تابـــــــــع
المبحث الحادي عشر : وقت طواف الإفاضة . و
فيه مطالب :-
المطلب الأول : وقت الجواز . و في
مسألتان :-
المسألة الأولى : أول الوقت .
سبق أن وقت الدفع من مزدلفة للأقوياء
والضعفة آخر الليل بعد غروب القمر ، وعلى هذا فالراجح والله أعلم أنه ، يدخل
طواف الإفاضة بعد دخول وقت الدفع إلى منى إذ طواف الإفاضة لا يكون إلاّ بعد
الوقوف بعرفة و المبيت بالمزدلفة .
المسألة الثانية : آخر الوقت .
ليس لآخر وقت طواف الإفاضة حد . لأن
الأصل عدم التحديد ، و لم يرد تحديده .
المطلب الثاني : وقت الوجوب . و فيه
مسألتان :-
المسالة الأولى : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من أول وقت
الجواز ، لما فيه من اليسر والسهولة الذي جاءت به الشريعة الإسلامية .
و الدليل على ذلك :
1-
ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأتاه رجل يوم النحر ، و هو واقف عند الجمرة فقال : يا رسول
الله : إني حلقت قبل أن أرمي ، فقال : ارم ولا حرج وأتاه آخر فقال : إني ذبحت
قبل أن أرمي ، قال : ارم ولا حرج ، فما رايته سئل يومئذ عن شيء إلاّ قال :
افعلوا ولا حرج .
2-
ما رواه ابن عباس قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم زرت قبل أن أرمي ،
قال : لا حرج ، قال : حلقت قبل أن أذبح ، قال : لا حرج .
3-
ما رواه علي رضي الله عنه قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
يا رسول الله إني أفضت قبل أن أحلق ، قال : احلق ولا حرج .
وجه الدلالة : دلت هذه الأحاديث على أن أول وقت الوجوب لطواف الإفاضة من بعد
دخول وقت الجواز لقوله صلى الله عليه وسلم لمن قدّم الإفاضة على الرمي والحلق
: لا حرج .
و نوقش : بأن نفي الحرج هنا نفي للإثم مع لزوم الكفارة .
بدليل حديث أسامة بن شريك قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم حاجاً ،
فكان الناس يأتونه ، فمن قال : يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت شيئاً
أو أخرت شيئاً ، فكان يقول : لا حرج لا حرج ، إلاّ على رجل اقترض عرض رجل
مسلم فذلك الذي حرج و هلك .
فقوله : إلاّ على رجل ، دليل على أنه أراد نفي الإثم .
و أجيب : بأن قوله صلى الله عليه وسلم : لا حرج ، عام في نفي الإثم والفدية ،
وقوله صلى الله عليه وسلم : إلاّ على رجل ، لا يدل على المراد بالنفي هنا نفي
الإثم فقط ، و إلاّ لبينه صلى الله عليه وسلم ، إذ لا يجوز تأخير البيان عن
وقت الحاجة .
المسألة الثانية : آخر الوقت .
أنه لا حد لآخره ، إذ الأصل براءة
الذمة مع إيجاب الدم .
و دليله : أنه لم يرد ما يدل على وجوب فعل طواف الإفاضة في مدة معينة يلزمه
بتأخيره عنها دم .
المطلب الثالث : وقت الاستحباب .
الراجح والله أعلم أنه ما بين طلوع
الشمس إلى الزوال من يوم النحر بعد الرمي ، و النحر والحلق .
أولاً :
الدليل على أن وقت الاستحباب ما بين طلوع الشمس إلى الزوال :
1-
ما رواه جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم و فيه : فأفاض يوم النحر
إلى البيت فصلى بمكة الظهر .
2-
ما رواه ابن عمر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر
، ثم رجع فصلى الظهر بمنى .
3-
حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم : طاف يوم النحر و صلى
الظهر بمكة .
و نوقش : بأنه معارض بما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه
فزاروا البيت ظهيرة ، و زار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلاً .
وبما رواه ابن عباس و عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم
النحر إلى الليل .
و أجيب بأجوبة :
الجواب الأول : أن النبي صلى الله
عليه وسلم طاف ضحى ، ثم صار يأتي البيت ليلاً ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ، و
يدل لهذا ما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام
منى .
الجواب الثاني : أن الطواف الذي طافه النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً هو طواف
الوداع ، فنشأ الغلط من بعض الرواة في تسميته ، و من المعلوم أن طواف الوداع
كان ليلاً .
الجواب الثالث : أن معنى قوله : أخر طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل ، أي
طواف نسائه ، و معنى قول عائشة : و زار مع نسائه ليلاً ، أي : عاد للزيارة
ثانية لا لطواف الإفاضة ، ثم عاد إلى منى فبات بها ، جمعاً بين الأحاديث .
الجواب الرابع : أن روايات طوافه صلى الله عليه وسلم ضحى أصح و أشهر ، فوجب
تقديمها على ما ورد من طوافه صلى الله عليه وسلم ليلاً .
ثانياً : الدليل على أن وقت الاستحباب يبدأ من بعد الرمي ثم النحر ثم الحلق :
أنه صلى الله عليه وسلم طاف بعد ذلك . الأصل ( 2/ 424 - 438 ) .
