اطبع هذه الصفحة


تمـويل العمـل الخيـري العربي المعاصـر ومؤسساتـه (*)

الأستاذ محمد بكّار بن حيدر
مدير عام جمعية بيت الخير- دبي

 
المقدمة

تسعى كافة المنظمات الخيرية إلى تنمية مواردها البشرية والمالية لتواكب باقي المنظمات في القطاع العام والخاص ولتتماشى مع عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي والتطور التكنولوجي, النجاح في المنظمات الخيرية مرتبط إلى حد بعيد بمدى قدرتها على تنمية مواردها البشرية والمالية وكذلك استمراريتها وفعاليتها في المجتمعات التي تعمل ضمنها. وما سنتناوله ونركز عليه في ورقة العمل هذه هو تمويل العمل الخيري العربي المعاصر.
مما لا شك فيه أن الأموال الخيرية العربية من الضخامة بمكان وتحتاج إلى تنمية مستمرة, فالجهات المانحة تسعى إلى تنمية مواردها بشكل مستمر. وكذلك الأمر بالنسبة للجهات المتلقية وذلك نظراً لتزايد العوز والفقر في المنطقة العربية خاصة وأن الحكومات العربية في ظل العولمة بدأت بالرفع التدريجي للدعم عن السلع والخدمات التي توفرها لشعوبها شأنها شأن باقي دول العالم, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى, للتباطؤ الاقتصادي الذي تواجه معظم دولنا العربية مع معظم دول العالم من ناحية أخرى بالإضافة إلى ارتفاع الدين العام وقلة الضخ الحكومي. ولكل ما تقدم نرى ضرورة التركيز على إيجاد بدائل للتمويل الخيري العربي بعد تراجع الدور الحكومي وانحسار التمويل الدولي, إن لم نقل بجفافه, وخاصة بعد المتغيرات الأخيرة. ولهذا لا بد لنا كقائمين على العمل الخيري من الاتجاه والتركيز على القطاع الخاص وتشجيعه على المساهمة على العمل الخيري والإنساني والاجتماعي بصورة أكبر وبأدوار رعائية للأنشطة الخيرية بدلاً من المساهمات المتفرقة والأشبه بالفردية.

أولاً : مفهوم تمويل العمل الخيري
يكتسب مفهوم تمويل العمل الخيري أهمية حيوية لأنه يفتح آفاقاً كبيرة لتنمية موارد الخير العربي, وعلى كل مؤسسة خيرية أن تراعي عدداً من الشروط لتحقيق هذا الهدف وذلك بتخفيض المصاريف من ناحية وزيادة الدخل من ناحية أخرى عن طريق الإدارة الفعالة التي تجعل من عملائها ليسوا فقط مستفيدين من مواردها, ولكن تجعلهم في آن واحد مصدرا لتمويل الأنشطة, ومن جانب آخر فإن أمام المؤسسات الخيرية معادلة صعبة, فالإحجام عن الإنفاق على أنشطتها اللازمة لجمع التبرعات يقلل من عوائد تبرعاتها النقدية والعينية, ومن المهم أن تتضافر جهود المؤسسات الخيرية للتوصل للنسبة المعقولة للمصاريف الإدارية والفصل بينها وبين المصاريف تنمية الموارد.
إن تمويل العمل الخيري يعتبر عنصراً فاعلاً لزيادة النشاطات وتوفير الخدمات, ومعظم المؤسسات العاملة في هذا الميدان هي مؤسسات أهلية تعتمد على التمويل الذاتي والتبرعات والهبات والوقف في تمويل مشاريعها الاجتماعية, وهناك من المؤسسات ما تتلقى الدعم الحكومي لتشجعها, أو لكي تنوب عن الحكومة أو بعض الجهات الأخرى, ومن المهم أن يكون نشاط تلك الجمعيات إضافة وليس اعتماداً, فيقف العمل عند توقف التمويل.
ومن المعروف أن المؤسسات العاملة في ميدان العمل الاجتماعي تمر بعدة مراحل فيما يتعلق بتمويل المشاريع بداية من التبعية, وصولاً إلى الاعتماد على الذات, أو الاعتماد المتبادل كمرحلة عليا, وإحداث الشراكة مع الجمعيات والمنظمات الأخرى.

