اطبع هذه الصفحة


ساعة واحدة يوميا

محمد جزائري
جريدة الشرق الأوسط
السبـت 18 شـوال 1426 هـ 19 نوفمبر 2005 العدد 9853


أولاً هذا السؤال: ما هو آخر عمل تطوعي التزمت القيام به؟
غالباً الجواب: لا شيء.
لماذا مجتمعاتنا العربية الأفقر في مفاهيم التكافل الانساني؟ لا أعرف أسباباً مباشرة ودامغة، ولكن بالتأكيد هي نتاج خليط من التربية الأسرية والبيئة الاجتماعية والتعليم والخبرات الشخصية.
ذات السؤال طرحته على مجموعة من الطلاب في المرحلة الثانوية، مضيفاً لهم سؤالا عن مفهوم العمل التطوعي. بالتأكيد الأجوبة لم تكن مفاجئة، ولكنها كانت تأكيداً محزناً على مدى تفاعل الجانب الإنساني في حياتنا اليومية. ولكن ما يستحق الاهتمام أكثر أن غالبية شالطلاب رأوا في الاسهام المادي عملاً تطوعياً كافياً. ما يدفع بدوره الى سؤال آخر حول المدى الذي أضحت فيه قيمنا مادية بحتة مجردة من المشاعر.
العام الماضي ظهر الملك عبد الله بن عبد العزيز، وهو يزور أماكن فقيرة، واذا كان بعضنا صدم بوجود مثل هذه البقاع، فأكثرنا يعرف عن وجود مثلها في عدة أماكن في بلادنا.
مرة أخرى، لماذا لم نرَ شباناً تطوعوا بعد زيارة الملك بالذهاب الى هذه الأحياء وتنظيفها وطلاء جدارنها ومساعدة ساكنيها المتقدمين في السن الذين يعيشون بلا عائل، لماذا اكتفينا بالحزن دقيقة؟ وإخراج ما قسم الله من الجيب في أحسن الأحوال.
يقول فراس البليهد، 17 ربيعاً، الطالب في مدارس المملكة بالرياض «بالتأكيد أن التربية الأسرية والبيئة الاجتماعية عاملان مساعدان في غياب هذا النوع من المبادرات. فضلاً عن ضعف روح المبادرة عند الشباب. فلو قررنا يوماً كشبان الذهاب لتنظيف أحد الاحياء الفقيرة، ستجد العدد يتناقص سريعاً بين الراغبين في تقديم المساعدة، وبسرعة تنحسر الفكرة لمجرد دعم مادي يتم جمعه».
مجدل القحطاني، أيضاً طالب في المرحلة الثانوية، آخر عمل تطوع به هو توزيع المطويات الدينية وإفطار صائم، يقول «العمل التطوعي هو ما يتم عمله بدون التفكير في مردود من ورائه، والاكتفاء بفائدته الاجتماعية، مثل توزيع المطويات والكتب الخيرية والأشرطة الدينية التي تنفع الناس في أمور دينهم ودنياهم».
والحال أن الشبان ليسوا المسؤولين وحدهم عن قصور وعيهم بالعمل التطوعي ومجالاته، فكثير من القطاعات أيضاً مسؤولة، من مؤسسات صحية ودور رعاية ومؤسسات مدنية. مسؤولة لأنها لا تعترف بفتح المجال لهذا النوع من الاعمال في قطاعاتها صيفاً على سبيل المثال.

ما هي المهارة التي تحتاجها الفتاة أو الشاب للبقاء مع المرضى كبار السن في المستشفيات ومساعدتهم على القيام بأعمالهم البسيطة. ما الذي يمنع المراكز الصيفية أن تكون من ضمن برامجها ساعتان يومياً لزيارة دور الأيتام ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة. ما الذي يمنع شبان كل حي من التطوع لتنظيف جدران الحي وإعادة طلائها من العبارات السخيفة والرسومات التي تشوهها. ما الذي يمنع كثير من الاعمال الانسانية الحقيقية من الظهور على وجه المجتمع السعودي. لا شيء في العالم يساوي ابتسامة مغبون او مقهور أو بائس عرفاناً منه بمعروف قدمته له. ولا حتى التبرع بمئات الالوف تغني عن مشاركة انسان آلامه والاستماع اليه ومساعدته.

سؤال أخير فيه اختبار لمعلومات القارئ: ما هو المنهج التعليمي الثانوي الذي يحوي هذه الموضوعات.. مفهوم العالم الاسلامي وعوامل وحدته، جهود تحقيق الوحدة والتضامن الاسلامي، التحديات العصرية والغزو الفكري؟ أعلم أن البعض أجاب بأنه منهج التاريخ، وآخرين بأنه منهج الجغرافيا، ولكن الجواب الصحيح أنه منهج التربية الوطنية.


* مقال يتناول آراء الشباب حول قضايا الساعة
 
التعليــقــــات
د عـيـدروس عـبــدالــرزاق جـبـوبـــة، «المملكة المتحدة»، 19/11/2005
إن العمل التطوعي موجود في الإسلام الذي يحث عليه بل ويشجعه، ولكنه في الدول العربية والمسلمة لا ينفذ على الوجه الصحيح، بل يكتفي المجتمع بالصالح من الدعوات والبعض يخرج مبلغا من جيبه مكتفيا بالصدقة والزكاة السنوية، متناسين قضية الوقف والزكاة الجارية، إلا من رحم ربي. في حين نجد الغربيين يحاصرهم الحض على فعل الخير في الجرائد التي يقرؤونها والراديو والتلفزيون، بل وفي الجمعيات والمنظمات الطوعية المترامية الأطراف، فالمسألة إذن هي ثقافة وتربية منذ الصغر، يتم غرسها في وجدان فئات المجتمع، وعلى رأسها يقف حشد هائل من نجوم المجتمع سواء في الرياضة أوالفن أو حتى السياسة، فيد واحدة لا تصفق ، بل على الجميع إعطاء العمل التطوعي ولو ساعة كما قال محمد جزائري.

