرية إسلامية متخصصة قلما يوجد لها مثيل حتى في النمط الغربي للعمل الخيري ومنها: مؤسسة البصر الخيرية العالمية والتي تعنى بالذين حرموا نعمة الرؤية، وأظلمت الدنيا في وجوههم فامتدت إليهم الأيادي الرحيمة من هذه المؤسسة، فكان بفضل الله ثم بجهودها الخيرية خلال ثلاثة عشر عامًا أن أقامت أربع مئة وسبعة وأربعين (447) مخيمًا لعلاج البصر، وأكثر من مليون وخمسمائة ألف عيادة، شملت ثماني وثلاثين (38) دولة من قارتي آسيا وأفريقيا.

وأما إنشاء المساجد فقد تم في بقاع إسلامية كثيرة، ما يزيد عن مئة وسبعة وعشرين (127) ألف مسجدٍ قدرت تكاليفها بما يقارب مئة وستة وعشرين (126) مليون دولار.

وأما التعليم فيشكل أولوية مشهودة في العمل الخيري ليقين القائمين عليه أن الجهل هو عدو البشرية الأول، فعلى سبيل المثال، فإن مصروفات تسع مؤسسات كبيرة لها وجود فعلي دولي خلال فترات متفاوتة قد أنشأت تقريبًا ثلاثة آلاف وثلاث مئة وستة وستين (3366)مشروعًا تعليميًّا تكاليفها فاقت مئة وثلاثةً وثلاثين (133) مليون دولار، وقدمت أكثر من مئة واثنتين وعشرين(122)ألف منحة دراسية، زادت تكاليفها عن خمسة وأربعين (45) مليون دولار، وصرفت إعانات لأكثر من خمس مئة واثنين وستين (562) ألف طالب، وبلغت نفقاتهم أكثر من ستة وعشرين (26) مليون دولار، علمًا أن هذه المصروفات لا تشمل نفقات التشغيل لتلك المدارس وتسيير أعمالها، ولا مرافق التعليم التابعة للمساجد، وأيضًا هذه المؤسسات الخيرية لا تقوم فقط بوضع البنى التحتية للمرافق التعليمية، بل تنفق عليها النفقات التشغيلية كليًّا أو جزئيًّا، وتوفر المباني والمعلمين والوسائل الحديثة والكتب الجيدة، علاوة على الرعاية الصحية للطلاب والعاملين في حقل التعليم . وهناك جمعيات خيرية برزت بأعمال اجتماعية واقتصادية، ومشاريع تعنى بالمرأة والطفولة والشباب، كل ذلك من أجل رفع المستوى التعليمي والثقافي للمنكوبين والمحتاجين في العالم، إضافة إلى توفير الكتب والنشرات والمطبوعات والأشرطة التي يصعب حصرها كجهود جماعية للمؤسسات .

وأما الآبار وتوفير مياه الشرب، خاصة في أفريقيا، وبعض دول آسيا، فهناك تكون معاناة الإنسان والحيوان مع الماء، ليس فقط لسد الرمق وإبعاد شبح الموت ولكن لشؤون الحياة كلها، فأينما انعدمت المياه انعدمت الحياة، وقد بلغت الأموال التي صرفت على حفر الآبار وتوفير مياه الشرب من قبل بعض المؤسسات الخيرية ما يزيد على ستة وثلاثين (36) مليون دولار، وبلغت أعداد الآبار ومشاريع المياه ما يقرب من ثمانية آلاف بئر.

وأما مراكز الخدمات الاجتماعية، والتأهيل والتدريب المهني وغيرها، فقد بلغت ما يقارب ألفي مركز، بأكثر من ثلاثة وستين(63) مليون دولار.

