السؤال :
ما مدى مشروعيّة قول
المسلم ( أبشروا بالنار يا كُفّار ) عند مروره بقبر كافر ، أو مقبرة للكافرين
؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله
تعالى :
لا يشك مسلمٌ في أنّ النّارَ مصيرُ الكافرين على تعدد مللهم ، و اختلاف
عقائدهم ، و أنّ من مات على غير الإسلام خُلِّد فيها ، و الأدلّة على ذلك من
الكتاب و السنّة و الإجماع كثيرةٌ مشهورة ، و هذا الحُكم معلوم من الدين
بالضرورة ، فلا داعي للاسترسال في تقريره .
و ربّما قصد السائل ما روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِى كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ وَكَانَ وَكَانَ
فَأَيْنَ هُوَ قَالَ : « فِى النَّارِ » . قَالَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَ مِنْ
ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَبُوكَ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كَافِرٍ
فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ » . قَالَ فَأَسْلَمَ الأَعْرَابِىُّ بَعْدُ
وَقَالَ : لَقَدْ كَلَّفَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَباً ،
مَا مَرَرْتُ بِقَبْرِ كَافِرٍ إِلاَّ بَشَّرْتُهُ بِالنَّارِ .
و هذا الحديث صحيح في إسناده ، صريح في دلالته على القطع بدخول الكافر النار
، و لكن لا يصلح دليلاً على وجوب التلفّظ بعبارة ِ ( أبشروا بالنار يا كفّار
) على وجه التحديد كلّما مرّ بقبورهم ، و ذلك لما يلي :
إن التبشير لا يستوجب التلفّظ بالبشارة ، فليس المقصود منها القول للكافر
الميّت أنّه من أهل النار ، بمقدار ما يستفاد من الحديث الاعتقاد و الحكم على
الكافر بسوء مآله و العياذ بالله .
إنّ قوله ( حيثُما ) من ظروف المكان لا الزمان ، و عليه فالمعنى المتبادر من
هذا الحديث هو تبشير الكفار بالنار أينما مرّ بهم المسلم ، و ليس كلّما مرّ
بهم ، و هذا فَرقٌ لطيف فليتنبّه إليه .
لم يفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، من الحديث وجوب التلفّظ بالصيغة
المذكورة في السؤال عند المرور بقبور الكافرين ، و لو كان ذلك سنّة لفعله
النبيّ صلّى الله عليه و سلم أو الصحابة و التابعون في خير القُرون .
هذا ما ظهر لي في هذه المسألة ، و ما توفيقي إلا بالله عليه توكّلت و إليه
أنيب .