السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته
لقد نذرت لله تعالى أن أحفظ خمسة أحاديث في اليوم لمدة محددة وقد تحقق النذر
والحمد لله ولكنني ملتزم مع مجموعة ونحفظ القرآن السؤال
1-
هل يجوز لي استبدال هذه الأحاديث بسور أو آيات فإذا كان يمكنني أرجو تحديد
الكمية ؟
2-
هل يمكنني دفع كفارة يمين مع الاستمرار في الحفظ ولكن التراخي فيه ؟
3-
هل يمكنني استبدال هذه الأحاديث بأحاديث قدسية ؟
أرجو عرض السؤال على أحد علماء الإفتاء وعدم القياس على فتوى سابقة أو
الاكتفاء بفتوى سابقة لسيادتهم والإجابة على كافة فروع السؤال لكي يرتاح
ضميري وجزاكم اللّه خيراً .
الجواب :
أقول مستعيناً بالله
تعالى بعد حمدِ الله كما ينبغي لجلاله ، و الصلاة و السلام على نبيّه محمّدٍ
و آله :
اوّلاً :
الأولى بالمسلم أن يتقرّب إلى الله تعالى بحسب وسعه و طاقته ، و أن لا يشق
على نفسه فيوجب عليها ما لم يوجبه الله و لا رسوله من الأعمال ، و ليعلم أنّ
النذر لا يغيّر من قدر الله شيئاً ، و لا يُثاب المرء على إنجازه ، لأنّه غير
واجب و لا مستحبّ أصلاً ، فقد روى الشيخان ، و أصحاب السنن ، و أحمد ، و
غيرهم عن سَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - يَقُولُ أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ إِنَّ النَّبِىَّ صلى
الله عليه وسلم قَالَ : « إِنَّ النَّذْرَ لاَ يُقَدِّمُ شَيْئاً ، وَلاَ
يُؤَخِّرُ ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ الْبَخِيلِ » .
ثانياً :
قد ينذر الإنسان نذراً ، و يريد به مجرّد القَسَم ، فيكون حًكمًه حكمَ اليمين
، و هو الذي لا اشتراط فيه ، كأن يقول الناذر : لله عليّ كذا و كذا . من غير
أن يشترط جلب خير أو دفع شر ، و أمّا صيغة النذر المنعقِد فكأن يقول الناذر :
إن حصل كذا ، فلله عليّ كذا ، أو نحو ذلك من الصيغ التي ترتب فعل الطاعة على
جلب خيرٍ أو دفع شر .
و الظاهر أن ما أقدمت عليه الأخت السائلة هو من قَبيل النذر ( و ليس حَلِفاً
) مبنىً و معنىً ، بدليل قولها : ( و قد تحقق النذر والحمد لله ) .
ثالثاً :
يجب على من نذر طاعةً لله تعالى أن يفي بنذره ، و من نذر بمعصيةٍ أن يكفّ
عنها و لا يأتيها فقد توعّد الله من لم يَفِ بنذره في قوله : ( وَمَا
أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ
يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) .
و روى البخاري في صحيحه ، و أصحاب السنن في سننهم و مالك في موطّئه ، و أحمد
في مسنده ، و غيرهم عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أنّ النَّبِىِّ صلى
الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ،
وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ »
و ما ورد في استفتاء الأخت السائلة ممّا يجب الوفاء به ، خاصّةً و أنّ طلب
العلم ، و منه حفظ الحديث عبادة و طاعة ، و كلّ طاعةٍ نَذَََرَ العبد فعلها ،
وجب أداؤها .
رابعاً :
ما دمتِ قد نذرت أن تحفظي خمسة أحاديث في اليوم فليس لك أن تستبدليها بآيات
أو سُوَر أو غير ذلك ، بل الواجب عليك هو الالتزام بما ألزمت نفسك به عند
انعقاد النذر .
خامساً :
إذا تعذّر عليك الوفاء بنذرك على الصيغة التي حددتيها عند انعقاده ( و هي
خمسة أحاديث يومياً ) فلك أن تكفّري عن نذرك كفّارة يمين ، و تجتهدي في حفظ
القرآن الكريم و ما تيسر من الأحاديث ، و قليل دائم خيرٌ من كثيرٍ منقطع ،
أما إن كنت قادرة على الوفاء فاتقي الله و لا تفرّطي في جنبه ، و أدّي ما
ألزمت نفسك به على أكمل وجه .
سادساً :
الأحاديث القدسية تأخذ حكم الأحاديث النبويّة في كافّة الأحكام ، لأنّها من
قول النبيّ صلى الله عليه و سلّم ، و إن كان معناها من عند الله تعالى ، أو
جاءت بصيغة الرواية عن ربّ العالمين .
هذا ، و الله تعالى أجلّ و أعلى و أعلم و أحكم .
و تعميماً للفائدة ألفتُ
نظر من وَقفَ على هذه الفتوى إلى الفائدة التالية :
مسألة :
لو حلف امرؤٌ أن يحفظ قدراً من الأحاديث النبويّة ، فهل يُجزؤُه أن يحفظ من
آيات القرأن الكريم قدراً مماثلاً ، و يكون بذلك بارّاً بقَسَمه ؟
و الجواب :
ممّا لا شك فيه أنّ حفظ القرآن الكريم أفضل من حفظ الحديث ، لأن تلاوة القرآن
عبادة ، و للقارئ بكلّ حرف عشر حسنات ، فقد روى الترمذي و الدارمي عن عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «
مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَ
الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ
حَرْفٌ وَ لاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ » ، و ليس ذلك للحديث ، و عليه أرى
أنّه لا بأس في هذه الحال أن يحفظ من حلف أن يحفظ مقداراً ما من الأحاديث ما
يعادلها أو يزيد عليها من كتاب الله ، بدلاً منها ، فقد روى البخاري و
الترمذي و مالك و أحمد عن أبي هريرة ، و مسلم عَنْ عَدِىٍّ بن حاتم ، و
النسائي عن عبد الرحمن بن سمُرة و عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ ، أنّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « إِذَا حَلَفَ
أَحَدُكُمْ عَلَى الْيَمِينِ فَرَأَى خَيْراً مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا
وَلْيَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ » .
أما تحديد المقدار فلا يمكن على وجه الدقّة لأنّ الآيات تتفاوت في الطول و
القصر ، كما هو الحال بالنسبة للأحاديث ، و لذلك فلا بدّ من التسديد و
المقاربة في تحديد المقدار الذي يتوجّب عليه أن يحفظه , و الله أعلم .
و جاء في الموطّأ ( 2 / 479 ) : قَالَ يَحْيَى : وَ سَمِعْتُ مَالِكاً
يَقُولُ مَنْ قَالَ عَلَىَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئاً إِنَّ عَلَيْهِ
كَفَّارَةَ يَمِينٍ . اهـ .
، ففي هذه الحالة يأتي الذي هو خير ، و يُُُكفّر عن نذره كفّارة يمين