السؤال :
هل للصغيرة الغير بالغة إذا زُوِّجَت من قبل أبيها أو جدها حق الخيار بعد
بلوغها ؟
إذا كان الجواب بالنفي ، فلماذا لا يكون لها الخيار إذا كانت لا ترضى بزوجها
و لا تحبه ؟
و هل هناك من الأئمة و السلف من يعطي حق الخيار بعد البلوغ للصغيرة المزوجة
من قبل أبيها أو جدها قبل بلوغها ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
إن الحكم عن المسؤول عنه يختلف بحسب الحالة التي تمَّ عليها عقد على الصغيرة
، و فيما يلي أشير إلى ثلاث حالاتٍ ذَكَرَها أهل العلم ، و ما ذهبوا إليه في
حكم كلٍّ منها على وجه الإيجاز :
• الحالة الأولى :
إذا تمَّ تزويج الصغيرة من قِبَل أبيها أو جدِّها ( و إن علا ) فإن النكاح
صحيح لازم قبل البلوغ و بعده ، و ليسَ لها حق الخيار ، إلا إن كان التزويج من
غير كُفءٍ ، أو وَقَع فيه غبنٌ فاحشٌ في الصَّداق ، لا أعلَم في ذلك خلافاً
بين العلماء .
قلتُ مذكِّراً :
ذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنَّ الصغيرة لا يزوِّجُها إلا الأب ، و عند
الشافعي يزوجها الأب أو الجد حصراً ، فإن لم يكُن لها أبٌ و لا جدٌّ فليس
لغيرهما من الأولياء تزويجها حتى تبلُغ و تُستأمَر ، لما صح في سنن أبي داود
و غيره من حديث ابن عباس و أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : ( تُستأمر اليتيمة في نفسها ؛ فإن سكتت فهو إذنها ، و إن
أبت فلا جواز عليها ) ، و الاستئمار لا يكون إلا بعد البلوغ .
• الحالة الثانية :
إذا كان ولي الصغيرة في النكاح غير الأب و من في حكمه من الأجداد فإن التزويج
لا يصح إذا كان من غير كفءٍ ، أو وقعَ فيه غَبنٌ فاحشٌ في المهر .
• الحالة الثالثة :
إذا كان ولي الصغيرة في النكاح غير الأب و من في حكمه من الأجداد ، و كان
الزوج كفؤاً للمعقود عليها ، و أصدَقَها صداق المثل أو خيراً منه ، من غير
ظُلمٍ و لا غَبْنٍ ، فللعلماء في هذه الحالة مذهبان :
أوَّلُهُما :
أنْ لا خيار للزوجة بعد البلوغ ، لأن تزويجها على هذه الصفة و هي بالغٌ صحيح
لما فيه من الإنصاف و البرِّ بها ، فلزم أن يكون كذلك قبل البلوغ أيضاً – هذا
قولهم – و هو مذهب جمهور العلماء ، و القاضي أبي يوسف من الحَنَفِيَّة ، و
اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله جميعاً .
و ثانيهما :
أنَّ لها الخيار بمجرَّد البلوغ ، فإن شاءت أمضت العقد ، و إن شاءت فسخته ، و
بهذا قال الإمام أبو حنيفة ، و تلميذه محمد بن الحسن رحمة الله عليهما ،
قياساً على الأَمَةِ فإنها تخير إذا أعتقت و هي مزوجة و الجامع بين الحالتين
حدوث ملك التصرف .
و هذا مذهب ابن عمر و أبي هريرة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، و ذكره
ابن تيميَّةَ قولاً عن الإمام أحمد .
و عليه تجب مبادرة المرأة إلى حق الخيار بمجرد البلوغ ، لأنَّ هذا الحق لا
يستصحب مدى الحياة ، بل يسقط برضاها بالزوج تصريحاً ، أو بالسكوت الدالِّ على
الرضا ، و لذلك حسُنَ التنبيه .
و الراجح
من القولين هو ما ذهب إليه الجمهور لعدم وجود دليل يصلح الاعتماد عليه في
القول بتخيير الزوجة بعد البلوغ في إجازة العقد أو فسخه ، و لضعف القياس الذي
استدل به من حكم بتخييرها من السادة الحنفيَّة ، فضلاً عن المفاسد المترتبة
على ذلك ، من إسقاط حق الأولياء ، توهين أواصر النكاح ، و تعريضه للفسخ بغير
مقتضٍ ، و الله أعلم و أحكم .
هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ، و بالله التوفيق .