اطبع هذه الصفحة


المراكز الصيفية.. دعوة للمراجعة

فهد بن إبراهيم السيف

 
منذ سنوات ومع بداية كل إجازة صيفية ينخرط كثير من شبابنا في المراكز الصيفية، ويبدأ العمل في البرامج المتنوعة بكل حيوية وتبذل جهود مضنية في سبيل إنجاح هذه المراكز، لمدة شهر ونصف تقريبا، ثم تنتهي المراكز ولما تنتهي الإجازة بعد، وهكذا يتكرر هذا الموقف في كل عام، وإنما تطرأ التجديدات على أساليب الجذب والترغيب؛ لأن الشباب أصبح يجد وسائل أكثر جذباً هنا وهناك.

لكننا هنا نطرح أسئلة تلح علينا في عصر المتغيرات، يجب علينا أن نقف وقفات جادة لمصارحة أنفسنا بالإجابة عليها:

كثيرا ما يطرح علينا ملحوظات سلبية على أعمالنا في المراكز، وكثير منها صائب، وبعض هذه الملحوظات يأتينا من الداخل، وبعضها يأتينا من الخارج، ربما من غير الصف، ولكنه في الوقت نفسه صائب وصحيح، إلا أن كثيرا منا ينبري يدافع بحق أو بغير حق عن المراكز، والحق ينبغي أن يقبل ممن صدر منه، حتى لو كان إبليس، والأهم أن يصدٌقَنَا في ملحوظته ولو كان كذوبا أو محرضا، ثم إن عدم تقبلنا لهذه الملحوظات يضعف مصداقيتنا أمام الآخرين، وأيضا يجعلنا لا نستفيد من غيرنا، وإن ما أقدمه هنا في الملحوظات التالية، هو من داخل الصف، يجب أن نتقبله بصدر رحب، فننظر فيها فما كان فيها من صواب قبلناه، وما كان فيها مجانباً للصواب تركناه، فربما انطبق على غيرنا، ونحن نتحمل ملاحظات الآخرين حتى لو أحسسنا فيه بشيء من الجفاء في الأسلوب، وذلك لنتطهر من الأوضار التي تلتصق بنا مع مرور الزمن ولا يمكن التخلص منها إلا بشيء من الشدة.

ومن تلك الأسئلة الملحة: هل نحن ندخل المراكز الصيفية ونحن نستحضر في أذهاننا وبين أوراقنا أهداف المركز؟ وما هي الخطة التي نسير عليها لتحقيق هذه الأهداف؟ أم أننا ننتظر هذه المراكز وفي جعبتنا أهدافنا القديمة لم يتغير فيها شيء؟ وبرامجنا نستجمعها بسرعة وخفة من هنا وهناك؟ من فلان وعلان، ومن المركز الفلاني، والموقع العلاني، وهذه فكرة جيدة، وتلك جديدة، ثم نلج المركز.. صخب وضوضاء.. منافسات وحماس، ثم ينتهي المركز، وهكذا في كل عام.. ماذا قدمتم؟ وما نتائجكم؟ وما المحصلة النهائية من المركز؟ وهل كان ينبغي ابتداء التسجيل في المركز والانخراط ضمن فعالياته؟! أعرف أنه سؤال يشكل بالنسبة لبعضهم مغامرة!

ثم بعد نهاية المركز –وبناء على ما رسمناه من أهداف- هل خرجنا بنتيجة إيجابية من المركز؟ أم أنه مجرد حفظ لوقت تلاميذنا وأبنائنا واستنزاف جهودنا؟ وهل هناك شيء جديد قدمناه للمجتمع ولتلاميذنا؟ أم أننا ندور في نفس الحلقة المفرغة ونكرر عملنا بصورة تلقائية -ربما كانت مملة لبعضهم- وربما كانت سببا في تسرب آخرين من بين أيدينا؟ فإن كانت هناك نتائج جيدة فهذا ما نطمح ونصبوا إليه، وإن كانت دون المطلوب فهل نملك تطويرها وتحسينها لتوافق تطلعاتنا وتطلعات المجتمع لجهودنا الكبيرة؟

