السؤال :
ما حكم الاختلاط بين الجنسين في التعليم و وسائل النقل و غيرها ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
الاختلاط على صورته المعهودة في عصرنا الحاضر مفسدةٌ بالغة الخطورة على الدين
و الخُلُق ، و الكلام عن الاختلاط بشكلٍ عام يحتاج إلى تفصيل :
•
فإذا أريد بالاختلاط اجتماع الرجال و النساء في مكان ما ، من غير تعمّد
كالحال في الأسواق و الطرقات ، إذ يسعى الجميع في حاجته ذهاباً و جيئةً ، و
يبيعون و يشترون ، فلا بأس في هذا ما لم يتلبّس من وَقع فيه بمحرّم خارجٍ عنه
، و ليست هذه الصورة للاختلاط من الصور المحرّمة في شيء ، بل هو مما تعمّ به
البلوى ، و يضطر إليه الناس لمعاشهم في كلّ زمانٍ و مكان .
•
و من الصوَر التي لا حَرجَ فيها اجتماع الرجال و النساء في المسجد الواحد
لأداء فريضة أو عبادة ، كما هو الحال منذ صدْرِ الإسلام و حتى يومنا هذا ، في
المساجد الثلاثة التي تُشدّ إليها الرحال و غيرِها ، و قد كانت النساء يشهدن
الصلاة مع النبيّ صلى الله عليه و سلّم في المسجد ، و لم يَنه عن ذلك ، كما
لم يأمر بضرب حاجزٍ بين صفوف الرجال و صفوف النساء فقد روى الشيخان و أبو
داود و مالك و أحمد ، و اللفظ للبخاري عَنِ عبد الله بن عُمَرَ قَالَ :
كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَ الْعِشَاءِ فِى
الْجَمَاعَةِ فِى الْمَسْجِدِ ، فَقِيلَ لَهَا لِمَ تَخْرُجِينَ وَ قَدْ
تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَ يَغَارُ ؟ قَالَتْ : وَ مَا
يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِى ؟ قَالَ ابن عمر : يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ
اللَّهِ » .
غير أنّهن كنّ يُصلّين في صفوفٍ خاصةٍ خلف صفوف الرجال امتثالاً لهديه صلى
الله عليه و سلّم ، في قوله : « خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا
وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا
أَوَّلُهَا » رواه مسلم و أصحاب السنن و أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه .
•
أمّا انفراد الرجل بالمرأة ، بدون محرم ؛ فهو الخلوة المحرّمة ، التي حذّر
النبيّ صلّى الله عليه و سلّم منها فيما رواه أحمد و الترمذي بإسناد قال عنه
: ( حسنٌ صحيح ) عَن عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّ رَسُولِ اللَّهِ صلى
الله عليه وسلم قَالَ : « أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ
كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ » .
•
و من الصور المحرّمة أيضاً اجتماع رجل بامرأة ، و لو كان ذلك في مكانٍ عامٍ
إذا ترتّبت عليه ريبةٌٌ أو سوء ظنّ فيه ، ما لم يُزِل اللبس الذي قد يقَع في
نفس من رآه ظنّاً أو يقينا ، لما رواه الشيخان و أبو داود و ابن ماجة و أحمد
عَنْ صَفِيَّةَ ابْنَةِ حُيَىٍّ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم مُعْتَكِفاً ، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ
ثُمَّ قُمْتُ ، فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِى لِيَقْلِبَنِى - أي ليعيدها
إلى البيت - فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا
النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله
عليه وسلم : « عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ » .
فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : « إِنَّ
الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ، وَ إِنِّى خَشِيتُ
أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا سُوءاً » ، أَوْ قَالَ : « شَيْئاً » .
•
و يحرم كذلك ما شاع من الاختلاط في هذا الزمان عند الأضرحة و ما يُزعمُ أنّها
مقامات أولياء ، و في الاحتفالات و المواسم المبتدَعة كالموالد ، حيث يختلط
الرجال بالنساء في هيئات بالغةِ الفساد ، و ظاهرةِ الانحراف ، و هذا أولى
بالذمّ ، بل هو مما تبتلى به الأمّة في آخر الزمان لقوله صلّى الله عليه و
سلّم : ( لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس حول ذي الخلصة طاغية دوس
التي كانوا يعبدونها في الجاهلية ) رواه ابن أبي عاصم في ( السنّة ) و
الطبراني في ( الصغير ) بإسنادٍ حَسَن ، و ذو الخلصة صنَمٌ بتبالة .
و معظم ما يقع في الجامعات و المدارس ، فضلاً عمّا في النوادي و المحافل
العامّة وحتّى وسائل النقل لغير المضطرّ هو من صور الاختلاط المحرّم ، المفضي
إلى الرذائل و الفواحش ، لذلك نذهب إلى القول بتحريمه ، و نحذّر منه أسوةً
بما جرى عليه معظم العلماء العاملين ، الذين عرَفوا حقيقته ، و سبروا غُواره
، و وقفوا على مفاسده ، و سدّاً للذرائع ، و قطعاً لدابر الرذيلة و الفاحشة ،
و ما يُفضي إليهما .
و الله الموفق ، و هو الهادي إلى سواء السبيل .