ثانياً: مصادر تمويل العمل الخيري
تشكل قطاعات المجتمع المختلفة, وهي القطاع الحكومي والعام والقطاع الخاص والقطاع التعاوني والقطاع الأهلي والأفراد بصفتهم الطبيعية, مصادر خصبة للتمويل وتنمية موارد مؤسسات العمل الخيري. وتضطلع أغلب تلك القطاعات بأدوار متفاوتة في دعم العمل الخيري وتمويل برامجه وأنشطته ومشاريعه الخدمية والتنموية. كما تعتبر الزكاة والأوقاف من المصادر الرئيسية لتمويل العمل الخيري وسنعرض فيما يلي مساهمات كل قطاع من تلك القطاعات في تمويل العمل الخيري.

1. القطاع الحكومي:
بدأت الحكومات العربية ولا سيما في السنوات الأخيرة تراعي في أنظمتها دعم وتشجيع المؤسسات غير الحكومية الربحية, سواءً كانت تقوم بعمل اجتماعي أو علمي أو ثقافي أو فني أو رياضي ... الخ, إلا إن الدعم الحكومي أصبح يشهد تراجعاً في الآونة الأخيرة ولا يجب النظر إلى حكومة في الوقت الحاضر كأكثر مصادر التمويل أهمية, لأن الدعم الذي تقدمه للعمل الخيري لا يشكّل إلاّ نسبة ضئيلة من مصادر التمويل الأخرى.
والمعروف أن العمل الإجتماعي ومؤسساته في أغلب الدول العربية قد اعتادت الإعتماد على الدولة في تنفيد أنشطته وبرامجه خلال العقود الماضية, الأمر الذي أدى إلى بروز إشكالية أحادية التمويل لمشاريع وبرامج وأنشطة العمل الاجتماعي وضعف المصادر التمويلة الأخرى وأثرها بالتالي على فاعلية مؤسسات العمل الإجتماعي مما حال دون تنمية مواردها وتفعيل مساهماتها الإجتماعية. ولكن الحال يختلف بالنسبة للعمل الخيري إذ لا يشكل الدعم الحكومي لها سوى نسبة ضئيلة جدا, فضلاً عن أن بعض الجمعيات الخيرية لا تأخد أي دعم مالي من الحكومة, حيث أنها تكتفي بمصادرها الذاتية ومصادر التمويل الأخرى غير الحكومية.

2. القطاع الخاص:
يجب التمييز هنا بين الشركات العائلية المملوكة لشخص وعائلته والشركات المساهمة مثل شركات التأمين والبنوك والشركات المساهمة العامة, فالملاحظ في الوطن العربي إن الشركات العائلية أو الفردية لها نصيب الأسد في المساهمات الخيرية ويعتبرون أهم الروافد المالية للعمل الخيري, أما الشركات المساهمة فيعتبر دورها ضعيف جداً في دعم العمل الخيري العربي مع العلم بأن رأس مال تلك الشركات يعتبر كبيراً جداً بالمقارنة مع الشركات العائلية, وأن ما يميز الغرب هو الإعتماد على الشركات المساهمة الكبيرة في دعم النشاط الخيري, والمطلوب عربياً هو تكثيف الجهود على تلك المؤسسات والشركات المساهمة لإقناعها وإقناع مجلس إدارتها والمساهمين فيها بضرورة القيام بدورهم المجتمعي بشكل أكبر ويتماشى مع دورهم الإقتصادي والمالي, فبذلك نكون قد ضمنا موارد مالية كبيرة تدعم العمل الخيري بشكل كبير ولأمد طويل.
إن هذه المسألة الحيوية حول أهمية النظر إلى القطاع الخاص كمصدر واعد لتمويل مشاريع الخير العربي يتطلب التفكير في وضع نظم تحفيزية لجذب هذا القطاع وتفعيل مشاركته المجتمعية لتمكين مؤسسات الخير العربي على الديمومة والاستمرار كمكون أصيل في بنية المجتمع المدني العربي.
إن المرحلة الراهنة تتطلب أن يرتقي القطاع الخيري بتنظيماته وآليات عمله لكسب ثقة القطاع الخاص ويمكنه في ذلك اتباع الخطوات التالية:
أ‌. اعتماد سياسة الشفافية والمسائلة من قبل مؤسسات الخير العربي, وإقناع المتبرعين في القطاع الخاص بحيوية المشاريع والبرامج التي تنفذها.
ب‌. إعداد مشاريع متكاملة مقرونة بدراسات جدوى اقتصادية واجتماعية وتقديمها لمؤسسات وشركات القطاع الخاص لتوفير التمويل ودعم تلك المشاريع ولو على مراحل وبشكل تدريجي.
ج. إشراك القطاع الخاص في إبداء الرأي والمشورة والأخذ بمقترحاته في اختيار المشاريع, الأمر الذي يجعله متبنياً ومنتسباً للأفكار المطروحة.
د. إطلاع الشركات والمساهمين في تمويل المشاريع الخيرية وبشكل موثق وشفاف بالنتائج المتحققة عن المشاريع المساهم في تمويلها.
هـ. دعم شركات ومؤسسات القطاع الخاص التي تتبرع وتقوم بتقديم خدماتها للمجتمع من خلال خفض ضرائبها أو إلغائها.
و. دعوة القائمين على مؤسسات القطاع الخاص لتحمل مسؤولياتهم نحو المجتمع من خلال المساهمة في مشاريع التنمية والبرامج الانسانية.

