س1:
ما حكم الصلاة خلف إمام لا يعرف أحكام التلاوة مطلقاً مع أننا نعلم أنّ اللحن
الجلي حرام بالإجماع ؟
الجواب :
إذا كان الإمام المقصود في السؤال لا يطبّق أحكام التجويد كالغنن و المدود ،
أو يخطئ في تطبيقها ، فهذا لا يُبطل الصلاة ، لأنّ الصحيح أن أحكام التجويد
اصطلاحيّة و ليس الالتزام بها شرطاً لصحّة القراءة .
أمّا إن كان المقصود بعدَم معرفته أحكامَ التلاوة وُقوعه في اللحن أثناء
تلاوة القرآن الكريم ففيه تفصيل ، بيّنَه شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله
في ردّه على سؤال مماثل لما وَردَ أعلاه فقال :
( أما كونه لا يصحح الفاتحة فهذا بعيد جداً ، فإن عامة الخلق من العامة و
الخاصة يقرأون الفاتحة قراءة تجزيء بها الصلاة ، فإن اللحن الخفي و اللحن
الذي لا يحيل المعنى لا يبطل الصلاة ، و في الفاتحة قراءات كثيرة قد قرئ بها
فلو قرأ ( عليهِم ) و ( عليهُم ) و ( عليهُمُ ) ، أو قرأ ( الصراط ) أو (
السراط ) أو ( الزراط ) ، فهذه قراءات مشهورة ، و لو قرأ ( الحمد لِلّه ) ،
أو ( الحمد لُلّّّّه ) ، أو قرأ ( ربُّ العالمين ) ، أو ( ربَّ العالمين ) أو
قرأ بالكسر ، أو نحو ذلك لكانت قراءاتٍ قد قُرِئ بها ، و تَصِحُّ الصلاةُ
خلفَ من قرأ بها ، و لو قرأ ( ربُ العالمين ) بالضم ، أو قرأ ( مالكَ يوم
الدين ) بالفتح لكان هذا لحناً لا يُحيل المعنى ، و لا يُبطِل الصلاة ، و إن
كان إماماً راتباً ، و في البَلَد من هو أقرأ منه صلَّّى خلفه ) [ الفتاوى
الكبرى : 2 / 214 ] .
قلتُ : أمّا إذا كان اللحن جليّاً يُحيل المعنى عن حقيقته كقوله ( أنعمتُ )
بالضمّ بَدَل الفتح في قوله تعالى : ( صراط الذين أنعمتَ عليهم ) فهذا ممّا
يُبطِل الصلاة .
و بالجُملة ؛ إن كان اللحنُ في القراءة يغيّر المعنى فالصلاة باطلة ، و إن لم
يكن كذلك فالصلاة صحيحة في حقّ المنفرد و الإمام و المأموم على حدٍ سواء ، و
بالله التوفيق .
س2:
ما الحكم في الصلاة وراء إمام أشك في صلاته ( السرية ) هل يطبقها بأركانها و
شروطها جميعاً أم لا ، و هل أقوم بإعادة الصلاة أم لا ؟
الجواب :
اليقين لا يزول بالشك ، فإذا كان ما حاك في صدرك نحو الإمام مجرّد ظنون لا
بيّنة عليها ، فلا تتّبع الظن ، لأنّه أكذبُ الحديث ، و صلّ خلف الإمام
باستصحاب الأصل و هو السلامة .
أمّا إن ثبَت أن الإمام مُخِلٌّ بصلاته ، بزيادةٍ أو نقصانٍ يبطلانها ، أو
غير ذلك ممّا يجعل صلاته باطلة ، فصلاة غيره بصلاته مع علمه ببطلانها باطلةٌ
أيضاً ، و تجب إعادتها ، و الله أعلم .
س3:
هل يجوز الصلاة في السيارة و أنا مسافر إذا جاء وقت الصلاة ، و إذا كان يجوز
فكيف يمكنني ذلك ؟
الجواب :
الصلاة في السيّارة أو غيرها من وسائل النقل المعاصرة صحيحةٌ و جائزةٌ
للمسافر ، قياساً على مشروعيّة الصلاة على الراحلة ، و لكن يجب على من صلّى
راكباً أن يستقبلَ القِبلةَ في صلاة الفريضة ، لأنّ استقبال القبلة من شروط
الصلاة ، و هو مقدورٌ عليه أثناء الركوب ؛ سواء كان ذلك بإدارة السيّارة أو
الاستدارة على المقعد أو الصلاة في الفُسَح المتاحة في القطارات ، و نحوها ،
و هذا ما ذهب إليه الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم ، حيث رخّص في عدم
استقبال القبلة لقائد السفينة و لم يُرخّص في ذلك لسائر الركّاب .