المبحث الثاني عشر : وقت الحلق . و
فيه مطالب :-
المطلب الأول : وقت الجواز . و فيه
مسألتان :-
المسألة الأولى : أول الوقت .
الخلاف في هذه المسألة كالخلاف السابق
في أول وقت جواز طواف الإفاضة .
المسألة الثانية : آخر الوقت .
آخر وقت جواز الحلق كآخر وقت جواز
الإفاضة .
المطلب الثاني : وقت الوجوب . و فيه
مسألتان :-
المسألة الأولى : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه أول وقت الجواز
.
و الدليل على ذلك :
1-
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص و فيه : و أتاه رجل يوم النحر و هو واقف عند
الجمرة فقال :
يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي ، فقال : ارم ولا حرج … إلى أن قال : فما
رأيته سئل يومئذ عن شيء إلاّ قال : افعلوا ولا حرج .
2-
حديث ابن عباس و فيه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل يوم النحر بمنى
فيقول : لا حرج ، فسأله رجل فقال : حلقت قبل أن أذبح قال : اذبح ولا حرج .
3-
ما رواه علي بن أبي طالب قال : أتى رجل فقال : يا رسول الله إني أفضت قبل أن
أحلق ، قال : احلق ولا حرج .
المسألة الثانية : آخر الوقت .
الراجح والله أعلم أنه لا حد لآخره .
و دليله : بأنه لم يرد ما يدل على فعل الحلق في مدة معينة يلزم بتأخيره عنها
دم .
المطلب الثالث : وقت الاستحباب .
وقت الاستحباب ضحى يوم النحر ، بعد
الرمي والنحر قبل الإفاضة .
و دليله : فعله صلى الله عليه وسلم ، حيث حلق ضحى يوم النحر بعد الرمي ، و
النحر قبل الإفاضة . الأصل ( 2/ 439 - 448 ) .
المبحث الثالث عشر : وقت السعي . وفيه
مطالب :-
المطلب الأول : أول الوقت . و فيه
مسألتان :-
المسألة الأولى : أول الوقت لغير
المتمتع .
أول وقت السعي لغير المتمتع ، من بعد
طواف القدوم .
و دليله : ما رواه جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه
لم يطوفوا بين الصفا و المروة إلاّ طوافاً واحداً طوافهم الأول .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن أول وقت السعي بالنسبة لغير المتمتع من
بعد طواف القدوم لفعله صلى الله عليه وسلم .
و الدليل على أن المراد بهذا الحديث غير المتمتع : أن المتمتع يجب عليه سعي
آخر للحج ، بدليل ما رواه ابن عباس أنه قال : أهل المهاجرون و الأنصار و
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، و أهللنا ، فلما قدمنا مكة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة ؛ إلاّ من قلد
الهدي ، فطفنا بالبيت و بالصفا و المروة ، و أتينا النساء و لبسنا الثياب ،
وقال : من قلد الهدي ، فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله ، ثم أمرنا عشية
التروية أن نهل بالحج ، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت و بالصفا و
المروة .
المسألة الثانية : أول الوقت للمتمتع
.
اختلف القائلون بعدم إجزاء سعي العمرة
عن سعي الحج بالنسبة للمتمتع في أول وقت سعي المتمتع .
و الراجح والله أعلم أنه من بعد دخول وقت الدفع إلى منى مطلقاً ، سواء طاف
قبل ذلك أم لم يطف .
و الدليل على ذلك :
1-
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص و فيه : فما رأيته سئل عن شيء قدم ولا أخر
إلاّ قال : افعلوا ولا حرج . و هذا العموم شامل لتقديم السعي على الطواف ،
لأنه مما يفعل يوم النحر .
2-
حديث أسامة بن شريك قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الناس
يأتونه فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئاً أو قدمت شيئاً
، فكان يقول : لا حرج . و هذا نص في محل النزاع .
و نوقش : بأن معنى الحديث أي سعيت بعد طواف القدوم قبل طواف الإفاضة .
و أجيب بجوابين :
الجواب الأول : أن السعي بعد طواف القدوم بالنسبة لغير المتمتع معلوم جوازه
بين الصحابة ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم ، وفعل غيره من الصحابة من ساق الهدي
، فلا يسأل عنه .
الجواب الثاني : أن السؤال كان واقعاً يوم النحر ، فدل على أنه سأل عن حكم
تقديم السعي على طواف الإفاضة .
المطلب الثاني : آخر الوقت .
الراجح والله أعلم أنه لا حد لآخره .
و دليله : بأن الأصل عدم التحديد ، و لم يرد تحديده .
المطلب الثالث : وقت الاستحباب .
الراجح والله أعلم أنه من بعد طواف
القدوم لغير المتمتع ، و من بعد طواف الإفاضة للمتمتع .
أولاً :
الدليل على أن وقت السعي المستحب لغير المتمتع من بعد طواف القدوم :
أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بعد طواف القدوم ، و كان صلى الله عليه وسلم
قارناً .
ثانياً :
الدليل على أن الوقت المستحب لسعي المتمتع بعد طواف الإفاضة :
أن من تمتع من الصحابة إنما سعى بعد طواف الإفاضة . الأصل ( 2/ 449 - 455 ) .
