السؤال :
ما الحكم الشرعي في تنظيف البشرة من الشعر الزائد ، كزوائد الحاجبين ، و
خاصّةً إذا كان ذلك بأمرٍ من الزوج الذي يرى فيهما قُبحاً تجب إزالته ؟
الجواب :
إزالة شعر بَدَن المرأة جائزٌ في الأصل ، و لم يرِد النهي عن شيئٍ منه سوى
نمص ( نتف ) شعر الحاجبيَن .
و تحريم النمص مستفاد من نهي القرآن الكريم عن تغيير خلق الله ، كما في قوله
تعالى حكاية عن إبليس : ( و لأمرنهم فليغيرن خلق الله ) .
قال ابن العربي في تفسير هذه الآية ، بعد ذِكر ما يؤيّدها من السنّة :
( النامصة : هي ناتفة الشعر تتحسن به ) ، و قال أيضاً : ( و هذا كله تبديل
للخلقة و تغيير للهيئة و هو حرام . و بنحو هذا ، قال الحسن في الآية ) .
أمّا أدلّة تحريم النَّمص في السنّة فمنها ما رواه مسلم في صحيحه و الترمذي
و أبو داود و أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : (
لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَ الْمُسْتَوْشِمَاتِ وَ
النَّامِصَاتِ وَ الْمُتَنَمِّصَاتِ وَ الْمُتَفَلِّجَاتِ
لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ ) ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً
مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ وَ كَانَتْ
تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ
أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَ الْمُسْتَوْشِمَاتِ وَ
الْمُتَنَمِّصَاتِ وَ الْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ
خَلْقَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : ( عَبْدُ اللَّهِ وَمَا لِي لا أَلْعَنُ مَنْ
لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
قال ابن الأثير : ( النمص : ترقيق الحواجب و تدقيقها طلباً لتحسينها . و
النامصة : التي تصنع ذلك بالمرأة ، و المتنمصة : التي تأمر من يفعل ذلك بها .
والمِنماص : المنقاش ) .
و قال النووي في شرح صحيح مسلم : ( و أما النامصة فهي التي تزيل الشعر من
الوجه , و المتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها , و هذا الفعل حرام إلا إذا نبتت
للمرأة لحية أو شوارب , فلا تحرم إزالتها , بل يستحب عندنا ... و إن النهي
إنما هو في الحواجب و ما في أطراف الوجه , ويقال للمنقاش مِنماص بكسر الميم )
.
ثمّ ذكر روى عن ابن جرير الطبري قوله في تحريم النمص لما ينبت من شعر على
الوجه مطلقاً .
قلتُ :
و العلّتان المذكورتان في الحديث هما : طَلبُ الحُسن ، و تغيير خلق الله ، و
يجبُ استصحابهما في الحُكم الشرعي على النامصة و المتنمّصة ، إذ لا ريب في أن
الله تعالى خَلَق الإنسان فسوّاه فعَدَله ، فمن عَمَد إلى تغيير خلقِ الله
ظنّاً منه أنّ في ذلك تحسينٌ للخِلقة فقد أساء ، و وَقعَ في المحظور .
جاء في تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي : ( مبتغيات للحسن ) أي طالبات له
حالٌ عن المذكورات ( مغيرات خلقَ الله ) هي أيضا حالٌ و هي كالتعليل
لوجوب اللعن ) .
أمّا إذا كان ذلك للتداوي ( كما في إزالة السنّ و التالول و الاصبَع الزائد )
فلا بأس به عند الجمهور ، و إن لم يكن في بقائه ألمٌ أو أذىً ظاهر ، خلافاً
لما ذهب إليه ابن جرير و من وافقه من اشتراط وقوع الضرر و التأذّي به .
و لا أرى بأساً في إزالة ما بين الحاجبين من شَعر ، لأنّهما ليسا من الحاجبين
في العرف ، فلا يأخذان حكمهما في الشرع ، و الله أعلم .
و لا عبرة لرضا الزوج في تحريم النمص ، و لا تجب مجارات رغباته باقتراف ما
حرّم الله ، إذ لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق ، و لكنّ الطاعة في المعروف
.
روى الشيخان و أبو داود و النسائي و أحمد عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أنَّ
النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي
الْمَعْرُوفِ » .
و بالله التوفيق ، و عليه الاتكال .