3. المصادر الدولية:
تعتبرالمصادر الدولية من مصادر تمويل العمل الخيري في الوطن العربي, ولا شك أن هذا المصدر يقع تحت تأثير المتغيرات الدولية والسياسية كما يقع تحت نفود الدول العظمى والدول الصناعية الكبرى والتي تعتبر من المساهمين الرئيسين في تمويل الصناديق الدولية, وعلينا الإهتمام بهذا الأمر ولكن لا يجب علينا كقائمين على العمل الخيري العربي التعويل عليه كثيراً, فالمصدر المتاح اليوم قد لا يتاح غداً لتغير المواقف السياسية ولا يخفى على القائمين على العمل الخيري صعوبات التقديم وطول الإجراءات وتعقيدها للحصول على المنح من الصناديق الدولية المانحة, وبرأينا نحن كعرب أمة الخير لدينا من الموارد المالية والجهات المانحة ما يكفينا عن اللجوء للمصادر الدولية, ولكن علينا إعادة ترتيب أوراقنا وحسن تقديم أنفسنا للغير.

4. الزكــاة:
تعتبر الزكاة أهم مصدر من المصادر المالية الرافدة والداعمة للعمل الخيري كونها فريضة من الله سبحانه وتعالى خالق الكون ومقدر الأقدار ومصرف الأمور والعالم بخلقه, فالزكاة لما لها من دور كبير في إعادة توزيع الثروة في المجتمع العربي والمسلم بشكل عام بالإضافة إلى الدور الإجتماعي وتدوير الأموال وعدم اكتنازها فهي تؤخد من أغنيائهم وترد على فقرائهم, ولا يجب علينا أن نستهين بنسبة 2.5 % فهي يجب أن تخرج من كل مالك للنصاب وحال عليه الحول وبالتالي لو أخرج الناس زكاة أموالهم كما أمر الله سبحانه وتعالى لم يبقى في المجتمع العربي والمسلم فقيراً واحداً أو محتاج,ً وهذا برأينا هو مقصد العمل الخيري بشكل عام وهو رفع المعاناة عن الفقراء والمحتاجين في الدرجة الأولى ومن ثم يأتي دور الزكاة التنموي في بناء المستشفيات والمدارس والطرقات والمصالح العامة كما حصل في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وعلينا كقائمين على العمل الخيري العربي إيقاظ الحافز الديني لدى الجمهور لإخراج زكاة أموالهم وبالتالي مطلوب منّا تحفيز الجمهور كما نحفز الشركات.

5. الصدقــات:
تأتي بالمرتبة الثانية بعد الزكاة من حيث الأهمية في تمويل العمل الخيري العربي فهناك الكثير من الكفارات والندور التي يخرجها الناس بشكل اختياري وتقرب إلى الله سبحانه وتعالى ومشاركة للإنسانية في ما تمر به من محن وكوارث.