وإن كنا لا نملك تطويرا لمراكزنا لسبب أو لآخر، فهل تبقى المراكز هي الخيار الأوحد؟ أوليس هناك اتجاهات وحلول أخرى يمكن أن تحقق أهدافنا؟ بل حتى لو كانت المراكز تحقق أهدافنا، أليس هناك حلول أخرى يمكن أن تحقق أهدافنا وزيادة؟ ألا يمكن ابتداع برامج جديدة؟ أم كما يقولون: (قديمك نديمك)؟! ثم ألا يمكن أن تحقق برامج أخرى موجودة بالفعل في مؤسسات المجتمع أهدافا تفوق هذه الأهداف وتناسب مستويات من تحت أيدينا؟ إنني لا أدعو بهذا الانصراف التام عن المراكز وتركها ونبذها، إنما أدعو إلى مراجعة العمل، ومحاسبة الذوات حول جدواها، نعم قد تناسب المراكز بعض الفئات، لكنها قد تهدم أحيانا بسبب عدم تحديد الأهداف ورسم الخطط ما نبنيه في شهور، وقد يناسب بعض التلاميذ الانخراط في الحلقات العلمية والدورات المتميزة والمكثفة وغيرها وتؤتي ثمارا أكثر فائدة مما تفعله المراكز بكثير.

وأيضا حتى مع كون نتاجنا متميزا في هذه المراكز، كما هو ظاهر في كثير منها، فيبقى سؤال مهم: هل نضمن بقاء المراكز بصورتها الحالية؟ وهل نظل نضع أيدينا على قلوبنا خوفا على المراكز أن يأتيها يوم نفقدها فيه دون إرادتنا؟ أو على الأقل نفقد شريان حياتها وهو المال الذي تدعم به؟ لا سيما وأننا رأينا في السنوات القليلة الماضية ضعف ميزانياتها، ألا يمكن أن تبدع عقولنا حلولا لهذه المشكلة لو وقعت؟ ألا يمكن أن نضع –ولو في الاحتياط- أفكارا تحفظ علينا أبناءنا خلال الصيف الذي يعاني فيه شبابنا من الفراغ القاتل؟ وإننا اليوم نرى انتشار أفكار أخرى من مثل: الدورات المكثفة لحفظ القرآن أو أجزاء منه، وكذلك: الدورات العلمية، وهذه خيارات جيدة، بل ورائعة، لكنها –في كثير من الأحيان- قد لا تناسب إلا فئات معينة هي الأكثر جدية، ويبقى شباب كثيرون لا يميلون إلى مثل هذه البرامج، فماذا يمكننا أن نقدم لهم فيما لو...؟

حتى إذا ولجنا هذه المراكز المليئة حيوية ونشاطا وأريحية، ينبغي علينا أن نتأمل في كيفية تعاملنا مع أفرادها، فعلى سبيل المثال: تواجهنا مشكلة التعامل مع التلاميذ الأقل موهبة، والذين قد لا يملكون مواهب تضعهم في مصاف التلاميذ المستهدفين بأكثر برامجنا، اللهم إلا إذا استثنينا منها برامج الترفيه التي تناسب الجميع، فهل يحق لنا أن نكتفي لهؤلاء بمجرد حفظ أوقاتهم من الفراغ؟ أو حفظهم من رفقاء السوء؟ أو التخفيف على أهاليهم من إزعاجهم المتكرر؟ أليس لدينا ما يمكن أن نقدمه لهؤلاء؟ نطور مهاراتهم وننميها، نحرث ذواتهم بحثا عن جوانب التميز فيهم، فإن كلاً منهم يوجد لديه ما يميزه عن الآخرين، علمه من علمه وجهله من جهله، وإن بيئات كثير من أبنائنا وتلاميذنا كانت سببا في قتل مواهبهم ووأدها حية، فهل نملك –من خلال هذه المراكز- إحياء مواتها، وإجراء الدم في عروقها؟ ألا يمكننا أن نخصص فئة لهؤلاء يعتنون بهم دون جرح مشاعرهم؟ أم يكفيهم أن يقفوا في جانب الطريق ليوسعوه لغيرهم من الذين وجدوا من يصقل مواهبهم ويهتم بهم؟ ليظلوا دائما متفرجين، ويظل أولئك المتميزون يجدون من يهتم بهم، فيتسع الفرق بين هؤلاء وأولئك.

