السؤال :
أنا حديث عهد بمعرفة مذهب السلف الصالح في كثير من مسائل العقيدة و منها ما
يتعلّق بأسماء الله تعالى و صفاته ، و سؤالي عن أبويّ و من في منزلتهما من
التقدم في السن و التأخر في العلم ، حيث أفضى بعضهم إلى ما قدم و هو جاهل
بمذهب السلف في مسائل الإيمان و الصفات و نحوها من دقائق مسائل المعتقد ، فهل
هم معذرون بجهلهم في ذلك أم لا ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
من المعلوم ضرورةً أن النبي صلى الله عليه و سلَّم قد بلَّغ الرسالة و أدى
الأمانة ، و كان ممّا بلَّغه لأمته مسائل الإيمان و الكفر ، و إن كان ذلك على
سبيل الإجمال في بيان المكفِّرات ، دون تعداد آحاد المسائل القولية و الفعلية
التي يكفر صاحبها ، و على هذا الأساس ساغ اختلاف الأمَّة في التكفير ببعض
الذنوب كترك الصلاة ، و تعاطي السحر ، و اتِّخاذ سبِّ الصحابة و تكفيرهم
ديناً ؛ و إن كان الحقُّ فيها واحداً لا يتعدد و إن خفي على بعض أهل العلم .
غير أن عدم بيان المكفرات على سبيل الإفراد و التعداد منه صلى الله عليه و
سلم لمن يدخل الإسلام من آحاد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، لا يلزم منه
أنَّها غير معلومة لمن تتبع نصوص الشريعة كتاباً و سنَّة ، بل هي معلومة على
وجه الإجمال ، و إن تعدَّدت صورها ، و جدَّت صور من المكفِّرات اللفظية و
الفعلية في العصور المتأخرة ، كسبّ الصحابة و اتِّخاذه ديناً ، و ردِّ
التحاكم إلى ما أنزل الله جملةً و استبداله بزبالات الأذهان ، و أهواء بني
الإنسان ، فهذا كله لم يكن له و جود في الصدر الأوَّل ، و ربَّما لم يكن يخطر
ببال أحدٍ من السلف أن يوجد في يوم من الأيام .
قال أبو محمد بن حزم الظاهري رحمه الله : مَن ادعى أن النبي صلى الله عليه
وسلم لم يدَع أحداً يُسلم حتى يوقِفَه على هذه المعاني كان قد كذب بإجماع
المسلمين من أهل الأرض ، و قال ما يدري أنه فيه كاذب ، و ادعى أن جميع
الصحابة رضي الله عنهم تواطئوا على كتمان ذلك من فعله عليه السلام ، و هذا
المحال ممتنع في الطبيعة ، ثم فيه نسبة الكفر إليهم ؛ إذ كتموا ما لا يتم
إسلام أحد إلا به . و إن قال : إنه صلى الله عليه و سلم لم يدع قط أحد إلى
شيء من هذا ، و لكنه مودع في القرآن ، و في كلامه صلى الله عليه و سلم قيل له
: صدقت ) [الفصل في الملل والأهواء والنحل : 3 / 141 ].
قلت : و بناءً على هذا الأصل وقع الخلاف بين أهل العلم في مسألة العذر بالجهل
في أصول الدين ، أو عدَمه ، فذهب جلُّهُم إلى اعتبار العذر بالجهل ممن لم
تُقَم عليه الحجَّة ، و ذهب آخرون إلى عدم اعتباره .
و الأدلَّة الشرعية تشهد لمذهب الجمهور ، و هم القائلون : يُعذَر الجاهل
بجهله في أصول الدين ما لم تبلغه الحجَّة ، و هذا فيما إذا كان مِثْلُه
يجهلها لبُعده عن ديار الإسلام ، أو عدَم من يُعلِّمه ، أو نحو ذلك ، و قد
قرر هذا عدد من الأئمة الأعلام ، كالإمام الشافعي رحمه الله ، فقد أخرج ابن
أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى ، قال : سمعت الشافعي يقول:
( لله أسماء و صفات لا يسع أحدا ردها ، و من خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد
كفر ، و أما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل و
لا الرؤية و الفكر )
و قال ابن عبد البر رحمه الله : ( من جهل بعض الصفات وآمن بسائرها لم يكن
بجهل البعض كافرا لأن الكافر من عاند لا من جهل ، و هذا قول المتقدمين من
العلماء و من سلك سبيلهم من المتأخرين ) [ التمهيد : 18/42 ] .
