الحمد لله و كفى ، و الصلاة و السلام على عباده الذين اصطفى ، و بعد
فإنّ الأيّام القادمة حُبلى بموسمٍ من مواسم الشرّ ينبغي لنا أن نحذَره و
نحذّر منه ، ذلكم هو ما يُعرَف عند أهله بيوم الهَلَوِين ، اليوم الأخير من
شهر أكتوبر ( تشرين الأوّل ) كلّ عام .
يومٌ ورثت أوروبا النصرانيّة الاحتفال به عن الوثنيّة الإيرلندية التي كانت
تعظّمه قبل الميلاد بزمنٍ طويل ، باعتباره أحد الطقوس الوثنيّة الموغلة في
القِدَم ، و تحكي أساطيرُهم قصصاً عن منشأ الاحتفال بهذا اليوم ، أشهرها تلك
التي تعتبر اليوم الأول من شهر نوفمبر ( تشرين الثاني ) يوم تتلاقى فيه شهور
الحياة و شهور الموت كلّ عام ، فتخرج الأرواح ، و تنتشر الأشباح ، و تروج
شعوذات السحرة ، و طلاسم المشعوذين الفجرة .
و يٌغلِق الناس على أنفسهم الأبواب خوفاً من الأرواح الشرّيرة ليلاً ، و
يخرجون في اليوم التالي ذرافاتٍ و وِحداناً في مسيرات تنكّرية هستيريّة ،
يلبسون فيها الأقنعة ، و يقرعون الأجراص و الطبول ، و يعزفون الأنغام
الصاخبةَ الطاردة للأرواح الشريرة في زعمهم .
أمّا في البيوت ؛ فيعدّون أصنافاً محدّدةً من الأطعمة و الحلوى ، أشهرها ، و
يضعون أمام باب كل بيتٍ من بيوتهم قرعةً رطبةً ، أخرجوا لبّها ، و بَقروا
قشرها ليصنعوا منها هيكلاً يشبه وجه الإنسان ، فإذا طَرَق بابهُم طارقٌ من
الصبيان خَرجوا إليه ببعض ما صنعوه من الحلوى بهذه المناسبة ، إرضاءً له ، و
خشية أن يكون روحاً شريرة قادمة من عالم الموتى متنكراً في صورة طفل صغيرٍ ،
يلحق بهم الأذى ما لَم يُرضوه .
و في هذه المناسبة الوثنيّة تعطّل دوائر الدولة و المؤسسات العامّة يوماً ، و
المدارس و المعاهد أسبوعاً ، لإتاحة الفرصة أمام من يحتفون و يحتفلون بهذه
المناسبة .
و لا ريب في أنّ مشاركة المسلم في هذه الاحتفالات من كبرى المحرّمات ، لما
فيها من اللغو و الزور ، و دأب المؤمنين أنّهم ( لا يشهدون الزور و إذا مروا
باللغو مرّوا كِراماً ) ، و قد روي عن كثيرٍ من السلف قولهم في تفسير قوله
تعالى : ( لا يشهدون الزور ) أنّها أعياد المشركين .
و روى أبو داود و النسائي و غيرهما بإسناد على شرط مسلم عن أنس بن مالك رضي
الله عنه ، قال : قدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة و لهم يومان
يلعبون فيهما ، فقال : ( ما هذان اليومان ؟؟ ) قالوا : كنّا نلعب فيهما في
الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الله قد أبدلكم بهما
خيراً منهما يوم الأضحى ، و يوم الفطر )
فانظروا رحمكم الله كيف نهى أصحابه عن اللعب في يوم لعبهم في الجاهليّة
تأكيداً على تميّز المجتمع المسلم و عدم مشاركة المشركين ، فضلاً عن تقليدهم
و متابعتهم في أعيادهم و مناسباتهم .
و إذا كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه منع أهل من إظهار أعيادهم في بلاد
المسلمين ، و وافقه على ذلك الصحابة فكان إجماعاً سكوتيّاً منهم على ذلك ،
فإنّ قياس الأولى يتّجه إلى تحريم مشاركة المسلم لأهل الذمّة في أعيادهم في
ديار الإسلام ، و أشنع منهم و أغلظ في التحريم مشاركتهم في ذلك في دار الكفر
أو الحرب .
هذا ، و الله الموفق ، و عليه الاتكال ، و به المستعان
و صلى الله و سلم على نبينا محمد ، و آله و صحبه أجمعين .