اطبع هذه الصفحة


في رحاب المخيمات

أحمد بن عبد العزيز الحمدان

 
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد .. فلما كانت الدعوة إلى الله تعالى هي مهمة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمَهم، إذ لا نبي بعده، كان لزاماً أن يحمل مِنْ بعدِه مهمَّة الدعوة من يوفيها حقّها إلى أن تقوم الساعة ..

لذلك قال الله تعالى :
[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ].

وبهذا التكليف من الله تعالى نالت هذه الأمَّة أعظم خيريّة نالتها أمّة من أمم الأرض، شهد لهم بذلك الله تعالى فقال [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ].
لذلك كانت الدعوة إلى الله تعالى من أجلّ القربات، وأحسن ما يقدمه العبد بين يدي ربِّ الأرض والسموات.

وكان وما زال نظام الدولة الإسلامية: جعل الدعوة إلى الله تعالى إحدى وظائفها المقدمة على غيرها، وكذلك فعل الملك عبد العزيز رحمه الله لما أسس هذه البلاد الغالية جعل في نظام الحكم الأساس أنّ من مهام الدولة الدعوة إلى الله تعالى، فعين الدعاة والقضاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للقيام بهذه المهمة الجليلة حتى تبلورت في هذا الزمن في صورة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وعلى رأسها معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، هذه الوزارة التي يعمل فيها أفواج من الدعاة في الداخل والخارج، يرشدون الناس إلى الحق الذي جاء به الإسلام؛ بدعوة غير المسلمين إلى دخول الإسلام، ودعوة المسلمين إلى تحقيق تطبيقه في حياتهم كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال الوسائل والبرامج الدعوية الجائزة شرعاً المجازة نظاماً؛ ومنها ((المخيمات الدعوية)).

هذه ((المخيمات)) التي تقوم على ركائز قوية؛ من أهمها: اختيار الوسائل الدعوية المناسبة والأسلوب الدعوي المناسب زمناً ومحلاً، خاصة وأن النَّاس في الإجازات ينصرف كثير منهم إلى أماكن الفسحة بعيداً عن أماكن سكنهم، محاولين التخلص من ضغط العمل، ساعين لكسر حاجز الرتابة الذي يعيشونه، حريصين على إعطاء أنفسهم دفعة جديدة من الانطلاق إلى العمل بعد انتهاء الإجازة.

وإنَّ المتأمل فيما يقضي فيه بعض الناس أوقاتهم يجده في غير المفيد، بل قد يكون في الضار، وقلَّ أن تجد من يوجههم إلى البرامج التي تملأ وقت فراغهم، وإن وجد فقد يكون في غير المفيد.

لذلك ولغيره قامت الدولة –أيدها الله بتوفيقه- بتوجيه وزارة الشؤون الإسلامية لإقامة ((المخيمات الدعوية)) لتكون وسيلة مناسبة لدعوة المصطافين، واستغلال أوقاتهم فيما يعود عليهم بالنفع، وتوجيههم إلى ما يكون فيه صلاحهم، وتحذيرهم من الأفكار الضالة المنحرفة التي تقود إلى الغلو بنوعيه: غلو التسيب، وغلو التشدد، فيجد الناس في المخيمات أنواعاً من الترفيه المباح الذي يناسب كل شريحة منهم؛ رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، فيقضون أوقاتهم في نزهة جميلة فيها الترويح المباح، والوعظ والتذكير، وقضاء وقت بعيداً عما يسخط الله تعالى.

وفي هذه الأيام التي أطلت فيها فتنة التكفير والتفجير برأسها، هذه الفتنة التي لا يشك منصف أن وراءها أصابع خارجية خفية تريد زعزعة أمن هذه البلاد الطيبة المباركة، باستدراج بعض المغرر بهم من الشباب ليقوموا بهذه الأعمال التخريبية، قامت الدولة وفقها الله بتوجيه وزارة الشؤون الإسلامية إلى تكثيف إقامة ((المخيمات))، وإشراك الشباب في التخطيط لها، واحتوائهم في مناشطها، بل وإقامة ((المخيمات الدائمة)) في كل محافظة، وأن تفتح أبوابها للجمهور في الإجازات وفي نهاية الأسبوع في أيام الدراسة، وما ذاك إلا لعلم ولاة الأمر أيدهم الله بنصره وتوفيقه بأهمية هذه ((المخيمات)) وفوائدها، وصحة المنهج الذي تقوم عليه، وأمانة القائمين عليها وحرصهم على صون هذه البلاد عن كل متعرض لها بفساد وإفساد، وأهمية ((المخيمات الدعوية)) في حفظ الأمن.