و إلى هذا ذهب ابن حزم الظاهري ، الذي أفاض في تقرير عُذر الجاهل ما لم
يبلُغه الحقُّ فيعاند ، و سنذكر بعض قوله في هذا لاحقاً إن شاء الله .
و هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال : ( فإنه بعد معرفة
ماجاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن يدعو أحداً من الأموات و
لاالصالحين و لاغيرهم لا بلفظ الاستغاثة و لا بغيرها و لا بلفظ الاستعاذة و
لا بغيرها ، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت و لا إلى ميت و نحو ذلك بل
نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور و أن ذلك من الشرك الذي حرمه الله و رسوله ،
لكن لغلبة الجهل و قلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن
تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه [ مختصراً من :
الاستغاثة الكبرى : 1/629 و ما بعدها ] .
و قد صرَّح في مقام آخر باشتراط قيام الحجة على الجاهل قبل الحكم بكفره ،
فقال رحمه الله : ( و الاستغاثة بالرسول ؛ بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو
اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم كما أنه يستغاث بغيره بمعنى أن يطلب منه ما
يليق به ، و من نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به و إما
مخطئ ضال و أما بالمعنى الذي نفاه الرسول عليه الصلاة و السلام فهي أيضاً مما
يجب نفيها ، و من أثبت لغير الله ما لا يكون إلا لله فهو كافر إذا قامت عليه
الحجة التي يكفر تاركها ) [ الاستغاثة الكبرى : 1 / 298 ] .
و لولا الإطالة لتتبعت و جمعت الكثير من أقوال السلف و الخلف في تقرير العذر
بالجهل في أصول الدين فضلاً عن فروعه ، و لكن بشرطه ، و حسبنا في هذا المقام
ما قدَّمنا ، و هو المذهب الصحيح الذي تشهد له الأدلة النقلية و العقلية ، و
منها :
أوَّلاً : ما رواه
الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ – أي
رزقه - اللَّهُ مَالاً فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ : أَيَّ أَبٍ كُنْتُ
لَكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرَ أَبٍ . قَالَ : فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا
قَطُّ ؛ فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي
يَوْمٍ عَاصِفٍ فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ مَا
حَمَلَكَ قَالَ مَخَافَتُكَ فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ ) .
و في رواية عند مسلم ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ : ( أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَىَ نَفْسِهِ
، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَىَ بَنِيهِ فَقَالَ : إِذَا أَنَا مُتُّ
فَأَحْرِقُونِي ، ثُمَّ اسْحَقُونِي ، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي
الْبَحْرِ ، فَواللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي ، لَيُعَذِّبُنِي
عَذَاباً مَا عَذَّبَهُ أَحَداً ، قَالَ : فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ ، فَقَالَ
لِلأَرْضِ : أَدِّ مَا أَخَذْتِ ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ . فَقَالَ لَهُ : مَا
حَمَلَكَ عَلَىَ مَا صَنَعْتَ ؟ فَقَالَ : خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ ! أَوْ قَالَ
: مَخَافَتُكَ ! فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ ) .
قال الحافظ في الفتح : ( قال الخطابي : قد يستشكل هذا فيقال : كيف يغفر له و
هو منكر للبعث و القدرة على إحياء الموتى ؟ و الجواب : أنه لم ينكر البعث و
إنما جهل فظن أنه إذا فعل به ذلك لا يعاد فلا يعذب ، و قد ظهر إيمانه
باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله . قال ابن قتيبة : قد يغلط في بعض
الصفات قوم من المسلمين فلا يكفرون بذلك ) .
قال أبو محمد بن حزم : ( فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز و جلّ يقدر
على جمع رماده و إحيائه ، و قد غفر الله له لإقراره ، و خوفه ، و جهله ) [
الفصل في الملل والأهواء والنحل : 3 / 141 ] .
قلت : و ذهب بعض شراح الحديث إلى تأويل قوله : ( لَئِنْ قَدَرَ
عَلَيَّ رَبِّي ) فأبعد النجعة ، و صرف النص عن ظاهره بلا قرينة صارفة .
