اطبع هذه الصفحة


اعصار جونو يعزز العمل التطوعي في السلطنة

حبيب الحسني


ثمة أفراد في المجتمع لديهم القدرة على احداث تغيير في حياة الالاف بل ربما الملايين من الناس من خلال العمل التطوعي. هذا التغيير يهدف الى ضمان الرعاية للمحتاجين سواء أكان التطوع لظروف طارئة ام دائمة، حيث تأخذ الرعاية أشكال مختلفة من العمل: لضمان التعليم ، لضمان المأوي، لضمان المأكل والمشرب النظيف، لضمان الاندماج في المجتمع، لضمان الحصول على الحقوق الاساسية.

ولا خلاف في ان هدف التطوع هو تخفيف المعاناة عن الناس سواء كانوا فقراء او كبار في السن او من ذوي الاحتياجات الخاصة أو مشردين نتيجة الكوارث الطبيعية أو ضحايا جرائم...الخ

واذا كان العمل التطوعي في الفكر الغربي ينطلق من خلال جمعيات المجتمع المدني فانه من منظور الفكر الاسلامي ينبثق من عقيدة ايمانية راسخة.
وأيا كان مرجعية العمل التطوعي موروث اسلامي او علماني فانه بلا شك عمل نبيل يعزز التكافل الاجتماعي وينشر التلاحم والتازر بين افراد المجتمع لا سيما اذا كان ذلك العمل يتم في اطار منهجية واضحة.

وعلى الرغم من ان ثمة جدال فحواه ان روح العمل التطوعي في الوطن العربي يواجه كثير من الاهمال على كافة المستويات بل يصل في بعض الاحيان الى ترف او رتوش تجميلية في مؤسسات الدولة اكثر منه ضرورة حتمية لتطور المجتمع، الا ان العمل التطوعي في الوطن العربي فرض نفسة ويبقى ان يتم توثيقة بالاحصائيات والتجربة التي بلا شكل ستكون اضافة الى التجربة الدولية في ذات المجال.

وفي مجال رعاية الاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بدأنا العمل التطوعي في السلطنة منذ بداية التسعينات في القرن الماضي وفي فترة قياسية تحققت نجاحات مذهلة حيث كان هناك تجاوب سريع من قبل المجتمع في مناصرة القضية وبالتالي ساعد ذلك على سرعة اندماج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع.

ولم يكن يتحقق ذلك النجاح لولا عنصر مهم جدا في عملية التجاوب والاندماج الا وهو طبيعة العماني. فالذي لمسناه في العمل التطوعي ان شخصية العماني متواضع محب للعمل التطوعي، غير مترفع، خجول يخشى الاساءة الى الاخرين، يبدي اهتماما خاصا بخدمة الاخرين، سباق لتقديم المساعدة.

ان تجربة اعصار جونو قد خلف الكثير من الخسائر والكثير من التلاحم،رغم ذلك، استنتج بعض الاصدقاء اثناء العمل الدؤب لتوصيل المساعدات الى ان العمل التطوعي في عمان يحتاج الى توعية، وقد اختلف معهم في جزء من هذا الاستنتاج فاقول باننا بحاجة الى نشر ثقافة العمل التطوعي وليس الى التوعية بالعمل التطوعي, واعتقد باننا تجاوزنا مرحلة توعية المجتمع باهمية العمل التطوعي الى مرحلة جديدة هي نشر ثقافة العمل التطوعي والى ايجاد لوائح منظمة له وقوانين تنظم مساره

لا نستطيع ان نحكم على السلوك التطوعي، لانه ببساطة هو تصرف فردي في مرحلة وجيزة قد لا نلتفت اليها في العمل التطوعي الروتيني لكن قد تظهر بشكل واضح اثناء العمل التطوعي الطاريء فبينما قد يظهر عمل بطولي - كما رأينا تدفق المتطوعين بسياراتهم ذات الدفع الرباعي وبسالتهم اثناء توجههم الى منطقة قريات والعامرات(كما هو الحال في المناطق الأخرى المتضررة) لتوصيل المعونات على الرغم من وعورة الطريق وبعد المكان وسوء الاحوال هناك – بالمقابل ظهرت بعض السلبيات في عدم وجود تنسيق بين مجموعات العمل التطوعي وهي كثيرة.