وأما كفالة الأيتام: فقد ساهمت بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية في هذا البرنامج بما فاق تسعة وأربعين(49) مليون دولار على أكثر من مئة ألف يتيم. إلى آخر لغة الأرقام الطويلة والتي هي على سبيل المثال لا الإحصاء والحصر، إنما الهدف من ذكرها إبراز حجم المعاناة الإنسانية في حال غياب تلك المؤسسات الخيرية الإسلامية، أتصدقون - إخوة الإيمان - أنه في أيام عيد الأضحى الماضي تم تسريح حوالي ألفين وست مئة يتيم في إحدى المدن الصومالية وقد كانت تكفلهم إحدى المؤسسات الخيرية في هذه البلاد، وبعد إغلاق مكتبها أصبح هؤلاء الأيتام في الشوارع يهيمون على وجوههم بدون مأوى ولا طعام ولا لباس، حتى بكتهم كثير من الأقلام الغربية، وتعاطفت معهم الصحف العالمية، حيث تم نشر أكثر من اثني عشر مقالاً عنهم في كل من أمريكا وبريطانيا واستراليا، كلها تتألم وتتحسر على تسريح هؤلاء الأيتام بهذا الشكل المخزي واللا إنساني .

يـا ضيعة الآمــال في    زمن تُبـاع به القيمْ
وُئدَ الحيــاءُ وحُطِّمت   في عصرنا شُمُّ الشيمْ
لا تســألوا عـن أمتي   في عالَمٍ شــرهٍ نَهمْ
لا تســألوا عن قصعة   فــوقَ الموائد تُلتهمْ
لا تســألوني فـالجوا    بُ يزيدُ في قلبي الألمْ (3)

وإن سألتم، فماذا عسانا نقول؟! إنها كارثة ومأساة ؟! فمن لمئات آلالاف من الأيتام الذين كانت تكفلهم تلك المؤسسات؟ من للمرضى؟ من للمساجد والمدارس؟! من سيتولاها؟ من سينفق عليها؟ من للمنكوبين والمستضعفين؟ من للأرملة والمسكين؟ أترك الإجابة لكل ذي ضمير حي وإحساس نبيل؟ أترك الإجابة لكل إنسان يحمل الإنسانية الصادقة بين جنبيه، يا الله كم ستكون الصدمة شديدةً إذا عطل هذا الدور، أو توقفت هذه المسيرة، أو حجب ذلك النور، يا الله كم ستكون المصيبةً كبيرةً إذا جُفِّفَ ذلك النهر من العطاء، أو أغلق هذا الباب من الخير، ستكون الكارثة التي تحل بالأرض، فلا تعاون ولا تآزر، ولا تواصل ولا تراحم، ولا سخاء ولا عطاء، ليهلك المريض، ويموت الجائع، ويرتكس العالم في مستنقعات الجهل والبدع والخرافات، فهذه المؤسسات هي اليد الرحمة التي تمتد على كل أرض، وتجوب كل قطر، فتمسح دموع اليتامى، وتبدد أحزان الثكالى، وتقتلع مآسي الأرامل، وتراعي الأطفال، وتواسي المنكوبين، فكم للشتاء القارس من رزايا، وكم للحروب من ضحايا، وكم للفقر من أنياب تعض أكباد الجياع والمعوزين، كم من يتيم مات أبوه، وأرملة فقدت عونها وشريكها، وثكلى بقيت وحيدة تجتر آلامها وأحزانها، فطرقت مؤسسات العمل الخيري أبوابهم، تحمل الأفراح بعد الأتراح، وترسم البسمة مكان الدمعة، وتشعل الشمعة وسط الظلمة، وتكون لمسة حانية في وجه قسوة الأيام والآلام، فالمؤسسات الخيرية الإسلامية كانت وما زالت خير معين، في رفع المعاناة عن كاهل المنكوبين، بل لقد تجاوزت حقوق الإنسان إلى حقوق الحيوان، امتثالاً لقوله : ((فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ))، بل ها هو أحد مصارف الزكاة الثمانية موجه للمؤلفة قلوبهم من غير المسلمين أينما وكيفما كانوا . فأي شقاء سيحل بالبشرية إذا حيل بينها وبين هذا الخير، وأي بؤس سيعشعش في أجوائها إذا اغتيل هذا العطاء . أيعقل بعد هذا الخير كله أن يكون هناك من يُغيظه نجاح العمل الخيري، وتأثيره العالمي ؟!.

أيها المسلمون: إن اتهام المؤسسات الخيرية بالإرهاب أو التضييق عليها من الأعداء، أمر ليس ذا بال، ولا يهمنا لأنه ليس بجديد، بل هو الصراع بين الحق والباطل منذ زمن بعيد، لكن أن تُجهض المؤسسات الخيرية، وبأيد مسلمة، فهو ظلم تقشعر له الأبدان .