قال ابن حجر : ... و قال ابن الجوزي : جحده صفة القدرة كفر اتفاقاً، وإنما
قيل : إن معنى قوله : ( لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي ) أي ضَيَّقَ ، و هي
قوله : ( و من قُدِر عليه رزقه ) أي ضيق ، و أما قوله – في رواية - : ( لعلي
أضل الله ) فمعناه لعلي أفوته ، يقال : ضل الشيء إذا فات و ذهب ، و هو كقوله
: ( لا يضل ربي و لا ينسى ) و لعل هذا الرجل قال ذلك من شدة جزعه و خوفه كما
غلط ذلك الآخر فقال أنت عبدي و أنا ربك ، و يكون قوله : ( لَئِنْ قَدَّرَ
عَلَيَّ رَبِّي ) بتشديد الدال ؛ أي قدر علي أن يعذبني ليعذبني ، أو على أنه
كان مثبتاً للصانع و كان في زمن الفترة فلم تبلغه شرائط الإيمان . و أظهر
الأقوال أنه قال ذلك في حال دهشته و غلبة الخوف عليه حتى ذهب بعقله لما يقول
، و لم يقله قاصدا لحقيقة معناه بل في حالة كان فيها كالغافل و الذاهل و
الناسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه ، و أبعد الأقوال قول من قال : إنه كان في
شرعهم جواز المغفرة للكافر .اهـ.
قلت : و هذه التأويلات لا وجه لصرف ظاهر النص إليها ، و لا قرينة تدل
عليها ، و إنَّما صار إليها من قال بها تحرُّجاً من القول بالعُذر بالجهل في
أصول الدين ، فلجأ إلى التأويل ، و أبعدَ في الطلب .
و قد شنَّع ابن حزم على من جاء بها – و إن لم يسمِّه - فقال رحمه الله : و قد
قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه أن معنى قوله ( لئن قدر الله علي ) : إنما
هو لَئِن ضيَّق الله علي ، كما قال تعالى : ( و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه
رزقه ) ؛ و هذا تأويل باطل لا يمكن ؛ لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيق الله
علي ليضيقن علي ، و أيضا فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق و يُذَرَّ رماده
معنى ، و لا شك في أنه إنما أمره بذلك ليُفلت من عذاب الله تعالى .اهـ . [
الفصل في الملل والأهواء والنحل : 3 / 141 ، 142 ] .
ثانياً : سؤال
الحواريين نبي الله عيسى عليه و على نبيِّنا الصلاة و السلام ، و قولهم الذي
حكاه الله عنهم في كتابه : ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ
السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ ) [ المائدة : 5 / 112 ] .
قال أبو محمد بن حزم رحمه الله : ( فهؤلاء الحواريون الذين أثنى الله عز وجل
عليهم قد قالوا بالجهل لعيسى عليه السلام هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة
من السماء ؟ و لم يبطل بذلك إيمانهم ، و هذا ما لا مخلص منه ، و إنما كانوا
يكفرون لو قالوا ذلك بعد قيام الحجة و تبيينهم لها ) [ الفصل في الملل
والأهواء والنحل : 3 / 142 ].
و ممَّن خالف مذهب الجمهور في مسألة العذر بالجهل ، من لم يجد ما يمكن أن
يؤوِّل به هذه الآية الكريمة ، فصار إلى إمرار الآية على ظاهرها ، و لكن على
ما قرأه الكسائي رحمه الله : ( هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ ) تَستطيعُ – بتاءٍ
مفتوحة – و ربَّكَ - بنصب الباء المشدَّدة - وهي قراءة علي و عائشة و ابن
عباس و مجاهد . [ انظر : تفسير القرطبي : 6/365 و الطبري : 7/129 و ابن كثير
: 2/117 و فتح القدير : 2/93 ] .
و في تفسير الآية على هذه القراءة قال القرطبي : ( قال الزجاج : هل تستدعي
طاعة ربك فيما تسأله ، و قيل : هل تستطيع أن تدعو ربك أو تسأله ، و المعنى
متقارب و لا بد من محذوف ) [ تفسير القرطبي : 6 / 365 ] .