6.الأوقــاف:
هذه السّنة المهملة, وللأسف, في وطننا العربي, فهناك الكثير من إدارات الأوقاف هنا وهناك ولكن دورها في الحفاظ على الوقف وتنميته وتطوير موارده يكاد يكون أقل من الحد الأدنى إن لم يكن سلبياً, فالأوقاف الإسلامية والمسيحية لعبت دوراً كبيراً في دعم العمل الخيري العربي منذ مئات السنين, وتعتبر بحق الرافد الأساسي والمنتظم في الدخل للمؤسسات الخيرية العربية, وبالتالي علينا اعتماد سياسة وقفية واضحة المعالم من حيث تطوير الوقف المالي وتنميته بإضافة أوقاف جديدة لكل مؤسسة من المؤسسات الخيرية مما يعطيها الاستقرار. وهناك شكلين من الأوقاف من حيث تمويل الوقف: الأول, هو أن تقوم جهة أو شخص معين ببناء وقف خاص به يعود دخله إلى الفقراء من عائلته والباقي إلى المجتمع وهو الأكثر شيوعاً في عالمنا العربي, أما الثاني, فهو أن تقوم المؤسسات الخيرية العربية بمشاريع وقفية وبيع أسهماً للجمهور فيكون وقفاً خيرياً مساهماً, وهذا ما ندعو إلى تطويره في الوقت الحالي.

ثالثاً: وضع مؤسسات الخير العربي المانحة والمتلقية
أخذت ظاهرة تأسيس وانتشار مؤسسات الخير العربي نمواً ملحوظاً في الآونة الأخيرة, وإن هناك ملامح جديدة قد شهدها قطاع الخير العربي وذلك من خلال ظهور العديد من المؤسسات المانحة ممثلة في المؤسسات الأسرية والعائلية والفردية, وفي ظهور مؤسسات خيرية أخرى في بلدان عربية مختلفة كما هو الحال في مؤسسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية وهيئة آل مكتوم في الإمارات ومؤسسة الحريري في لبنان ومؤسسة عبد الحميد شومان في الأردن وبرنامج الخليج العربي الإنمائي ومؤسسات الراجحي والصانع في السعودية وعدد آخر في بلدان عربية أخرى, فضلاً عن المؤسسات الخيرية المتلقية التي تنتشر على نطاق واسع في كل أرجاء الوطن العربي.
ونرى نشاطاً ملحوظاً ومساهمات كبيرة لتلك المؤسسات في مشاريع التنمية التعليمية والصحية وفي دعم مؤسسات الرعاية الاجتماعية ومكافحة الفقر, كما تشهد مؤسسات الخير العربي محاولات حثيثة لتوجيه منافع الخير العربي إلى القطاعات التنموية التي هي في أمس الحاجة إلى الجهد والإمكانيات المالية والبشرية, فهناك حاجة ماسة إلى تحديد أولويات العمل في مجال الخير وتوجيه إمكانيات الراغبين في الإسهام في عمل الخير إلى الميادين التي تحقق أفضل خدمة لمن هو في حاجة إليها. وعلى الرغم من الدور الملحوظ للخير العربي في الآونة الأخيرة وانتشار منافعه, إلا أن هذا الدور لم يحقق بعد الأهداف المؤمل منها, إن ذلك يتطلب توطيد العلاقة ما بين الجهات المانحة أفراداً ومؤسسات وشركات والجهات المتلقية من أفراد ومؤسسات وهيئات وجمعيات خيرية.
لقد شهد الوطن العربي نمواً كبيراً في حجم المؤسسات العاملة في ميادين العمل الاجتماعي بما فيها الخير العربي وذلك تحت وطأة وضغط سلسلة التغيرات البنيوية التي يشهدها الإقتصاد العربي بتأثير ظاهرة العولمة التي أصبحت تؤثر بشكل مباشر على كل أنماط المعيشة والسلوك والإنتاج والإستهلاك ولمواجهة الآثار السلبية لبرامج التصحيح والخصخصة والتي يترتب عليها أضرار بالفقراء ذوي الدخل المحدود, أصبحت معظم الدول العربية تعتمد على شبكات الأمان الإجتماعي والتي تهدف الى تخفيض معاناة هذه الفئات وتلبية احتياجاتها الأساسية وتوفير الموارد اللازمة للانفاق على تلك الاحتياجات. ونظراً لعجز الموارد المالية المتاحة في بعض الدول العربية عن تمويل الإستثمارات الكبيرة المطلوبة للتوسع في توفير خدمات التعليم والصحة ومياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء, فقد سعت تلك الدول التي سلكت طريق التصحيح الاقتصادي إلى تشجيع القطاع الخاص لكي يلعب دوراً فاعلاً في هذا المجال, وقد بدأت بعض تلك الدول في تشجيع القطاع الخاص على الإستثمار في قطاعات التنمية الإجتماعية خاصة في مجالات التعليم والصحة لتقديم الخدمات لغير الفقراء على أن تركز الدولة على توجيه جزء هام من الموارد العامة لخدمتهم.
يجدر التأكيد في هذا الشأن على أهمية الدور الدي تقوم به جمعيات النفع العام والخيرية على وجه التحديد في تمويل العمل الخيري والتي أصبحت ظاهرة عامة في كثير من الدول العربية, وأصبحت الحكومات تولي أهمية لدورها المجتمعي من خلال الإعتراف بها ودعمها وتشجيعها وسن القوانين المنظمة لعملها.
وفي ظل تراجع الدولة عن الوفاء بالتزاماتها في دعم الخدمات الإجتماعية أصبح يعوّل على دعم القطاع الخاص, حيث يمكن لهذا القطاع من خلال استثماراته الكبيرة في المجالات الإقتصادية المختلفة المساهمة في توفير التمويل اللازم لمشاريع التنمية والخدمات الأساسية مثل التعليم والخدمات الصحية والضمان الإجتماعي ودعم مؤسسات الرعاية الإجتماعية فضلا عن دعم مشاريع الخير العربي وتأصيل دوره الخيري والتنموي. وفي ظل هذا الواقع المتغير أصبح يقع على عاتق مؤسسات الخير العربي مسؤولية اجتماعية في تفعيل أدوارها للتخفيف من حدة آثار التغيرات الهيكلية وآثار العولمة الإقتصادية بمختلف أبعادها.
وقد شهد العمل الخيري العربي تطوراً كبيراً في العقد الاخير من القرن الماضي وذلك من الناحية الإدارية حيث انتقل العمل في الهيئات الخيرية من الطرق القديمة حيث يمثل الفرد فيها العمود الفقري إلى العمل المؤسسي مستخدما أحدث الوسائل التكنولوجية, ومن الناحية المالية التي شهدت بدورها نمواً كبيراً من ناحية الكم المجموع والكيف المتعلق بطرق الجمع والإضافة إلى الكمّ المصروف على المشاريع الخيرية, وهذا ينطبق على معظم الهيئات الخيرية العربية في الدول العربية مع مراعاة الفرق بين الدول الغنية والأقل غنى. كما نود الإشارة إلى أن العمل الخيري العربي لا يقتصر نشاطه على الدول العربية بل امتد الى الدول الصديقة ودول الجوار بالإضافة إلى الوقوف مع كثير من الدول التي تعرضت وتتعرض إلى كوارث طبيعية أو غيرها..الخ
ويعتبر هذا بحق مظهراً حضارياً متميزاً حيث تقاس الدول والشعوب بمعدل مساهماتها في العمل الخيري والانساني.