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة      على المرء من وقع الحسام المهند

إي وربي ظلم وأي ظلم، يوم تُتهم اليد الحانية بالغدر، ويفاجأ العاملون المخلصون بالنحر؟! كان المفترض أن يُشكرون، أو على الأقل أن يستشارون فهم مؤتمنون، وهم أصحاب رأي وتجارب، لقد كانوا يعملون ونحن سادرون؟ كانوا يسهرون ونحن نائمون؟ كانوا يجوبون الأرض ونحن بين أزواجنا وأولادنا منعمون؟ كان همهم إشباع الفقير، وتقديم الدواء للمريض، وتوفير الغطاء لليتيم، وإزاحة ركام الأسى والألم من قلب الثكلى والأرملة، كواهلهم مثقلة بالأعباء ، يمدون أيديهم بالعون وألسنتهم تلهج بالدعاء، وقلوبهم تنضح بالصفاء، إنهم الرئة السليمة في هذا العالم الموبوء، ويوم تخنق هذه الرئة، أو يحجم دورها فهي الكارثة الكبرى، والخسران المبين للناس أجمعين .

عباد الله! لقد بدأت قصة المحاولات لاغتيال العمل الخيري الإسلامي قديمًا عندما شرقت الهيئات التنصيرية رغم ضخامة حجمها ودعمها، نعم شرقت وربي بثمار وبركات المؤسسات الخيرية الإسلامية رغم التضييق عليها وضعفها، لقد جن جنونهم وبذلوا المستحيل، وبان العداء، وانكشف الغطاء، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر، وذلك باتهام ومطاردة كل ما هو إسلامي، فمورس مع هذه المؤسسات وعلى مستوى العالم كل أنواع التضييق والتحجيم والإغلاق لمكاتبها، والتهديد والترحيل والاعتقال لمنسوبيها، وإدراج الكثير منها على قائمة المنظمات الإرهابية، وتوالت الضغوطات على الحكومات الإسلامية تجاه هذه المؤسسات والجمعيات بالداخل؛لتقطع خيرها عن المسلمين ودعم قضايا الإسلام بأي صقع في العالم، حتى ولو كان لأيتام يتضوون جوعًا في دغل إفريقي، في الوقت الذي تُطلق فيه آلاف الجمعيات التنصيرية واليهودية بكل مكان في العالم وبكل التسهيلات، خاصة في بلاد المسلمين، فلا أحد يستطيع أن ينكر حجم نشاط الجمعيات الغربية والتنصيرية في أفغانستان والعراق خاصة بعد الحرب عليهما، بل إن عدد المؤسسات غير الربحية في أمريكا وحدها تزيد على مليون ونصف المليون،كما تشير التقارير والإحصائيات الرسمية، وأن ثلثيها مؤسسات خيرية، والعجب معاشر الإخوة أن مجموع إيرادات هذه المنظمات يزيد على مائتين واثني عشر مليار دولار، كما يشير آخر إحصاء في عام ألفين وواحد، وأن ثمانا وثلاثين بالمئة (38%) منها تذهب لمنظمات وأغراض دينية. أما في إسرائيل الدولة الصغيرة الناشئة فتؤكد الدراسات أن عدد المنظمات غير الربحية فيها عام ألفين واثنين: أكثر من ثلاثين ألف منظمة مسجلة، وأن نحو النصف منها قائم على أساس ديني، وقد بلغت تكاليف مشروعاتها الخيرية في ذلك العام وحده: إحدى عشر مليار دولار، وتؤكد الدراسات أن أكثر هذه المنظمات الأمريكية والإسرائيلية بل وفي كثير من الدول الغربية: معنية بالدين والتنصير، ومن حقها القانوني العمل في الخارج وفي جميع ساحات النزاع والصراع، ولها كل التسهيلات وتذليل العقبات..، وأن هذه المؤسسات شعبية حرة طليقة لا علاقة للحكومات فيها بأي حال، بل هي تسمى: بالقطاع غير الحكومي، أو بالقطاع المستقل، وهو استقلال حقيقي يحظى بالدعم المادي والمعنوي الكبير، وكل هذا دلالات على إدراك القوم بأهمية مؤسسات العمل الخيري وتعددها، ويقينهم بأنها لا يمكن أن تكسب ثقة الناس وتعاونهم إلا باستقلالها عن الحكومات، وهم يعرفون جيدًا دورها العظيم في التنمية وبناء الحضارات، فأين المتأمركون فإن هذا ما يستحق أن يقتدى بهم ويؤخذ من تجاربهم، فيا سبحان الله!