الموسسات الخيرية كان لها دور هام وفعال في استقبال وتوزيع المساعدات وقد ضحى موظفيها ببسالة من اجل تعزيز الأهداف النبيلة لتلك المؤسسات، إلا إنها أبدت الكثير من الارباك في عملية الاستقبال والتوزيع (وهذا أمر طبيعي أمام هذا الظرف الطاريء)، فكانت هناك الكثير من المساعدات استلمت وتكدست بدون تصنيف وكان توزيع المساعدات ايضا بدون تنظيم.
ففي اليوم الرابع من الاعصار رفض احد ضحايا الاعصار في الغبرة الشمالية استقبال المساعدات قال بانه لا يوجد لديه مكان لاستقبالها حيث تكدست لديه تلك المؤن التي تصله كل ساعة وكل حين من مختلف الجهات والافراد.
بينما في نفس اليوم لم تصل المساعدات الى منطقة "فلج الشام" وهي تبعد عن الغبرة الشمالية عدة كيلو مترات (سوى الماء فقط). واستطاعت مجموعة من المتطوعين بعيدا عن العمل المؤسسي توصيل مساعدات سريعة الى 45 بيتا. الا انهم وجدوا بان ثمة مجموعتين اخريين ب"فلج الشام " لم تصلهما المساعدات فحولوا الى هيئة الاعمال الخيرية العمانية.

الجيش وحده الذي كان اكثر تنظيما واكثر جرأة واكثر فعالية في التعامل مع الظروف الطارئة..المتطوعون بخلاف أفراد الجيش كانوا اكثر فعالية وحماسا في العمل التطوعي.
الجيش وحده الذي استطاع في زمن قياسي توصيل مياه شرب نظيفة الى الكثير من المتضررين كما انه استطاع شق واصلاح الطرق المتضررة حتى ولو كان ذلك الاصلاح مؤقتا. ونقل المتضررين الى مناطق اكثر امنا. تلك الاعمال ساعدت الافراد المتطوعين في تأدية اعمالهم التطوعية.

بعض المتطوعين كونوا فرق عمل واتخذوا من مجمع السلطان قابوس الرياضي مقرا لهم. وقد كانو اكثر تنظيما واكثر فاعلية. مجموعة تكيس المساعدات (تضعها في اكياس) ومجموعة توصل المساعدت الى الاسر المتضررة ، بعض المتطوعين في (قريات الحاجر) وزعوا الحصص بالتساوي على بسطة من الارض ثم سلموها للأهالي.

الكثير من المتطوعين كونوا مجموعات في مناطق مختلفة من السلطنة جمعوا تبرعات (مؤن ومياه وفرش وملابس وتناكر مياه..الخ) وساروا على شكل قوافل متتالية او متفرقة متوجهين الى مسقط.

من الأهمية التأكيد على أهمية دور المؤسسات الخيرية وتأصيلها في المجتمع المدني كما اننا نؤكد على ان المؤسسات الخيرية هي الشريك المهم للحكومة لخدمة المجتمع. لذلك عليها تقديم خدمات ارشادية واشرافية وقيادية خاصة في الظروف الطارئة مثل اعصار جونو.

وكما هو معلوم فان تدفق المتطوعين لهو من السهل ضمانه، لكن من السهل ايضا انحسارهم عن العمل التطوعي فيما اذا كانت المؤسسات الخيرية تفتقد الى المنهجية في العمل او حتى افتقادهم في طريقة التعامل مع نفسيات المتطوعين.

لذلك نوصي المؤسسات الخيرية بالتالي
وضع خطط للطواريء واخرى للعمل في الظروف العادية للعمل الخيري
أهمية ان يكون لديها وسائل اتصال بالافراد المتطوعين والمؤسسات الاخرى: شركات متبرعة، اندية رياضية، مؤسسات خيرية صديقة، صناديق الدعم..الخ
اقامة دورات تدريبية وورش عمل لتدريب كوادرها وللافراد العاملين في العمل التطوعي
اقامة فعاليات وانشطة ترفيهية لضمان استقطاب متطوعين ولايجاد موارد مالية اخرى,
اقامة معارض دائمة (محلات) لبيع التبرعات العينية التي يصعب في كثير من الاحيان توزيعها، او في بعض الاحيان قد لا يحتاجها المتلقي للمعونة أو يرفضها (مثل الكتب القديمة ، ملابس مستعملة، براويز تحف ، ...الخ)
نشر تقرير سنوي عن اعمالها وانشطتها وميزانيتها
المساهمة مع المؤسسات الاخرى في توثيق العمل التطوعي وعدد المتطوعين وقيمة التبرعات..الخ
من الأهمية توزيع استبيان لكافة الفئات في المجتمع (متضررين، متطوعين ، متبرعين) للوقوف على الاراء والمقترحات، وبالتالي تقييم العمل وتجاوز السلبيات.

وفي الاخير من المهم ان نقيم انفسنا في مجال العمل التطوعي ، ونتسائل الى اي مدى تعلمنا من تجربة إعصار جونو!

 

العمل الخيري