وفي المقابل أيضا: ماذا قدمنا للموهوبين؟ هل نكتفي باستنزاف مواهبهم فقط؟ إن هذا الاستنزاف قد يكون جيدا لأنه ينمي تلك المواهب، لكننا يجب ألا نكتفي بهذا الاستعراض البطولي الذي قد يكون من نتاجنا أحيانا وربما كان من نتاج آخرين وربما كان من تنمية هذا الشاب لنفسه، بل يجب علينا أن نحرص أن نقدم لهذا الشاب ما يزيد تميزه، وما يجعله وأهله ومجتمعه يحسون أن هذا المركز قدم لهم شيئا.

نقطة أخرى يجب أن تبقى منا على بال وهي: ماذا بعد المركز؟ وكيف حال من اجتهدنا معهم خلال هذا المركز فور نهاية المركز؟ إن تلك المدة التي تقع بعد نهاية المركز وقبل بداية الدراسة تبقى مدة مثل: مثلث برمودا، خروج الداخل فيها غير مضمون، ولأنه يهدم كل ما بنيناه ليس في المركز فحسب، بل ربما في سائر السنة الدراسية.

ويتعلق بهذه النقطة: أننا كثيرا ما نحصل في هذه المراكز على نتائج إيجابية ونسعد بها ونفرح، لكننا -وللأسف- بسبب عدم متابعتنا، أو اتكاليتنا على بعضنا، نترك هذه النتائج تتجاذبها الأهواء وتتقاذفها الشهوات، وتلعب بها العواصف والزوابع بلا معين، فهل نملك زمام المبادرة وتعليق الجرس تجاه هؤلاء الشباب الذين استفادوا من جهودنا؟ أم نرضى أن تضيع جهودنا المضنية وأوقاتنا المبذولة خلال هذه الفترة هباء منثورا.

منذ أمد والمراكز قد شرعت أبوابها للعمل فيها، وكانت لها في البدايات أهداف تتوافق مع متطلبات العصر، إلا أننا لاحظنا في السنوات القليلة الماضية التطور التقني الهائل الذي جذب عقول الشباب، بين القنوات الفضائية والمواقع العنكبوتية والهواتف الجوالة وما فيها من تقنيات متطورة جذابة، فهل نبقى على أهدافنا القديمة وخططنا العتيقة ذاتها، ولا ننظر إلى المستجدات المعاصرة؟

أخيرا أقول: إن أعمالنا الدعوية –وليست المراكز فحسب- بحاجة إلى مراجعة مستمرة لضمان النتائج، وبحاجة إلى محاسبة متكررة بعد كل دورة أو مدة معينة لنعرف هل نحن نسير في الطريق الصحيح، أم أننا في خضم العمل قد نميل -قليلا- عن سواء الطريق دون شعور منا، ونظن أننا لا زلنا في الطريق نفسه.


المصدر : موقع المسلم
 

المراكزالصيفية

  • دورات للمشرفين
  • وسائل وأفكار
  • ملفات تنظيمية
  • أنشطة وبرامج
  • المراكز النسائية
  • تبرئة المراكز
  • الألعاب الحركية
  • مسابقات ثقافية
  • استغلال الإجازة
  • الصفحة الرئيسية