أبو أصيل الجعيدي، «اليمن»، 19/11/2005
أشكر الكاتب على طرقه هذا الباب فهو مجال لم يتعرض له كثير من صحافيينا على حسب علمي رغم أهميته، وأقول إنَّ العمل الخيري في مجمله جزء من ثقافة وأخلاق المجتمع. ونحن كمسلمين رغم أن ديننا يحثنا على فعل الخير إلا أن محصلة الأعمال الخيرية في بلداننا تكاد تكون غير ذات شأن . وإذا نظرنا إلى البلدان الغربية فنجد أن مجالات العمل الخيري متعددة ولا تنحصر في تقديم المال كما يحصل عندنا، بل تركز على المساعدات المعنوية إن جاز التعبير كزيارة المرضى والمسنين والأيتام، ويتم قياسها بعدد الليالي أو الساعات في السنة التي يقضيها كل مواطن ( في المتوسط ) لدى رجل مسن أو مريض وحيد أو في دار الأيتام أو في المشاركة في عمل جماعي مفيد مثل طلاء واجهات المباني القديمة كما أشار الكاتب . هذا جزء من ثقافة المجتمع وأخلاقياته تتصدى لغرسها في عقول النشء الأسرة والمدرسة وتترسخ من خلال القدوة التي يظهرها نجوم وسادات المجتمع في تبنيهم لمثل تلك الأعمال.

أحمد خالد، «المملكة العربية السعودية»، 19/11/2005
مقال رائع جدا من كاتب شاب نتطلع لكي يكون من أعمدة الكتاب السعوديين. وإن كنت أختلف معك عزيزي محمد بأن المنهج التعليمي هو المواد الدينية التي علمتنا أن الشخص يجزى بمساعدته الآخرين ودائما ماحثتنا على ذلك.
صراحة لا أتصور صباح يوم سبت من غير أن أقرأ مقالتك.

محمد رضا نواوي، «المملكة العربية السعودية»، 19/11/2005
مع الأسف يا أستاذ محمد هناك حقيقة مرة موجودة لدى البعض ، ما يمنع الشباب من العمل التطوعي مثل تنظيف المنتزهات على سبيل المثال هو نظرة بعض الأشخاض الجاهلة التي لا ترى أي مشكلة من إهمال هذه المنتزهات حيث أنها تمارس إلقاء المخلفات فيها دون أي حرج من ذلك فهؤلاء الأشخاص تجدهم دائما ينقصون من عزيمة الشباب الراغبين في الأعمال التطوعية بإستهزائهم وعدم مشاركتهم ، والأمثلة على ذلك كثيرة. نحتاج إلى علاج مشكلة الاهتمام الذاتي الذي يقوم به الشخص بنفسه ولنفسه ولبيئته حتى نستطيع تعميم ثقافة العمل التطوعي.

باسم محمد صالح، «الولايات المتحدة الامريكية»، 19/11/2005
لقد أضحت المادة هي الأساس في التعامل بالوقت الحاضر. وضعف الجانب الإنساني متأتي من سرعة إيقاع الحياة مما أضعف التكافل بين الأفراد والجماعات، ولعل للتكنولوجيا تأثيرها أيضا فقد ساعدت على أداء الكثير من الأعمال دون الحاجة إلى التكاثف لأدائها . ورب من يسأل عن المجتمعات المتطورة تكنولوجيا والتي تزدهر بها الأعمال التطوعية والجواب على ذلك هو أن هذه المجتمعات قد هضمت التكنولوجيا التي تتعامل بها أولا وأن درجة الوعي لديها عالية، ثانياً أن تدني مستوى العمل التطوعي في مجتمعنا العربي يرجع إلى تحوله من مجتمع قيمي إلى مجتمع مادي مقلد لما يستورده إضافة إلى القهر الذي يواجهه في حياته على مختلف الأصعدة الاجتماعية والفكرية والاقتصادية وأن النهوض بواقع حال المجتمع العربي سيؤدي إلى التطور في كل ميادين الحياة.

صالح صالح.، «المملكة العربية السعودية»، 19/11/2005
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ). ليتنا كمسلمين نستشعر معنى هذا الحديث ونطبقه.
ولتطبيقه، وما أحوجنا إلى ذلك في هذا الوقت المادي في أغلب جوانبه، هناك العديد من الوسائل.
فمن خلال المسجد مثلا والذي يمكن أن يأخذ أكثر بكثير من دور الصلاة فيه فقط ومن ثم انصراف المصلين دون أن يسلم أحدهم على الآخر إلا إذا كان يعرفه مسبقا، والذي لا أراه فيما يبدو يحقق الهدف من جمع المسلمين في اليوم خمس أوقات على الأقل، فهذه فرصة كبيرة للتباحث في أحوال أهل المسجد ومن ثم الحي ومحاولة وضع آليات لتحقيق ما ينفعهم.
 

العمل الخيري