المبحث الرابع عشر : وقت المبيت بمنى
. و فيه مطلبان :-
المطلب الأول : وقت المبيت الواجب .
الراجح والله أعلم أنه معظم الليل من
غروب الشمس إلى طلوع الفجر .
و دليله : أن مسمى المبيت لا يحصل إلاّ بمعظم الليل وما عداه لا يسمى مبيتاً
.
المطلب الثاني : وقت المبيت المستحب .
وقت المبيت المستحب بمنى هو جميع
الليل . بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها جميع الليل . الأصل ( 2/
456 - 457 ) .
المبحث الخامس عشر : وقت النفر من منى
. و فيه مطلبان :-
المطلب الأول : وقت الجواز . و فيه
مسألتان :-
المسألة الأولى : حكم التعجيل .
الراجح والله أعلم أن التعجيل يجوز
لكل أحد .
و الدليل على ذلك :
1-
قوله تعالى{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه}[البقرة/203] .
وجه الدلالة : أن الله أباح التعجيل في اليوم الثاني ، و هذا عام لكل أحد .
2-
ما رواه عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أيام
منى يتلو{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه و من تأخر فلا إثم عليه} ثم أردف
رجلاً و جعل ينادي بها في الناس .
المسألة الثانية : بيان وقته . و فيها
أمور :-
الأمر الأول :
بيان وقت التعجيل .
الراجح والله أعلم أنه قبيل غروب الشمس من يوم النفر الأول .
و الدليل على ذلك :
1-
قوله تعالى{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه} .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن وقت التعجيل قبيل غروب الشمس يوم النفر
الأول ، لأن الله قال{فمن تعجل في يومين}و اليوم اسم للنهار إلى غروب الشمس ،
و لم يقل فمن تعجل في يومين و ليلة .
2-
ما رواه عبد الرحمن الديلي قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أيام منى
يتلو{فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه و من تأخر فلا إثم عليه} ثم أردف رجلاً
و جعل ينادي بها في الناس .
وجه الدلالة : كما سبق في الدليل الأول .
3-
ما ورد أن عمر قال : من أدركه المساء في اليوم الثاني لم ينفر حتى الغد .
4-
ما ورد أن ابن عمر رضي الله عنهما قال : من غربت عليه الشمس و هو بمنى من
أوسط أيام التشريق ، فلا ينفرن حتى يرمي الجمار من الغد .
الأمر الثاني :
من غربت عليه الشمس و هو في شغل الارتحال .
الراجح والله أعلم أن له التعجيل .
و الدليل على ذلك :
1-
أنه في حكم المتعجل ، فجاز له ذلك .
2-
أن في تكليفه حل المتاع و الرحل مشقة عليه .
الأمر الثالث :
من غربت عليه الشمس ، و هو سائر قبل انفصاله من منى .
الراجح والله أعلم أن له التعجيل .
و دليله : دليل من قال ليس له التعجيل إذا غربت عليه الشمس و هو في شغل
الارتحال .
المطلب الثاني : وقت الاستحباب .
يستحب النفر من منى بعد رمي الجمار في
اليوم الثالث من أيام التشريق .
و دليل ذلك فعله صلى الله عليه وسلم . الأصل ( 2/ 458 - 467 ) .
المبحث السادس عشر : طواف الوداع . و
فيه مطالب :-
المطلب الأول : أول الوقت . وفيه
مسألتان :-
المسألة الأولى : بيانه .
الراجح و الله أعلم أنه بعد الفراغ من
أعمال الحج عند الخروج من مكة .
و الدليل على ذلك :
1-
حديث عائشة رضي الله عنها و فيه : فآذن بالرحيل في أصحابه فخرج ، فمر بالبيت
فطاف به قبل صلاة الصبح ، ثم خرج إلى المدينة .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن أول وقت طواف الوداع الخروج من مكة بعد
الفراغ من أعمال الحج لفعله صلى الله عليه وسلم .
2-
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت
، إلاّ خفف عن المرأة الحائض . و في رواية قال : كان الناس ينصرفون في كل وجه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت
.
المسألة الثانية : حكم الوداع إذا
أقام بعده . و فيها أمران :-
الأمر الأول :
أن يقيم لغير عذر .
إذا أقام بعد طواف الوداع لغير عذر بطل وداعه .
و حده المالكية بما لو أقام بعض يوم ، و هو ما زاد على الساعة الفلكية .
و الدليل على ذلك : أنه إذا أقام بعده خرج عن أن يكون وداعاً في العادة ، فلم
يجزه كما لو طافه قبل حل النفر .
الأمر الثاني :
أن يقيم لعذر . و فيه فروع :-
الفرع الأول :
أنه يشتغل بأسباب الخروج .
كشد الرحل و شراء واد ، وإصلاح المركب و نحوه . و الراجح و الله أعلم أنه لا
تلزمه الإعادة .
و دليله : أن الاشتغال بأسباب الخروج ليس بإقامة تخرج طوافه عن أن يكون آخر
عهده بالبيت .
الفرع الثاني :
أن يشتغل بغير أسباب الخروج .
و الراجح والله أعلم أن من اشتغل بغير أسباب الخروج كقضاء دين أو زيارة صديق
أو عيادة مريض بطل وداعه .