ومن ذلك: الأمر السامي الكريم في 29/3/1423هـ. بأن على وزارة الشؤون الإسلامية إشراك الشباب في أعمالها الدعوية، وتكثيف البرامج التي من شأنها ربط الشباب بالعلماء، وإقامة المناشط التي تملأ أوقات فراغهم، وتكثيف إقامة ((المخيمات الشبابية))، وإقامة برامج خاصة للشباب؛ من محاضرات وندوات ومسابقات وجلسات.

وكذلك الأمر السامي الكريم في 19/4/1424هـ. وما على وزارة الشؤون الإسلامية القيام به من التوجيه والإرشاد بشأن ظهور فكر منحرف غال بين صفوف فئة من الشباب قاموا ببعض أعمال عنف وتفجير وإفساد في البلاد، وضرورة متابعة الموضوع والاهتمام به.

وتعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية –حفظه الله- في 30/4/1424هـ. بشأن الإذن بإقامة ((المخيمات الدعوية))، ووضع الضوابط التي توسع نطاق الإفادة منها، وربطها بوزارة الشؤون الإسلامية، وجعلها الجهة المشرفة على جميع ((المخيمات الدعوية)).

ومن هذه المخيمات ((المخيم الشبابي التوعوي الصيفي)) الذي يقام للمرة الخامسة في محافظة جدة، برعاية من صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة، ويرأسه صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز محافظ جدة.

هذا المخيم الذي أصبح –ولله الحمد- علامة مميزة ضمن ((فعاليات صيف جدة))، وبلغ عدد زواره في عام 1424هـ. في شهر واحد أكثر من نصف مليون زائر من الرجال والنساء، وحظي بمشاركات وزيارات نخبة من أصحاب السمو الملكي وأصحاب الفضيلة العلماء والدعاة المعروفين والتربويين المتميزين والشعراء المؤثرين والأطباء المتخصصين ومدربي الرياضة المحترفين والإداريين المبدعين حيث أقيمت محاضرات ودورات وندوات ومسابقات وجلسات سمر ودوريات رياضية؛ من كرة قدم وسلة وطائرة وتزلج واختراق حواجز واختراق ضاحية وسباق دراجات وبلياردو وتنس وفرفيرة، وأقيمت فيه تصفيات دوري الكاراتيه على مستوى المنطقة، وحضره بعض اللاعبين الدوليين المحترفين.

وتشارك في إقامته مع المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بالحمراء تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية جهات حكومية وخيرية كثيرة؛ مثل: الهيئة والشرطة والمرور والدوريات الأمنية وقوة الواجبات والمهمات الخاصة والدفاع المدني ومكافحة المخدرات وقيادة الأسطول الغربي وإدارة التعليم والهلال الأحمر السعودي والمستشفى السعودي الألماني وجمعية البر، ومن الجهات الإعلامية: صحف عكاظ والمدينة والبلاد والندوة والدعوة والفتيان وشباب وفراس والتلفاز السعودي وقناة المجد واقرأ.

وإذا مررت بالمخيم من بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل وجدت ذلك التجمع المبارك للشباب والصغار والكبار والعوائل الذين جذبتهم الكلمة الطيبة والعلم النافع والسمر المشروع والألعاب الرياضية حتّى أنّ النّاظر ليحمد الله على هذا العمل الدعوي المبارك الذي استوعب هذه الحشود الكبيرة وقدَّم لهم البرامج الدعوية الهادفة.

