اطبع هذه الصفحة


العمل الخيري.. جهاتٌ كثيرة وأداءٌ ضعيف

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
مكة المكرمة


بسم الله الرحمن الرحيم


بات العمل الخيري أحد روافد تقديم خدمة الرعاية الاجتماعية في المجتمع المسلم، خاصة في ظل تقديم الخدمات من أجل تحسين الصورة العامة للمسلمين، وإضفاء حالة من المساعدة الخلاقة لتجميع المسلمين، وفي ظل تمزق الوحدة الإسلامية على مستوياتٍ عدَّة، ولذا فلم يكن عجبًا أن تدور الأحاديث في الفترة الأخيرة حول ضرورة تحسين صورته الذهنية أمام المجتمع، وتوحيد الجهود، وتبادل الخبرات، وتعزيز الشراكات؛ من أجل إضفاء مزيدٍ من التكامل في العمل الخيري، وهو حقلٌ جديد وواعد من حقول العمل الإسلامي، وعليه اليوم إقبال كبير من المسلمين بفضل الله وحده.

إن تكامل العمل الخيري يعني -من ضمن ما يعني- اندماج وذوبان الجمعيات العاملة في المجال الخيري تحت إدارة واحدة، أو على الأقل ضمن توجه واحد، وطريقة عمل منظمة واحدة، فضلا عن التنسيق المتكامل مع وبين الجهات العاملة في حقل العمل الخيري والتطوعي؛ من أجل تقديم خدماته لأكبر عدد من المحتاجين إليها وهم أنواع عدة، ومن أجل تكوين رؤية أشمل من الرؤى الفردية في تقديم الخدمات، وإن الأمة المسلمة لهي أمة الخير، وإنها لأمة غنية وواعدة على الدوام، غير أنها دائما ما يلحظ التقصير في تكامل الرؤى، وفي التنسيق بين الجهات المختلفة ذات المهام المتفقة. إن الأمة، وفي القلب منها القائمين على العمل الخيري، لو فطنت إلى تكوين رؤية عامة للاندماج أو على الأقل للأداء المشترك والمنسق بين منظمات العمل الخيري ومؤسساته وجمعياته وأفراده، لما وجد في المسلمين فرد محتاج، ولا كارثة لا تستدرك.

لقد وجد في الفترة القصيرة الماضية بعض التطبيقات الخاطئة أربكت ساحة العمل الخيري، ولقد أدت هذه الأخطاء أحيانا إلى العصف ببعض جهات العمل الخيري، وبدلا من النجاح الموعود، زرعت بغضاء وضغائن فيما بين جهاتٍ ذات غرضٍ واحد؛ فخرجت عن التكامل والتعاون إلى محاولات للاحتواء وفرض السيطرة، والرغبة في الصعود على أكتاف الآخرين، واستنـزاف جهود وأموال الغير، وتهميش الإنجازات والأنشطة، وكان قمينا دائما أن يقع العكس من المعاضدة، والتكامل، والتنسيق، وهو أمر لا يزال متاحا وممكنا؛ خاصة وإنه من المعروف أنه ما من جهة في حقل العمل الخيري، إلا وينتابها قصور ونقص يحتاج إلى تكميل وتتميم.

إن علم الإدارة الحديث يشهد دائما بأن التنسيق هو أحد أهم ركائز نجاح أية منظومة؛ إذ إنه من خلاله يمكن تفادي التعارض وازدواجية العمل، كما يعصم المؤسسة من التشتت، ومن ضغط المسئوليات وكثرة الصلاحيات وتشعب العلاقات، وهو ما يسمح أيضًا بتنويع وحسن توزيع الأعمال بين العاملين، كما يسمح بتحديد مراحل العمل؛ والخلاصة فإن العمل الخيري في حاجة إلى تكامل وتنسيق بين جهاته؛ من أجل تحقيق هدفه المشترك وغايته المنشودة.

على أن إحداث تكامل في العمل الخيري يحتاج قابلية وكفاءة ومقدرة المتطوعين والخيرين، والقائمين على العملين الخيري والتطوعي، إلى التنسيق الفعال بين الجمعيات الخيرية، إضافة إلى التنسيق مع الجهات المسئولة ذات العلاقة؛ من أجل تجنب التعارض في الجهود ومنع الازدواجية في العمل.

نحن في الحق نعاني من زيادة في أعداد الجمعيات الخيرية في كل بلد، لكننا نعاني من القطيعة فيما بينها، وهو ما يجعل التكامل والتنسيق فيما بينهما ضرورة ملحة؛ ففي أحدث الإحصائيات تكشفت منظمة العمل العربية عن زيادة أعداد المنظمات الأهلية إلى أكثر من نصف مليون منظمة؛ منها عشرة آلاف جمعية خيرية، وإن المعدل السنوي للترخيص للمنظمات الجديدة يبلغ ألف منظمة سنويًّا.

يجب أن يواكب هذا التطور في أعداد، أو لنقل في كم المنظمات الخيرية، تور كيفي في مجالي إدارتها، والتنسيق فيما بينها؛ لكي تفي بأغراضها، وتحقق غايتها والهدف المنشود منها.. إننا نعاني من زيادة في عدد جمعيات ومنظمات الخير، وفي الوقت نفسه نعاني من قصور في بلوغها أهدافها، وما ذك إلا لغياب التنسيق والتكامل فيما بينها.

 

العمل الخيري