السؤال :
ما حكم الإسلام ممن يزعم أنه رأى في منامه أموراً لم يرها ، مع العلم بأنة
يلجأ إلى زعمه هذا للترغيب و الترهيب في الدعوة ، أو إلى الإصلاح بين الناس ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
من المقرر شرعاً أن الكذب من الكبائر ، و لا شك أن الذنوب تتفاوت ؛ فبعضها
أشنع من بعض ، و من أشنع الكذب ما تعلّق بالغيبيات كالكذب في ادّعاء الرؤى
الصالحة ، و لذلك استحق من وقع في ذلك الوعيد الشديد بالعذاب يوم القيامة .
فقد روى البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ
كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَ لَنْ يَفْعَلَ ) .
قال الإمام المناوي رحمه الله شارحاً هذا الحديث في فيض القدير : ( من تحلَّم
) بالتشديد أي تكلف الحلم بأن زعم أنه حلم حُلماً ؛ أي : رأى رؤيا في حال
كونه ( كاذباً ) في دعواه أنه رأى ذلك في منامه ، ( كُلِّف ) بضم الكاف و شد
اللام المكسورة ( يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ) بكسر العين تثنية شعيرة
( و لن ) يقدر أن ( يعقد بينهما ) لأن اتصال إحداهما بالأخرى غير ممكن عادةً
فهو يعذب حتى يفعل ذلك ، و لا يمكنه فعله ، فكأنه يقول : يكلف ما لا يستطيعه
فيعذب عليه ؛ فهو كناية عن تعذيبه على الدوام . اهـ .
و قد يرد هنا تساؤل عن الحكمة من المبالغة في النكير على الكذب في الرؤى أكثر
من النكير على من يكذب في الحقيقة ، و يكشف هذا الالتباس ما ذكره ابن حجر في
الفتح ، و عزا أصله إلى الطبري رحمهما الله ، فقال : إنما اشتد في الكذب على
المنام الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد تكون شهادة
في قتل أو حد أو أخذ مال ، لأن الكذب في المنام كذبٌ على الله أنه أراه ما لم
يره ، و الكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين ، لقوله تعالى : ( وَ
مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ
عَلَى رَبِّهِمْ وَ يَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى
رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) [ هود : 18 ] ، و
إنما كان الكذب في المنام كذبا على الله لحديث ( الرؤيا جزء من النبوة ) و ما
كان من أجزاء النبوة فهو من قبل الله تعالى .اهـ .
قلتُ : و كفى بهذا الوعيد زاجراً لمن تسوّل له نفسه أن يدعي رؤيا ما لم يُرَ
في منامه ، و رادعاً لأمثاله من التذرّع بالذرائع لاستحلال الكذب و استمرائه
أو إشاعته و ترويجه .
أما ما يُزعم من أنه كذب لترقيق القلوب ، و ترغيبها في الخير ، أو تنفيرها عن
الشر ؛ فهو من تلبيس إبليس على العباد ليجرّئهم على محارم الله ، و يزين لهم
الوقوع في الموبقات المهلكات ، و العياذ بالله .
و ثمّة شِبَهٌ بين من يزعم تدعيم دعوته إلى الله باختلاق الدعاوى ، و التصنّع
بالرؤى الكاذبة و بين وُضَّاع الحديث من المبتدعة المتدروشين القائلين : (
نحن لا نكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم و لكننا نكذب له ) أي لنشر
سنتة باختلاق الأخبار و وضع الأحاديث في فضائل الأعمال ، و هذا شر مستطير ، و
خطر عظيم على من بدأه و من روّجه أو وافقه .
فليتق الله امرؤٌ في كلامه ، و ليراقب ربّه في جميع أحواله ، و ليعلم أنّه (
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) [ ق : 18 ] .
هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ، و بالله التوفيق .