السؤال :
هل تجب الطهارة من الحَدَث الأكبر لقراءة القرآن الكريم غيباً عن ظهر قلب ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
لا تجب الطهارة لقراءة القرآن الكريم عن ظهر قلب ، لعموم الأدلّة باستثناء
الجنابة ، فإنّ رَفعها واجب قبل القراءة .
روى أحمد و الحُمَيدي كلٌّ في مسنده و أبو داود و النسائي كلٌّ في سننه عن
عبد الله بن سلِمة ( بكسر اللام ) قال : أتيت علياً أنا و رجلان ،
فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرأ القرآن
و يأكل معنا اللحم و لم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة . قال
الخطابي : معناه غير الجنابة .
و روى هذا الحديث أبو ماجة و الترمذي مختصراً بنحوه . و اختُلفَ في إسناده
فضعَّفَه بعض أهل العلم ، و صححه الترمذي و ابن حبّان ، و قال ابن حجر في (
الفتح ) : ( الحق أنه من قبيل الحَسَن يصلح للحجة ) ، و هذا هو الظاهر ، و
الله أعلم .
جاء في ( عون المعبود ) : و الحديث يدل على جواز القراءة للمحدث بالحدث
الأصغر و هو مجمع عليه لم نر فيه خلافا ، و على عدم الجواز للجنب ... قال
الخطابي : في الحديث من الفقه أن الجنب لا يقرأ القرآن و كذلك الحائض لا تقرأ
لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة . و قال مالك في الجنب إنه لا يقرأ الآية و
نحوها , و قد حكي أنه قال تقرأ الحائض و لا يقرأ الجنب لأن الحائض إن لم تقرأ
نسيت القرآن لأن أيام الحيض تتطاول و مدة الجنابة لا تطول ، و روي عن ابن
المسيب و عكرمة أنهما كانا لا يريان بأسا بقراءة الجنب القرآن و أكثر العلماء
على تحريمه. اهـ .
قلتُ : و ذهاب بعض العلماء إلى قياس الحيض و النفاس على الجنابة في الحكم ، و
حظْرِهم على المتلبّسة بهما قراءة القرآن الكريم ، غير مسلّم ، بل الظاهر أنّ
حكمهما مختلف لوجود الفارق بين الحالتين ، إذ يُفرَّقُ بين الجنابة و بين
الحدث الأكبر الحاصل بالحيض و النفاس ، بكون رفع الجنابة مقدوراً عليه في كلّ
وقت ، بخلاف ما يعرِض للمرأة من شئون النساء التي لا ترتفع إلا لأجل الله
أعلم به .
و لِمَا ثبت في الصحيحين ، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعائشة لما
حاضت في الحج : ( افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) و
معلوم أنّ الحاج يقرأ القرآن ، و لم يستثنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل
ذلك على جواز القراءة لها ، و قال مثل ذلك لأسماء بنت عميس لمّا ولدت محمد بن
أبي بكر في الميقات في حجة الوداع ، فدل هذا على أن الحائض والنفساء لهما
قراءة القرآن ، لكن من غير مسٍ للمصحف .