و دليله : أنه خرج عن أن يكون وداعاً في العادة فلم يجزه .
الفرع الثالث :
أن يقيم لعذر المرض ، أو الجنون أو الإكراه .
الراجح والله أعلم أنه يلزمه الإعادة .
و دليله : بأن طوافه خرج عن أن يكون وداعاً في العادة ، فلم يجزه .
المطلب الثاني : آخر الوقت .
ليس لآخر طواف الوداع حد ، لأن الأصل
عدم التحديد ولم يرد تحديده .
المطلب الثالث : وقت الاستحباب .
لا خلاف في أن وقت الاستحباب عند
الخروج من مكة ، بعد الفراغ من أعمال الحج .
و دليله : حديث أنس رضي الله عنه و فيه : فآذن بالرحيل في أصحابه فخرج فمر
بالبيت ، فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة . الأصل ( 2/ 468 - 474
) .
الفصل الثاني : وقت العمرة . و فيه مباحث
:-
المبحث الأول : وقت الجواز . و فيه مطلبان
:-
المطلب الأول : وقت الجواز لمن أحرم
بالحج .
أي أن يحرم بعمرة مستقلة و هو متلبس
بإحرام الحج .
الراجح و الله أعلم أنه من بعد الإحلال من الحج .
و الدليل على ذلك :
1 -
ما ورد أن علياً رضي الله عنه نهى عن إدخال العمرة على الحج .
2-
أن إدخال العمرة على الحج لا يفيد إلا ما أفاد العقد الأول ، فلم يصح كما لو
استأجره على عمل ، ثم استأجره عليه ثانياً .
3-
أن أفعال العمرة استحقت بإحرام الحج ، فلا يعتبر إحرام العمرة شيئاً .
المطلب الثاني : وقت الجواز لمن لم
يحرم بالحج .
الراجح و الله أعلم أن جميع السنة وقت
للعمرة ، ولا تكره في شيء منها . لأن عمرته صلى الله عليه وسلم كانت في أشهر
الحج ، و لأن الكراهة حكم شرعي يفتقر إلى الدليل الشرعي .
و الدليل على ذلك :
1-
قوله تعالى{وأتموا الحج والعمرة لله}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : أن الله سبحانه أمر بالعمرة مطلقاً عن الوقت ، فدل على
مشروعيتها في جميع السنة .
2-
ما رواه أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعتمر أربع عمر
كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أن أشهر الحج وقت لجواز العمرة .
3-
ما روته عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين عمرة
في ذي القعدة ، و عمرة في شوال .
4-
ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يفسخوا إحرامهم بالحج عمرة
. و ذلك في أشهر الحج .
5-
ما ورد أن علياً رضي الله عنه قال : في كل شهر عمرة .
6-
ما ورد أن أبا بكر اعتمر في رجب .
7-
ما ورد أن ابن عمر كان يعتمر في رجب كل عام ، و يتبع في ذلك فعل عمر و عثمان
.
8-
ما ورد أن عائشة رضي الله عنها كانت تعتمر في رجب .
المبحث الثاني : وقت التلبية . و فيه
مطلبان :-
المطلب الأول : أول الوقت .
الخلاف في هذا المطلب كالخلاف في أول
وقت التلبية بالنسبة للحاج .
المطلب الثاني : آخر الوقت .
الراجح و الله أعلم أنه عند استلام
الحجر الأسود ؛ لأنه إذا استلم الحجر فقد شرع في أسباب التحلل ، فلا يكون
للتلبية معنى حينئذ ، و النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ في أسباب التحلل في
الحج قطع التلبية ، وذلك عندما رمى أول حصاة ، فكذا العمرة .
و الدليل على ذلك :
1-
ما ورد أن عطاء سئل متى يقطع المعتمر ؟ فقال : قال ابن عمر : إذا دخل الحرم ،
و قال : ابن عباس : حتى يمسح الحجر ، قلت : يا أبا محمد أيهما أحب إليك ؟ قال
: قول ابن عباس .
2-
ما رواه مجاهد قال : كان ابن عباس رضي الله عنهما يلبي في العمرة حتى يستلم
الحجر ، ثم يقطع ، قال : و كان ابن عمر رضي الله عنهما يلبي في العمرة حتى
إذا رأى بيوت مكة ترك التلبية ، و أقبل على التكبير و الذكر حتى يستلم الحجر
.
3-
أنه أخذ في أسباب التحلل ، فلم يبقى للتلبية معنى ، فيقطع . الأصل ( 2/ 487 -
492 ) .
المبحث الثالث : وقت الاستحباب .
سبق أن الراجح أن العمرة تشرع في جميع
السنة بلا كراهة ، و أن الوقت المستحب للعمرة شهر رمضان .
و دليله : ما رواه عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لامرأة من الأنصار سمّاها ابن عباس ، فنسيت اسمها : ما منعك أن تحجي معنا ؟
قالت : كان لنا ناضح ، فركبه أبو فلان و ابنه لزوجها و ابنها ، و ترك ناضحاً
ننضح عليه ، قال : فإذا كان رمضان اعتمري فيه ، فإن عمرة في رمضان ، تعدل حجة
. و في رواية : فعمرة في رمضان تقضي حجة ، أو حجة معي . و في رواية تعدل حجة
معي من غير شك . الأصل ( 2/ 493 - 496 ) .
أوقات الهدي : الهدي : هو ما ينقل للذبح من النعم إلى الحرم . من قولك أهديت
الهدي ، و ذلك سوقك إياه كأنك ترشده إلى منحره ، و قد يكون من هديت العروس
إلى بعلها هداء .
الفصل الثالث : أوقات الهدي . و فيه مباحث
:-
المبحث الأول : وقت هدي التمتع ، و القران
. و فيه مطالب :-
المطلب الأول : وقت وجوبه .
الراجح والله أعلم أنه بطلوع الفجر من
يوم النحر .
و دليله : قوله تعالى{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من
الهدي}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن وقت وجوب الهدي من طلوع فجر يوم النحر ،
لأن قوله : إلى الحج ، أي إلى أفعال الحج ، و معظم أفعال الحج يوم النحر إذ
بوم النحر يوم الحج الأكبر .
المطلب الثاني : وقت الصيام لعادم
الهدي . و فيه مسألتان :-
المسألة الأولى : وقت صيام الثلاثة .
و فيها أمور :-
الأمر الأول :
وقت الجواز . و فيه فرعان :-
الفرع الأول : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من بعد الإحرام
بالعمرة ، إذ هو ظاهر فعل الصحابة رضي الله عنهم .
و الدليل على ذلك :
1-
قوله تعالى{فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن صيام الثلاثة التي في الحج يبدأ من بعد
الإحرام بالعمرة ، لأن الإحرام بها هو سبب التمتع ، فمتى وجد المسبب جاز
تقديمه على وقت الوجوب ، كتعجيل الزكاة بعد وجود النصاب .
2-
حديث ابن عمر رضي الله عنهما و فيه : ثم ليهل بالحج ، و ليهد فمن لم يجد
هدياً فصيام ثلاثة أيام في الحج ، و سبعة إذا رجعتم .
وجه الدلالة : كما سبق في الآية .
3-
حديث ابن عباس و فيه : ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، و إذا فرغنا من
المناسك جئنا فطفنا بالبيت و بالصفا و المروة ، فقد تم حجنا و عمرتنا ، و
علينا الهدي كما قال تعالى{فما استيسر من الهدي ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة
أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم}[البقرة/196] .
4-
قوله صلى الله عليه وسلم : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، و شبك بين
أصابعه .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث أن وقت صيام الثلاثة من حين الإحرام بالعمرة ؛
لأنه إذا أحرم بها فهو حاج من حين أحرم ، لدخولها في الحج ، فإذا صامها حينئذ
فقد صامها في حجه ، إذ هي جزء منه و بعض له .
5-
أن عامة الصحابة رضي الله عنهم كانوا متمتعين في حجة الوداع ، و قد أحرموا
بالحج يوم التروية بأمره صلى الله عليه وسلم ، مع علمه صلى الله عليه وسلم أن
كثيراً منهم لا يجد الهدي ، بدليل أنه بين حكم من لم يجد الهدي ، و من أحرم
يوم التروية فإنه يحتاج إلى أن يصوم يومين قبل يوم التروية - عند من قال : إن
الصيام يبدأ من الإحرام بالحج - لأنهم أحرموا يوم التروية نهاراً و قد أنشأوا
الصوم قبل الإحرام بالحج ، فلوا لم يجز لوجب تقديم الإحرام بالحج قبل طلوع
فجر اليوم السابع ، و الصحابة لم يفعلوه ، و لم يأمر النبي صلى الله عليه
وسلم بذلك فدل على جواز الصوم من بعد إحرام العمرة .
6-
ما ورد أن علياً رضي الله عنه قال : فصيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم
التروية يوماً ، و يوم التروية ، و يوم عرفة .
وجه الدلالة : دل هذا الأثر على أن وقت صوم الثلاثة من حين الإحرام بالعمرة
قبل الإحرام بالحج ، لقوله : قبل يوم التروية يوماً ، إذ الإحرام بالحج إنما
يشرع يوم التروية .
7-
ما ورد أن ابن عمر قال : فصيام ثلاثة أيام في الحج يوم قبل يوم التروية ، و
يوم التروية ، و يوم عرفة .
8-
أنه أحد إحرامي التمتع ، فجاز الصوم بعد إحرام العمرة كإحرام الحج .
9-
أنه تقديم للواجب بعد وجود سببه ، فجاز ، كتقديم كفارة الحنث على اليمين .
الفرع الثاني : آخر الوقت . و فيه
جانبان :-
الجانب الأول : بيانه .
الراجح والله أعلم أنه غروب الشمس من
آخر أيام التشريق .
و الدليل على ذلك :
1-
حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن
، إلاّ لمن لم يجد الهدي .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أنه يجوز للمتمتع العادم الهدي أن يصوم أيام
التشريق ، لأن قولهما : لم يرخص ، له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فيمتد وقت صيام الثلاثة التي في الحج إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق .
و نوقش : بأن قول ابن عمر و عائشة أخذاه من عموم قوله تعالى{فصيام ثلاثة أيام
في الحج} لأن قوله : في الحج يعم ما قبل النحر و ما بعده ، فتدخل أيام
التشريق ، فهو بطريق الاستنباط منهما عما فهماه من عموم الآية ، و قد ثبت
نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق ، و هو عام في حق المتمتع و
غيره ، و على هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن و عموم الحديث المشعر
بالنهي ، و في تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر .
و أجيب بجوابين :
الجواب الأول : المنع ، فلا يسلم أن
ابن عمر و عائشة أخذا جواز صومهما من ظاهر عموم الآية ، لأن قوله {في الحج}
لا يشمل ما بعد يوم النحر ، لإجماع المسلمين على أن الحاج إذا طاف طواف
الإفاضة بعد رمي جمرة العقبة و الحلق حل له كل شيء حرم عليه ، حتى النساء ، و
الصيد ، فقد زال عنه الإحرام بالكلية ، و صار حلالاً حلاً تاماً ، و ذلك
ينافي كونه في الحج فإن صام أيام التشريق فقد صامها في غير الحج ، و يدل لهذا
بأن الله صرح أنه لا رفث في الحج ، و أيام التشريق يجوز فيها الرفث بالجماع
فما دونه .
الجواب الثاني : أنه لو سلم أن ابن عمر و عائشة أخذا جواز صومها من الآية ، و
أن عموم الآية يدل على ذلك ، فلا تعارض بين الآية و بين نهيه صلى الله عليه
وسلم عن صيام أيام التشريق ، لجواز تخصيص عموم المتواتر بأخبار الآحاد ، لأن
التخصيص بيان ، و البيان يجوز بكل ما يزيل اللبس .
2-
ما ورد عن عائشة أنها تقول : الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، لمن لم يجد
هدياً ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة ، فإن لم يصم صام أيام منى .
الجانب الثاني : ما يترتب على تأخير
صيام الثلاثة عن وقتها . و فيه نقطتان
:-
النقطة الأولى : لزوم القضاء .
الراجح و الله أعلم أنه إن كان تأخير
الثلاثة عن وقتها لعذر شرعي ، له القضاء ، و إن كان لغير عذر فلا يشرع له
القضاء لما سبق أن العبادة المؤقتة إذا أخرت عن وقتها عمداً لا يشرع قضاؤها .
النقطة الثانية : لزوم الدم .
الراجح و الله أعلم أنه يلزمه دم إن
كان التأخير لغير عذر .
أولاً :
الدليل على لزوم الدم إن كان لغير عذر :
1-
ما ورد أن ابن عباس قال : من ترك شيئاً من نسكه ، أو نسيه فليهرق لذلك دماً .
2-
أنه نسك مؤقت ، فلزمه دم بالتأخير عن وقته كرمي الجمار .
ثانياً :
الدليل على عدم لزوم الدم إن كان التأخير لعذر :
1- أن الواجبات تسقط بالعجز عنها .
الأمر الثاني : وقت الاستحباب .
الراجح و الله أعلم أنه من اليوم
السادس من ذي الحجة بحيث يكون آخرها يوم التروية .
و الدليل على ذلك :
1-
ما ورد أن ابن عمر سئل عن صوم يوم عرفة بعرفة ؟ فقال : حججت مع النبي صلى
الله عليه وسلم فلم يصمه ، و مع أبي بكر فلم يصمه ، و مع عمر فلم يصمه ، و مع
عثمان فلم يصمه ، و أنا لا أصومه و لا آمر به ولا أنهى عنه .
2-
ما ورد أن ابن عمر و عائشة قالا : فيمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، و لم يجد
هدياً أنه يصوم ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة .
3-
ولأن الفطر في ذلك اليوم أنشط له على الدعاء ، والذكر ، فكان المستحب أن يكون
صيام الهدي قبل عرفة .
الأمر الثالث : جواز تفرقها .
الراجح والله أعلم أنه يجوز تفريقها ،
لظاهر القرآن في ذلك .
و الدليل على ذلك :
1-
قوله تعالى{فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : أن الأمر ورد مطلقاً عن قيد التتابع ، و ما ورد مطلقاً يبقى
على إطلاقه .
2-
أن الصيام واجب ، فلم يجب فيه التتابع كقضاء رمضان .
المسألة الثانية : وقت صيام السبعة .
و فيها أمور :-
الأمر الأول :
وقت الجواز . و فيه فرعان :-
الفرع الأول : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من بعد الفراغ
من أعمال الحج ، لظاهر القرآن في ذلك .
و الدليل على ذلك :
1-
قوله تعالى{و سبعة إذا رجعتم}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أن أول وقت صيام السبعة من بعد الرجوع من
الحج ، إذ معنى قوله تعالى {إذا رجعتم} أي من الحج و يدل لهذا التأويل ما يلي
:
أ -
قوله تعالى{فصيام ثلاثة أيام في الحج} فتقدير الرجوع من الحج الذي تقدم ذكره
أولى من تقدير الرجوع من السفر أو مكة ، لعدم ذكره .
ب-
أنه لو رجع إلى أهله قبل التحلل الثاني لم يجز له الصوم ، فعلم أن الحكم مقيد
بالرجوع من الحج فقط .
ج -
أنه إذا تحلل يصح تسميته راجعاً لرجوعه إلى حاله قبل الإحرام من الإحلال .