أحرام على بلابله الدوح        حلال على الطير من كل جنس ؟!

ويشتد أخي بك الألم ويبلغ مداه عندما تسمع أنه في الوقت الذي يُسعى لاختزال أعمال الجمعيات الخيرية بمؤسسة واحدة، يتم في أمريكا افتتاح مائتي (200) جمعية خيرية يوميًّا، وبشكل مستمر حسب ما أشارت إليه معدلات النمو في بعض الدراسات، وتصيبك الحسرة حين تعلم أن مجموع عدد المنظمات الخيرية في كل أقطار العالم العربي تقدر بنحو ثلاثين ألف منظمة، أي بحجم مؤسسات دولة إسرائيل وحدها، ولم أجد إحصاءات تَذكر مجموع إيرادت تلك المؤسسات العربية، لكن يكفي أن أذكر أن عدد الجمعيات الخيرية المعنية بشئون الخارج في مجموع دول الخليج يقدر بثلاث وثلاثين منظمة فقط، وقد لا يتجاوز حجم إنفاقها السنوي نحو نصف مليار دولار، يزيد أو ينقص قليلاً . فيا عجباً! أيصدق هذا ؟ أيعقل أن هذا المبلغ الزهيد نصف مليار أمام مئات المليارات، هو الذي أحدث ضجة في الأروقة السياسية في دول العالم الكبرى، وأقام كل هذه الضجة الإعلامية والسياسية، وكل هذه الضغوطات على الحكومات الإسلامية، من إغلاق وتحجيم لمؤسساتها الخيرية، إنها أرقام تزيد المسلم يقينًا بخبر القرآن:إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ إنه اليقين برب العالمين، إنها بركة المال المسلم، وإن كنا نتألم عندما نعلم أن الكثير من هذه المؤسسات الإسلامية رغم قلتها وضعف إمكاناتها، قد أغلق، أو حجم ؟! وقد يكون بعضها مؤسسات عريقة ذات اسم عالمي، وكل منصف سيدرك حتمًا أن إلغاء المؤسسات الخيرية القائمة، والتي لها باع طويل وخبرة في العمل الخيري سيترك فراغًا تنشط فيه الخلايا المشبوهة، والأعمال الفردية، وسيغذي التطرف والتشنج، وسيحرج العقلاء والعلماء، وربما يكون التوجه للمؤسسات الخيرية في الدول المجاورة، والخطر كل الخطر أن الساحة العالمية ستخلو لآلاف المؤسسات التنصيرية وغيرها من المؤسسات الغربية..، فهل يُتنبه لهذه الآثار قبل فوات الأوان؟! ثم إن الجميع يشهدون بأن مؤسسات العمل الخيري واجهة إنسانية مشرفة لهذا البلد، وأن لها دورًا كبيرًا في تأصيل وتوثيق سمعة وعلاقة هذه البلاد وأهلها بالدول والشعوب والأقليات المسلمة، حتى أصبحت هناك ولاءات متينة وكبيرة لهذه البلاد وقادتها وشعبها، وبالتالي فلا بد أن ندرك أن أي محاولة لتحجيم أو إضعاف دور تلك المؤسسات لا شك سينعكس سلبًا على تلك العلاقات، بل هو سيثبت للمشككين تلك الادعاءات الصهيونية بأن بلادنا دولة إرهابية، وأنها تدعم الإرهاب، وأن الوهابية تعني التطرف والعصبية، وكلها افتراءات ومحاولات مستميتة لإبعاد هذه البلاد المباركة عن مكانتها الدينية والعلمية والدعوية والإغاثية .

