السؤال :
إنّ مالك أحد المحال التجاريّة قاضى المستأجر لإجباره على إخلاء المحل ، و
حكم القاضي له بذلك ، و أصدر صكاً ( قراراً من المحكمة ) يلزم المستأجر
بالإخلاء ، و لكن المالك عَدَل عن رأيه بعد صدور القرار ، و أعاد تأجير
المحلّ للمستأجر السابق نفسه ، و اتفق معه على عدم إلزامه بتنفيذ قرار
المحكمة بالإخلاء ، أو المطالبة بتنفيذه لاحقاً ، و لكنّه ( المالك ) نكث بعد
ذلك و طالب المستأجر بإخلاء المحلّ مُجَدّداً ، فما حُكم الشرع في هذه
الواقعة ؟
الجواب :
أقول مستعيناًً بالله تعالى :
إنّ الله تعالى أمرنا بالوفاء بالعقود ؛ فقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) [ المائدة : 1 ]
قال ابن كثير في تفسيره : يَعْنِي الْعُهُودَ و هي مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَ
مَا حَرَّمَ وَ مَا فَرَضَ وَ مَا حَدَّ فِي الْقُرْآن كُلّه وَ لا
تَغْدِرُوا وَ لا تَنْكُثُوا ... وَ قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) ؛ هِيَ سِتَّة : عَهْد اللَّه وَ عَقْد الْحَلِف وَ عَقْد
الشَّرِكَة وَ عَقْد الْبَيْع وَ عَقْد النِّكَاح وَ عَقْد الْيَمِين .اهـ.
و لا يشترط أن يكون العقد مكتوباً ليجب الوفاء به ، بل هو واجب على كلّ حال ،
و لذلك سوى العلماء في الحكم بين العقد و العهد ، فروى البخاري قول عبد الله
بن عباس رضي الله عنهما : ( العقود العهود , ما أحل وحرم ) ، و قال الحافظ
ابن حَجَر في الفتح : يعني بالعهود , ما أحل الله و ما حرم و ما فرض و ما حد
في القرآن , و لا تغدروا و لا تنكثوا ، و أخرج الطبري عن غيره ـ غير ابن
عبّاس ـ أن العقود المذكورة في الآية هي التي يتعاقدها الناس . انتهى ما جاء
في الفتح مختصراً .
و روى البخاري و أبو داوود و الترمذي – و اللفظ له - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ « الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ
صُلْحاً حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى
شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطاً حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ أَحَلَّ حَرَاماً » .
قلت ُ : ما دام المؤجّر و المستأجر قد اتفقا على تجديد العقد ، و عدم إخلاء
المحلّ أو المطالبة به ، فالواجب عليهما الالتزام بما اتفقا عليه ، و إن كان
ثمّةَ شهود أو حجّة موثّقة - كتابيّاً – فبوسع المستأجر الرجوع إلى القضاء
الشرعي في بلاده لإنصافه .
هذا و بالله التوفيق ، و منه نلتمس العون و السداد .
و صلّى الله و سلّم على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .