اطبع هذه الصفحة


أزمة (المال الخيري)... والفرص السانحة

خالد بن صقير الصقير


عانت المؤسسات العاملة في القطاع الخيري عقب أحداث سبتمبر 2001م من حملات التضييق والمحاصرة، وحدثت أزمة كانت متوقعة سبق التحذير منها في سنوات الرخاء الذي عاشته المؤسسات الخيرية؛ ألا وهي أزمة شُحِّ الموارد المالية، كما تم سَنُّ عدد من القوانين لضبط التعاملات المالية للعمل الخيري؛ هي أشد من قوانين مكافحة الإرهاب كما يقولون وهو الأمر الذي انعكس سلباً على أدائها في السنوات الأخيرة وتقلصت أعمالها وأنشطتها، بل انسحبت من كثير من المواقع المؤثِّرة فيها، مما أوجد فراغاً كبيراً في مواقع العمل ومناطق الاحتياج.

ومع محدودية موارد تلك المؤسسات سابقاً جاءت الأزمة لتعمِّق المشكلة بشكل أكبر، وتباينت مواقف المؤسسات من الأزمة بحسب درجة التحوُّط الاستراتيجي المسبق لها، وبحسب قدرتها على التواؤم مع معطيات التهديد الجديد، وبالرغم من المخاطر والتهديدات التي أحدثتها هذه الأزمة إلا أن السُّنة الكونية تقتضي أن الله لا يخلق شراً محضاً؛ فقد كان في بواطن التهديد فرص غير منظورة. وباستقراءٍ لتداعيات الأزمة نلمح عدداً من الفرص المتاحة، التي تتيح للقائمين على المؤسسات مزيداً من الانطلاق باستثمارها لدعم مسيرة العمل الخيري وتثبيت عوامل بقائه بإذن الله. ومن هذه الفرص التمويلية للعمل الخيري الناشئة عن الأزمة ما يلي:
1 - أتاحت فرصةً لمزيد من المراجعة والتصحيح؛ فبسبب شح الموارد اتجهت كثير من المؤسسات للأعمال ذات الأولوية القصوى لها، واتجه التركيز على الأعمال ذات الجدوى الأكبر والكلفة الأقل.
2 - نَمَّتْ الأزمة لدى المؤسسات ضرورة المسارعة إلى بناء استثمارات دائمة وأوقاف لها والعمل لذلك بالتوازي مع جمع الموارد الآنية والمستقبلية؛ فبعد أن كانت الاستثمارات والموارد الثابتة أُمْنِياتٍ وأحاديث اجتماعات، أصبحت ضرورة قائمة، وتحولت إلى مشروعات عمل.
3 - تَوَقُّفُ الكثير من الأعمال والمشروعات بسبب انقطاع الموارد أو انسحاب المؤسسات من المواقع أيقظ المحسنين من الموسِرين المحليين في البلدان الفقيرة، وأحدث لديهم شعوراً بأهمية أن يقوموا بالمهمة، وتشجعوا لذلك أكثر بعد أن قامت هذه المشروعات وأصبحت ثمارها قائمة على الأرض، فأوجد مجالاً واسعاً دفع إلى تبني فكرة توطين المشروعات.
4 - انقطاع دعم المصادر الرئيسة سابقاً جعل القائمين على هذه المشروعات يبحثون عن مصادر بديلة في مناطق أخرى وخصوصا ًتلك الدول التي تعيش طفرة اقتصادية كبيرة، مما أوجد بدائل سدَّت ثغرة واسعة لإسناد الأعمال القائمة.
5 - بسبب تداعيات الأزمة المالية التفتت المؤسسات إلى الفرص المغيَّبة عنها في الاستفادة من دعم المنظمات الدولية الإغاثية والإنسانية بشتى الطُّرق الممكنة والتي كان يُنظر لها في السابق بعين الريبة والتحسس، بينما اقتصرت الاستفادة منها سابقاً علـى المنظمــات الغربية بشكل رئيس.
6 - الأزمة والتضييق على المؤسسات الخيرية أوجد اهتماماً جدياً لدى القائمين عليها نحو الاهتمام بجوانب الضبط المالي والقانوني لممارساتها، مما يسهم في مزيد من الحماية لهذه الأموال والأعمال، والذي هو مطلب شرعي ابتداءً.
7 - دعت هذه الأزمة إلى الاهتمام والتركيز على المجالات التنموية أو ما يمكن أن يصطلح عليه بـ (العمل الخيري التنموي) ليُدفَع به إلى مرحلة جديدة ونقلة نوعية في مسار المؤسسات الخيرية لترسيخ عوامل الاستقرار.
هذا قليل من كثير من فوائد الازمات وثمرات الابتلاءات، تجعلنا نقول: (وربما صحَّت الأجساد بالعلل)، فلربما لم تستقم بعض الأحوال إلا بالعقبات المستمرة، {وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٦١٢].


 

العمل الخيري