إخوة الإيمان! كل هذه الخيرات تؤكد ضرورة استمرار العمل الخيري وشعبيته، وتعدد مؤسسات المجتمع المدني،واستقلاليتها، وأنها تعد من خطوط الدفاع الأولى للدول والأمم، بل وتعتبر من أهم مقومات الإصلاح الجاد والمثمر، فالعمل الشعبي الخيري في الدول المتقدمة هو: القطاع الثالث من قطاعات التنمية، بعد القطاع العام والخاص، خاصة مع تسارع المتغيرات والمستجدات وظروف العالم اليوم، والتي تستدعي وبسرعة افتتاح آلاف الجمعيات والمؤسسات الطوعية، وبمختلف النواحي والتخصصات..لا إلغاءها أو تحجيم دورها .

وأختم بنداءات وكلمات، أبدؤها بقيادتنا وولاة أمرنا الذين يَشهد لهم العالم بأسره بحبهم للخير، ونصرتهم للمنكوبين،حتى أصبحوا روادًا فيه، بل يجري في عروقهم ودمائهم، وربي يعلم أني لا أقوله مجاملةً، بل اعترافًا لأهل الفضل بالفضل، ونحن على يقين أنهم بحنكتهم وحكمتهم سيحرسون العمل الخيري ومؤسساته مهما كانت التحديات، وسيرجعون البسمة لعامة الناس وخاصتهم والذين أصابهم اليأس والإحباط بكثرة القيل والقال حول مصير مؤسسات العمل الخيري، وسيردون – كعادتهم وبمشيئة الله - المكر لأهله، نسأل الله أن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأن يقيهم بطانة السوء وشر المنافقين والكافرين .
أيها القائمون على المؤسسات الخيرية! اتقوا الله، إنما هي أوقاف وأمانات وهي عظيمة وثقيلة وستسألون عنها، فاصبروا وصابروا، وجاهدوا ولا تيأسوا، فحسبكم أن الله شرفكم في هذا العمل وخصكم، وهي حقوق للمسلمين ائتمنوكم عليها،ووثقوا بكم، ولن تُعذروا أمامهم ولا أمام الله، فإياكم والتفريط فيها، مهما أصابكم .

أيها المحامون..يارجال القانون..!هذا يوم جهادكم ، فهيا لإبطال الدعاوى، وكشف الشبهات ، ونصرة المظلوم .

يا كل مسلم قادر، ويا كل مسئول وعالم! هيا ضعوا أيديكم بأيدي ولاة أمركم، وكونوا بطانة ناصحة لهم، وقفوا معهم مناصحة ومشافهة ومكاتبة؛ فإن هذا حقهم المشروع بالكتاب والسنة، وهو نصرة لدينكم ووطنكم، وحفظ لأنفسكم، فنحن لا نخاف على الفقير واليتيم والمحتاج فلهم رب رحيم كريم، وللعمل الخيري رب يحميه، لكن نخاف على أنفسنا، نخاف على وطننا، نخاف على أمننا وخيراتنا؛ لأننا نعلم يقينًا أن ما نحن فيه من رغد ونعمة، هو بسبب تلك اليد الرحيمة المعطاء التي تُطعم المسكين، وتمسح على رأس اليتم، ولعل دعواتهم قد دفعت عن أهل هذا البلد من الشرور الكثير، ولا ندري والله إن حُجمت أو توقفت، أي شيء يبقى لنا عند ربنا؟! نسأله أن يرحمنا ولا يؤاخذنا بضعفنا وفتورنا، ولا بما يفعله السفهاء منا.

وأنتم يا رجال الأعمال والمال! احذروا فإن المال مجبنة مبخلة، وهو مال الله عارية عندكم، وستسألون عن القرش والريال، فإياكم أن تبخلوا أو تجبنوا أو أن تتخلوا عن إخوانكم في الخارج ليصبحوا فريسة سهلة للتنصير والبدع والخرافات، اسمعوها جيدًا وعوها: إن هذا امتحان من الله لكم، إنما تُنصرون بضعفائكم، وتذكروا دائمًا أن الحافظ لكم ولأموالكم هو ربكم، فهو الذي بيده مفاتيح الرزق، وهو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، وهو القادر أن يذهب خيركم ، ويمحق تجارتكم، فثقوا به وأحسنوا الظن يزدكم ويبارك لكم. ولعلي أستثيركم والخير في نفوسكم، بهذا الرقم، فالمؤسسات الوقفية المانحة بأمريكا تتجاوز اثنين وثلاثين ألف مؤسسة وقفية، كان آخرها تقريبًا مؤسسة (بل غيتس) الخيرية، والتي تساوي أوقافها فقط، مجموع أوقاف دول العالم العربي كلها، فأوقافها بنحو: أربع وعشرين مليار دولار. إن في هذا لذكرى لمن كان له قلب .