د -
أنه لو لم يكن له وطن أصلاً يرجع إليه ، بل مستمر على السياحة وجب عليه صومها
، و لا يتحقق في حقه سوى الرجوع من الحج ، و هذا مجمع عليه .
2-
أن الصوم لا يختص بمكان دون مكان ، فلو قيل : لا يجوز الصوم إلاّ في بلده
منعاً للصوم في بعض الأمكنة دون بعض ، و ذلك غير معهود في الشرع ولا معنى
تحته .
3-
أن الصوم وجب في ذمته فكان له البدار إلى فعله كقضاء رمضان .
4-
أن الحجيج إذا صدروا من منى ، فقد شرعوا في الرجوع إلى أهلهم ، لأن عرفات و
منى منتهى سفرهم .. و الأفعال الممتدة كالحج والرجوع و نحوه ، يقع الاسم على
المتلبس به إذا شرع فيه ، و إن كان لا يتناول الاسم على التمام إلاّ إذا قضاه
.
5-
أنه صوم واجب وجد من أهله بعد وجود سببه ، فأجزأ كصوم المسافر و المريض .
6-
أنه صوم واجب جاز تأخيره في حق من يصح منه الصوم ، فجاز تقديمه كرمضان في حق
المسافر .
الفرع الثاني : آخر الوقت .
ليس لآخر وقت جواز السبعة حد ، إذ
الأصل عدم التحديد و لم يرد تحديده .
الأمر الثاني :
وقت الاستحباب .
الراجح و الله أعلم أنه إذا رجع إلى أهله ، إذ هو ظاهر القرآن والسنة .
و الدليل على ذلك :
1-
حديث ابن عمر و فيه : و سبعة إذا رجع إلى أهله .
2-
حديث ابن عباس و فيه : و سبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم .
3-
أنه أخذ بالرخصة ، و خروج من الخلاف .
الأمر الثالث :
جواز تفريقها .
الخلاف في هذا الأمر كالخلاف في جواز تفرق صيام الثلاثة ، و قد سبق بيانه .
المطلب الثالث : وقت نحره . و فيه
مسائل :-
المسألة الأولى : وقت الجواز . و فيها
أمران :-
الأمر الأول : أول الوقت .
الراجح والله أعلم أنه من بعد الفراغ
من صلاة العيد ، أو قدرها عند من لا يصلي ، لأنه أحوط للعبادة و أبرأ للذمة .
أولاً
الدليل على أنه لا يجوز ذبحه قبل يوم النحر :
1-
قوله تعالى{ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}[البقرة/196] .
وجه الدلالة : دلت هذه الآية على أنه لا يجوز ذبح الهدي قبل يوم النحر ، إذ
إن محل ذبحه هو يوم النحر كما بينه صلى الله عليه وسلم بفعله .
و نوقش : بأن هذه الآية في الإحصار ، بدليل قوله تعالى{فإن أحصرتم فما استيسر
من الهدي}.
و أجيب : بأن الآية عامة في الإحصار وهدي المتعة والقِرآن ، لعموم لفظها .
2-
قوله تعالى{و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً} إلى قوله{ليشهدوا منافع لهم و
يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ن فكلوا منها
و أطعموا البائس الفقير ، ثم ليقضوا تفثهم و ليوفوا نذورهم و ليطوفوا بالبيت
العتيق}[الحج/27-29] .
وجها الدلالة :
الوجه الأول : دلت هذه الآية على أنه لا يجوز ذبح هدي المتعة قبل يوم النحر ،
إذ معنى الآية أذن فيهم بالحج يأتوك مشاة و ركباناً ، لأجل أن يشهدوا منافع
لهم ، و يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ، و
من ذكره تعالى في هذه الآية ذكره عند ذبح بهيمة الأنعام .
الوجه الثاني : أن قضاء التفث و طواف الزيارة لا يكون إلاّ بعد يوم النحر ، و
قد رتب هذه الأفعال على ذبح الهدي ، فدل على أن وقت نحره بعد دخول يوم النحر
.
و نوقش : بأن الله رتب هذه الأفعال على نحر الهدي ( بثم ) و ( ثم ) للتراخي ،
فربما يكون الذبح قبل يوم النحر ، و قضاء التفث فيه .
و أجيب : بأن موجب ( ثم ) بالتراخي يتحقق بالتأخير ساعة ، فلو جاز قبل يوم
النحر جاز قضاء التفث بعده ساعة ، وليس كذلك .
3-
حديث جابر رضي الله عنه قال : أهللنا بالحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل و نجعلها عمرة ، فكبر ذلك علينا و ضاقت به
صدورنا ، فقال : يا أيا الناس أحلوا فلولا الهدي معي فعلت كما فعلتم ، قال :
فأحللنا حتى وطئنا النساء ، و فعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية
، و جعلنا مكة بظهرٍ ، أهللنا بالحج .
4-
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم و نحن نصرخ بالحج صراخاً ، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلاّ من
ساق الهدي .
5-
حديث ابن عباس أنه سئل عن متعة الحج ؟ فقال : أهل المهاجرون و الأنصار و
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، و أهللنا ، فلما قدمنا مكة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلاّ من فلد
الهدي ، فطفنا بالبيت و بالصفا و المروة و أتينا النساء ، و لبسنا الثياب و
قال : من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ محله .