ومحافظة جدة تتميز بالمخيمات الدعوية العملاقة؛ ومنها: المخيم الشبابي، والمخيم الدعوي، ومخيم البحر، والمخيم الرمضاني، ومخيم فرحة العيد، ومخيمات التوعية في الحج، والمخيمات التعليمية الإغاثية في القرى، ومخيمات البرامج الإرشادية، والمخيم التوجيهي الذي يقيمه المكتب التعاوني بالحمراء تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية بالتعاون مع وزارة الداخلية بمناسبة الحملة الوطنية الأمنية، الذي شهد المسؤولون في الأمن العام أن أثره الخير كبير في صفوف الشباب وهو سبب من أسباب إصلاحهم وحفظهم من الانحراف.

وفي كل سنة تستقبل مخيمات جدة وقراها ((أكثر من مليون ونصف مليون زائر وزائرة))، يقدم لهم الزاد الإيماني والاجتماعي والوطني والبدني، ولولا تيسير الله بإقامتها لكان بعض هذه الحشود في أماكن لم يوفقوا في اختيارها.

بل إن الدولة لما رأت قوة وفائدة وانضباط ((المخيمات الدعوية)) التي تقيمها وزارة الشؤون الإسلامية أوكلت إليها أمر المخيمات عموماً، وأن لا يقام مخيم إلا تحت إشرافها، وأن يكون المشرف على كل مخيم أحد أعضائها الذي عرفوا بالقدرة على إدارة الأعمال الدعوية الكبيرة كالمخيمات، وجميع برامج المخيمات تخطط لها، وتضع ضوابطها، وتشرف عليها إشرافاً مباشراً وزارة الشؤون الإسلامية، وينفذها منسوبوها ويعينهم على التنفيذ دعاة معروفون، وجميع مناشطها؛ من محاضرات وأمسيات وندوات لا يقيمها إلا من عرف بعلمه وفضله وقدرته على الإفادة وحسن التوجيه، وكلها مسجل موثق بالصوت والصورة، وجميع النفقات فيها موثق حسب الأصول المحاسبية المعتبرة نظاماً.

كل هذه الضوابط المعمول بها حقيقة لا ادعاء يظهر من خلالها أن هذه ((المخيمات الدعوية)) لم تأت من فراغ، وأنها لا تدار بطريقة ارتجالية، وأنه لا يحق لأحد كائناً من كان أن يقيم فيها برنامجاً، بل ولا فعالية إلا وهو في دائرة الضوء، ولا يدار فيها شيء خلف الكواليس.

وبهذا نعلم أنّ ما يثار حولها من زوابع لا تستند إلى علم ولا رأي سديد، إنما هي في غالبها أوهام دفعت أصحابها إلى أن يقول أحدهم ما يقول، ويثير الشكوك ويلقي التهم جزافاً، وقد كفونا مؤنة الرد عليهم بتصريحهم أنهم لم يحضروا هذه المخيمات وأنهم لا يعرفونها إلا من خلال ما يسمعونه عنها، فأحد مروجي هذه التهم لما سئل في مقابلة إذاعية أجريت معه: هل زرت المخيمات قبل أن تكتب عنها وتلقي تلك التهم؟ أجاب: لا لم أزرها، ولكنه أمر معروف. وآخر سئل في برنامج إذاعي: ما أدلتك على ما ألقيت من تهم؟ قال: قابلت شخصاً لا أعرف اسمه في المطار فذكر لي قصة عن هذه التجمعات.

قال تعالى [يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين] وقال تعالى [ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً] وقال تعالى [وقفوهم إنهم مسؤولون] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت)).

وهذه دعوة صادقة أوجهها –بصفتي مشرفاً على مخيمات جدة- إلى كل من يشك في قدرة المخيمات على الإصلاح أن يأتي ليرى جموع الشباب التائبين المقلعين كل ليلة عن الأفكار المنحرفة والمخدرات والفواحش وأنواع الآثام. والله الموفق.
 

بقلم فضيلة الشيخ / أحمد بن عبد العزيز الحمدان.
مدير مركز الدعوة والإرشاد بمحافظة جدة
والمشرف العام على موقع نوافذ الدعوة
alhamdan@dawahwin.com
 

المخيمات الدعوية

  • خطة المخيم
  • ملفات تنظيمية
  • استغلال الإجازة
  • الصفحة الرئيسية