وآخر النداءات: رجاء ملؤه الحب والتقدير للمتحمسين بتركيز العمل الخيري على الداخل وأنا منهم بأن نكون على مستوى الحدث، وعمق الفهم وبعد النظر، وأن نتنبه للمراد، وأن العمل الخيري في الخارج والداخل كلاهما واجب شرعي، وأنه في كلٍ خير، ولكلٍ فرسانه، وأن هذا يكمل هذا، وأن العمل الخيري الإسلامي كله مستهدف ولن يتوقف الكيد له، بل إنها خطوة يتبعها خطوات، وهانحن نسمع ونقرأ في هذه الأيام الهجوم الصريح والاستعداء الكبار من المتغربين حتى على المناشط والمحاضن الخيرية الداخلية،وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ
أيها المسلمون! أبشروا فيبدو أن من يكيد للعمل الخيري لا يفهم حقيقة الإسلام ولا يعرف أن له طعمًا هو الذي يدفع المسلم من داخله بغرسه وعطائه، نسي هؤلاء أن المسلم يقرأ كل يوم: { فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ، وأنه يرتل ترتيلا: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ }. يبدو أنهم نسوا أن العمل الخيري كان ولم تكن مؤسسة ولا جمعية، غفلوا أن المسلم الفرد هو مؤسسة متنقلة بكل مكان يحمل الهم، ويغرس الأمل، ويمد يده لكل محتاج، غاب عنهم أن مكرهم بجمعيات ومؤسسات العمل الخيري في الخارج سيجعل كل مسلم على وجه الأرض مؤسسة وحده، فهو سيشعر بالتحدي والذاتية، وستنطلق ملايين المؤسسات الفردية، للعمل الدؤوب في كل مكان في العالم مهما كانت العقبات والتضحيات، وحينها سيندم هؤلاء ويتمنون أن لم يحركوا ساكنًا.

إخوة الإيمان! ما على المسلم إلا فعل الأسباب،وبذل المستطاع، وبحكمة وهدوء، وإلا فإن العمل الخيري بحر زاخر، إن أُغلق طريقه شق له ألف طريق، "والمسلم صاحب عقيدة، يؤمن بأن كلمة الله هي العليا، وأن الحق يعلو، وأن الخير سينتصر في النهاية، وأن العزة لله ورسوله وللمؤمنين، وأن أعداء الله { كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ، يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ،وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }، ويبقى أن يتذكر المسلم في كل محنة أن الهزيمة إنما هي هزيمة الروح، وأن هذه بيده لا بيد عدوه" [من مقدمة الشيخ صالح الحصين لكتاب القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب (ص9) بتصرف يسير].

وأوصي في النهاية من أراد مزيدًا من الأخبار والأرقام والمفاجآت بقراءة كتاب مهم ورائع وجميل، اسمه: ( القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب)، ألفه وبذل فيه جهدًا كبيرًا أحد أبناء هذه البلاد المباركة د. محمد بن عبد الله السلومي، جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء، نسأل الله أن يثبتنا على الدين، وأن يُصلح أحوال المسلمين، وأن يكفينا شر المبطلين والمنافقين.

للاستماع للخطبة
http://media.islamtoday.net/real/m/893.ram  
لحفظ للخطبة
http://media.islamtoday.net/real/m/893.rm 
 

--------------------
[1] -  صحيح الجامع وعزاه إلى(البزار، طب)عن أنس . انظر: الصحيحة (ح:149).
[2] - صحيح الجامع وعزاه إلى(خد، طب، ك، هق) عن ابن عباس . انظر: الصحيحة (ح:149).
[3] -  مليكة الطهر ، المقرن  (ص 27).

 

العمل الخيري