6-
حديث حفصة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا و لم تحل أنت
عمرتك ؟ قال : إني لبدت رأسي و قلدت هدي فلا أحل حتى أنحر .
7-
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن عمر قال : تمتع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، و أهدى فساق معه الهدي من ذي
الحليفة و بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج ، و
تمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج ، فكان من
الناس من أهدى فساق الهدي ، و منهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله صلى الله
عليه وسلم مكة ، قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم عليه
حتى يقضي حجه .
8-
حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت : خرجنا محرمين مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليقم على إحرامه ،
و من لم يكن معه هدي فليحل فلم يكن معي هدي فحللت ، و كان مع الزبير هدي فلم
يحل .
وجها الدلالة :
الوجه الأول : دلت هذه الأحاديث على أن ذبح هدي المتعة لا يجوز قبل يوم النحر
؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن من ساق الهدي لا يحل حتى يحل نحر
الهدي بعد قضاء حجه .
الوجه الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى جميع من معه من متمتع و قارن
أن يحلوا إلى يوم النحر ، و بين أن الذي منعهم من ذلك الهدي و لو كان الذبح
جائزاً قبل يوم النحر لنحروا و حلوا ، و لم يكن الهدي مانعاً من الإحلال قبل
اليوم ، فتبين عدم جواز ذبحه قبل يوم النحر .
9-
حديث انس رضي الله عنه و فيه : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج
نحر سبع بدنات بيده قياماً .
10-
قوله صلى الله عليه وسلم : إن أعظم الأيام عند الله عز وجل يوم النحر ، و يوم
القر ، قال ثور : و هو اليوم الثاني ، قال : و قرّب رسول الله صلى الله عليه
وسلم خمس بدنات أو ست ، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ .
11-
حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عن نسائه البقر يوم النحر .
12-
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : و وقف رسول الله صلى
الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى ، فجعل الناس يسألونه فجاء رجل فقال : يا
رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أنحر فقال : اذبح ولا حرج ، ثم جاء آخر فقال
: يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي ، قال : ارم ولا حرج .
وجه الدلالة : دل هذا الحديث على أنه لا يجوز ذبح هدي المتعة قبل يوم النحر
بدليل : أن الصحابة سألوا عن حكم تقديم النحر على الحلق و الرمي ، و لو كان
النحر جائزاً قبل يوم النحر لما احتيج إلى أن يسأل عن النحر قبل الحلق والرمي
.
13-
ما ورد أن ابن عمر كان يبعث بهديه من جمع آخر الليل حتى يدخل به منحر النبي
صلى الله عليه وسلم مع حجاج فيهم الحر و المملوك .
14-
أن ما قيل يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية فيه ، فلا يجوز ذبح هدي التمتع .
و نوقش : بأنه قياس مع الفارق ، إذ الأضحية منصوص على وقتها .
و أجيب : و كذا فإن ذبح الهدي مخصوص بما بعد النحر ، بدليل ما تقدم من فعله
صلى الله عليه وسلم ، و الفعل إذا خرج مخرج الامتثال والتفسير كان حكمه حكم
الأمر ، و هو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : خذوا عني مناسككم .
ثانياً :
الدليل على أن وقت الذبح يبدأ من بعد فعل صلاة العيد ، أو قدرها عند من لا
يصلي :
ما تقدم ذكره من الدليل على وقت ذبح الأضحية يبدأ من بعد فعل الصلاة ، أو
قدرها عند من لا يصلي .
الأمر الثاني : آخر الوقت .
الخلاف في هذا الأمر كالخلاف في آخر
وقت الأضحية .
المسألة الثانية : وقت الوجوب . و
فيها أمران :-
الأمر الأول : أول الوقت .
الراجح و الله أعلم أنه من أول وقت
الجواز .
و الدليل على ذلك : ما تقدم ذكره من الأدلة على عدم وجوب الترتيب بين هذه
الأنساك .
الأمر الثاني : آخر الوقت .
الخلاف في هذا الأمر كالخلاف في آخر
وقت الأضحية .
المسألة الثالثة : وقت الاستحباب .
الراجح والله أعلم أنه في اليوم الأول
من بعد رمي جمرة العقبة ، ثم اليوم الثاني ، ثم الثالث .
و الدليل على ذلك :
1-
أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح في اليوم الأول بعد رمي جمرة العقبة .
2-
أن الذبح في اليوم الأول أسرع إلى القربة و الخير ، وإن كان بعد الزوال .
الأصل ( 2/ 539 - 594 ) .
المبحث الثاني : وقت هدي التطوع .
الراجح والله أعلم أنه يوم النحر .
و الدليل على ذلك : ما تقدم ذكره من الدليل من أنه صلى الله عليه وسلم لم
ينحر هديه إلاّ يوم النحر . الأصل ( 2/ 595 - 596 ) .
المبحث الثالث : وقت هدي الفوات . و
فيه مطلبان :-
المطلب الأول : وقت الوجوب .
الراجح و الله أعلم أنه عدم وجوب
الهدي .
المطلب الثاني : وقت نحره عند من قال
بوجوبه .
الراجح والله أعلم أنه عدم وجوب الهدي
. الأصل ( 2/ 597 - 599 ) .
والحمد لله رب العالمين ..