رابعاً: وضع الجمعيات الخيرية في ظل العولمة
تتعرض الجمعيات الخيرية بصفتتها جزء من حركة المجتمع الأهلي إلى تغيرات تؤثر في بنياتها وآليات ومجالات عملها بتأثير عوامل التغير السريعة التي يشهدها العالم وتأتي العولمة في مقدمة تلك العوامل, كما أصبح للعامل السياسي دور أخطر في تسريع إجراء التغيرات المطلوبة في واقع الجمعيات الخيرية والتشكيك بالأدوار المنوط القيام بها, الأمر الذي سيترك آثاراً بالغة الأهمية في واقع الخير العربي ومدى فاعليته الإجتماعية. إن التحولات الراهنة التي يشهدها النظام الدولي سيؤدي بلا شك إلى تشديد الرقابة على فعاليات الخير العربي ولا يستبعد إخضاع حركته لإجراءات دولية كما حصل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهذا بدوره سيؤدي إلى انحسار الدعم الدولي وحتى الحكومي, الأمر الذي يحتم البحث عن مصادر تمويل أخرى وتفعيل مصادرها الذاتية.
ومما يؤسف له حدوث ذلك الخلط بين ما يسمى بالإرهاب والعمل الخيري بسبب عدم وضوح الرؤية حول طبيعة عمل الخير العربي, ولا يمكن إزالة تلك الرؤية الضبابية ما لم يقوم المعنيون بالأمر بحملات دولية لتوضيح رسالة الخير العربي وتبديد كل اشكال الشكوك والريبة لدى المجتمع الغربي.

---------------
(*) مؤتمر الخير العربي الثالث, الأمانة العامة لمؤتمر الخير العربي, لبنان, الاتحاد العام للجمعيات الخيرية في المملكة الأردنية الهاشمية, عمان 22-24 يونيو / حزيران 2002 .
 

العمل الخيري