و روى رحمه الله في تفسيره عن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنها :
( كان القوم أعلم بالله عز و جل من أن يقولوا : ( هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ
). قالت : و لكن : ( هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ ).
و على هذا المعنى لا يكون الحواريُّون قد قالوا ما قالوه شاكين في قدرة الله
، و لا يكون ممَّا يُكفِّر ، و بالتالي فلا حجّة في الآية على العذر بالجهل ،
فضلاً عن وقوعه .
و لكن لا تقوم حجة بهذا التفسير في مقابل حجة الجمهور على القراءة المشهورة ،
بل غاية ما يمكن أن يقال – تنزلاً – أن كلا القولين محتمل ، و لكن رأي
الجمهور يؤيده الدليل السابق ، و ما سيأتي ، فيبقى عليه المعوَّل ، و به
الفتيا ، و الله أعلم .
ثالثاً : الاستدلال
بالإجماع ، و قد ورد في كلام الإمام ابن حزم الظاهري حيث قال : ( برهانٌ
ضروريٌ لا خلاف فيه : و هو أن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم ، و هو
أن كل من بدل آية من القرآن عامداً ، و هو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك ،
و أسقط كلمةً عمداً كذلك ، أو زاد فيها كلمة عامداً ، فإنه كافر بإجماع
الأمَّة كلِّها ، ثم إن المرء يخطئ في التلاوة ، فيزيد كلمة و ينقص أخرى ، و
يبدل كلامه جاهلاً ، مقدراً أنه مصيب ، و يكابر في ذلك ، و يناظر قبل أن
يتبين له الحق ، و لا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافراً ، و لا فاسقاً و لا
آثماً ، فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره ،
فإن تمادى على خطئه فهو عند الأمة كلِّها كافر بذلك لا محالة ، و هذا هو
الحكم الجاري في جميع الديانة ) [ الفصل في الملل والأهواء والنحل : 3 / 142
].
قلتُ : و هذا الكلام على قوته فيه وجه آخر ، و هو قياس الأولى ؛ فإذا
كان المخطئ في التلاوة معذوراً بجهله و إن أحال المعنى عن المراد بزيادة أو
نقصان أو تصحيف ، مع أنَّه لا يتصور عجزه عن تعلُّم تلاوة آي الكتاب ، لكثرة
المعتنين بتعليمه ، و نشر علومه ، و تفسيره في كل زمان و مكان ، و ندرة
الخلاف في ذلك بين أبناء المذهب الواحد ، بل و بين الفرق الإسلامية ، على
تعددها ، و تشعب مسالكها ، فمن الأولى أن يكون معذوراً بجهله في دقائق العلم
، و خفايا المسائل – بالنسبة لمن هو في مثل حاله – كمسائل الأسماء و الصفات
التي قد لا يتسنى له من يعلمه إياها ، أو يرشده إلى مذهب أهل الحق و التحقيق
فيها ، خاصة و أنَّ الخلاف فيها قائم على أشدِّه بين الفرق و الطوائف .
و يحسن بنا و نحن نؤكد على مذهب الجمهور في العذر بالجهل في أصول الدين أن
نؤكِّد على أنَّ العذر لا يقبل ممن يعيش بين ظهراني المسلمين و فيهم العلماء
و الدعاء ، و لكن الجاهل المعذور بجهله هو حديث العهد بدين الإسلام ، أو من
يعيش في منأى عن بلاد المسلمين ، أو حيث لا علم و لا علماء و لم يتسنَّ له من
يعلمه ، أو يوقفه على ما يجب عليه اعتقاده من مسائل الأصول .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : ( لو عُذِرَ الجاهل ؛ لأجل جهله لكان الجهل
خيراً من العلم إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف و يريح قلبه من ضروب
التعنيف ؛ فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ و التمكين ؛ لئلا يكون
للناس على الله حجة بعد الرُسل ) [ المنثور في القواعد ، للزركشي : 2 / 17 ]
.
فلا يغيبن عنك يا يطلب الحق بدليله أن الأمر ليس على إطلاقه ، و لكنَّه
مقيَّد مضبوط عن أهل العلم ، فخذه بقيده ، و اضبطه بضبطه ، و الله يتولاك .
هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ، و بالله التوفيق .