الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
فهذه فائد قيمة مقتبسة من كتاب بعنوان ( تنوير العينين بأحكام الأضاحي
والعيدين ) للشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني ، حول : حكم التهنئة
بالعيد والصيغ الواردة في ذلك ، مع تصرف بسيط .. والله من وراء القصد ..
من هنأ أخاه في العيدين بقوله : ( تقبل الله منا ومنكم ) ونحو ذلك ، فله قدوة
ببعض الصحابة فمن دونهم .. قد وردت آثار عن بعض السلف في ذلك ، منها الصحيح
وغيره ، والمرفوع لا يصح ..
ذكر ابن التركماني في الجوهر النقي حاشية البيهقي ( 3/ 320 – 321 ) ، قال :
قلت : وفي هذا الباب – أي التهنئة بالعيد – حديث جيد أغفله البيهقي ، وهو
حديث محمد بن زياد ، قال : كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي
صلى الله عليه وآله وسلم ، فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض : ( تقبل الله
منا ومنكم ) ، قال : أحمد بن حنبل : إسناده جيد . اهـ .
قال شيخنا الألباني رحمه الله في تمام المنة ( ص 356 ) : ولم يذكر من رواه
وقد عزاه السيوطي لزاهر أيضاً بسند حسن عن محمد بن زياد الألهاني – وهو ثقة –
قال .. فذكره . اهـ . وزاهر هو ابن طاهر صاحب كتاب : ( تحفة عيد الفطر ) كما
ذكر شيخنا .
وقد نقل ابن قدامة في المغني (2/259) قول أحمد بتجويد سنده والله أعلم بحال
من لم يُذكر من رجال هذا الأثر ، والأصل قبول قول أحمد حتى نرى خلافه ، والله
أعلم .
وأخرج الأصبهاني في الترغيب والترهيب ( 1/251) عن صفوان بن عمرو السكسكي قال
: سمعت عبد الله بن بُسر وعبد الرحمن بن عائذ وجبير بن نفير وخالد بن معدان ،
يقال لهم في أيام الأعياد : ( تقبل الله منا ومنكم ) ، ويقولون ذلك لغيرهم .
وهذا سند لابأس به .
وجاء في الفتح ( 2/446) : وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير
قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا التقوا يوم العيد
يقول بعضهم لبعض : ( تقبل الله منا ومنكم ) .
قال شيخنا الألباني رحمه الله : ولم أقف على هذا التحسين أي للحافظ في شيء من
كتبه – وإن كان قد أفاده بمكانه أحد طلبة العلم – قال : وإنما وجدته للحافظ
السيوطي في رسالته وصول الأماني في وجود التهاني ( ص 109 ) وفي نسخة مكتبتي (
ص82 ) والحاوي الجزء الأول من الحاوي للفتاوي وقد غزاه لزاهر بن طاهر في كتاب
تحفة عيد الفطر ، وأبي أحمد الفرضي ، ورواه المحاملي في كتاب العيدين (2/129
) بإسناد رجاله ثقات ، رجال التهذيب غير شيخه المهنى بن يحيى وهو ثقة نبيل
كما قال الدارقطني ، وهو مترجم في تاريخ بغداد ( 13/266 – 268 ) ، فالإسناد
صحيح ، لكن خالفه حاجب بن الوليد في إسناده ، فلم يرفعه إلى أصحاب النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ، فقال : حدثنا بشر بن إسماعيل الحلبي .. وذكر ما سبق ،
ثم قال : فإن صح السند بهذا إلى الحاجب ، فإن في الطريق إليه من يحتاج إلى
الكشف عن خالد ، فلعل مبشر بن إسماعيل حدث بهذا وهذا ، وبخاصة أن عبد الله بن
بسر هذا – وهو المازني – صحابي صغير ، ولأبيه صحبة ، فيبعد أن يقول هو
والتابعون المذكورون معه شيئاً دون أن يتلقوه عن الصحابة ، فتكون الروايتان
صحيحتين ، فالصحابة فعلوا ذلك ، فاتبعهم عليه التابعون المذكورون ، والله
سبحانه وتعالى أعلم . اهـ .
أخرجه الطبراني في الدعاء ( 929 ) ثنا الحسن بن علي المعمري ، ثنا علي بن
المديني ثنا أبو داود سليمان بن داود ، ثنا شعبة قال : لقيني يونس بن عبيد في
يوم عيد ، فقال : تقبل الله منا ومنك . وهذا سند مسلسل بالحفاظ المكثرين ،
والمعمري تُكُلِّم فيه بكلام لا يضره هنا ؛ بسبب الغرائب والله أعلم .
وسئل مالك رحمه الله : أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد : تقبل
الله منا ومنك ، وغفر الله لنا ولك ، ويرد عليه أخوه مثل ذلك ؟ قال : لايكره
. اهـ من المنتقى (1/322) .
وفي الحاوي للسيوطي (1/82) قال : وأخرج ابن حبان في الثقات عن علي بن ثابت
قال سألت مالكاً عن قول الناس في العيد : تقبل الله منا منك ، فقال : مازال
الأمر عندنا كذلك . اهـ .
وفي المغني (2/259) : قال علي بن ثابت : سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين
سنة ، وقال : لم يزل يعرف هذا بالمدينة . اهـ .
وفي سؤالات أبي داود ( ص 61 ) قال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن قوم قيل لهم
يوم العيد : تقبل الله منا ومنكم ، قال أرجو أن لايكون به بأس . اهـ .
وفي الفروع لابن مفلح (2/150 ) قال : ولا بأس قوله لغيره : تقبل الله منا
منكم ، نقله الجماعة كالجواب ، وقال : لا أبتدئ بها ، وعنه : الكل حسن ، وعنه
: يكره ، وقيل له في رواية حنبل : ترى له أن يبتدئ ؟ قال : لا ونقل علي بن
سعيد : ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة ، وفي النصحية : أنه فِعل الصحابه ، وأنه
قول العلماء . اهـ .
ونحوه في المغني (2/259 ) ، وقال ابن رجب في فتح الباري (9/74) على قول أحمد
: ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة : كأنه يشير إلى أنه يخشى أن يُشهر المعروف
بالدين والعلم بذلك ، فيُقْصَد لدعائه ، فيُكره لما فيه من الشهرة . اهـ .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في
مجموع الفتاوى (24/253) : هل التهنئة
في العيد ما يجري على ألسنة الناس : عيدك مبارك ، وما أشبهه ، هل له أصل في
الشريعة أم لا ؟ وإذا كان له أصل في الشريعة ، فما الذي يقال ، أفتونا
مأجورين ؟
فأجاب :
أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد : تقبل الله
منا ومنكم ، وأحاله الله عليك ، ونحو ذلك فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة
أنهم كانوا يفعلونه ، ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره ، لكن قال أحمد : أنا لا
ابتدئ أحداً ، فإن ابتدرني أحد اجبته ، وذلك ؛ لأنه جواب التحية واجب ، وأما
الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمور بها ، ولا هو أيضاً مما نُهي عنه ، فمن
فعله فله قدوة ، ومن تركه فله قدوة ، والله أعلم . اهـ .
وعندي :
أن أمر التهنئة هو إلى العادات اقرب منه إلى العبادات ، والأصل في أمور
العادات الإباحة ، حتى يرد دليل بالمنع ، بخلاف العبادات التي يحتاج المتكلم
فيها إلى نقل الدليل على ما يقول ، ومعلوم أن العادات تختلف من زمان لآخر ،
ومن مكان لآخر ، إلا أن أمراً ثبت عن الصحابة أو بعضهم فعله ، هو أولى من
غيره ، والله أعلم .