فإن عَجزَ عن استقبال القبلةِ صلّى راكباً إلى أيّ جهةٍ اضطراراً ، هذا
بالنسبة للصلاة المكتوبة ، أمّا النافلة فلا يٌشتَرط فيها استقبال القبلة
للصلاة على الراحلة على مذهب الجمهور ، و هو الراجح .
روى الشيخان و أبوداود و النسائي و أحمد عن عبد الله بنُ عُمَرَ رضي الله
عنهما ، قَالَ : ( َكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ – أي
يُصلّي - عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَىِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ ، و َيُوتِرُ
عَلَيْهَا ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّى عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ ) .
و روى البخاري و غيره من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنّ رسول الله
صلى الله عليه و سلّم كان يصلي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد
الفريضة نزل فاستقبل القبلة .
و في سنن الترمذي بإسنادٍ قال عنه : ( حسن صحيح ) عن جابرقال : بعثني
النبي صلى الله عليه و سلم في حاجة، فجئت و هو يصلي على راحلته
نحو المشرق، و السجودُ أخفَض من الركوع .
قال الإمام الترمذي رحمه الله بعد أن روى هذا الحديث : و العمل على هذا
عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافاً ، لا يرون بأسا أن يصلي الرجل
على راحلته تطوعاً ، حيث ما كان و جهه إلى القبلة أو غيرها .اهـ .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( اشترط للفرض ما لم يشترط للنفل من
القيام و الاستقبال مع القدرة ، و جاز التطوع على الراحلة في السفر كما مضت
به سنة النبي ... و هذا مما اتفق العلماء على جوازه ، و هو صلاةٌ بلا قيامٍ ،
و لا استقبالٍ للقبلة ، فإنه لا يمكن المتطوعَ على الراحلة أن يُصلِّي إلا
كذلك ، فلو نُهيَ عن التطوع أفضى إلى تفويت عبادة الله ، التي لا يقدر عليها
إلا كذلك ، بخلاف الفرض ، فإنه شيء مُقَدَّرٌ يُمكنه أن ينزل له ، و لا يقطعه
ذلك عن سفره ، و مَن لم يُمكِنه النزولُ لقتالٍ أو مرضٍ أو وَحْلٍ صلى على
الدابة أيضاً ) [ مجموع الفتاوى : 21 / 285 ] .
و قال ابن القيّم : ( استقبال القبلة شرطٌ إلا في النافلة على الراحلة
للمسافر ، فانه يُصلي حيث كان وجهه ، و العاجز عن الاستقبال لخوفٍ أو غيرِه ،
فإنه يصلي كيف ما أمكَنَه ، و من عداهُما لا تصح صلاته إلا مستقبِلَ الكعبة )
[ شرح العمدة : 4 / 521 ] .
فصلَّ – أخي المسلم – حيث أدركتك الصلاة راكباً ، بحسب طاقتك ، و استقبل
القبلة في الفريضة دون النافلة إن استطعت ، فإن الدين يسرٌ / و ما جعل الله
علينا في الدين من حرَج ، و الحمد لله .
س4:
ما الحكم في إمام صلي بالناس صلاة رباعيةً و نسي و نهض ليقوم بالركعة الخامسة
فماذا يفعل المصلون ؟ و ما الذي يجب أن يفعله الإمام لكي لا تبطل الصلاة ؟
الجواب :
إذا قام الإمام لأداء ركعة زائدة في المكتوبة كالثالثة في الفجر ، و الرابعة
في المغرب ، و الخامسة في الرباعيّة ، وجب على المأمومين تنبيهه ، و يكون
التنبيه بالصفة الشرعيّة لا غير ، و هي التكبير للرجال ، و التصفيق للنساء ؛
لما رواه البخاري و أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ
صلى الله عليه و سلم قَالَ : « التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَ التَّصْفِيقُ
لِلنِّسَاءِ » .
و في الصحيحين و سنن أبي داود و النسائي و الموطّأ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : « مَنْ
نَابَهُ شيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ
الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَ إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ » .
فإذا نُبِّه الإمام إذا قام إلى ركعةٍ زائدةٍ ، وجب عليه أن يقعد فيتشهّد و
يُسلّم ثمّ يسجُد للسهو ، لحديث عبد الله ابن مسعود الأتي ، أمّا إن كانَ قد
أتى بالتشهّد الأخير قبل قيامه إلى الركعة الزائدة فيقعد و يسلّم مباشرةً ، و
لا يُعيد التشهّد ، فإن لم يَقعُد بَطَلت صلاته ، و صلاة من تابَعه في زيادة
الركعة ، و هو على يقينٍ أنّها زائدةٌ .
بل الواجب على المأموم في هذه الحال أنْ يظلّ جالساً ، و ينشغل بالذكر و
الدعاء ( و هو فضيل دُبُرَ الصلوات ) حتى يفرغ الإمام من أداء الركعة
الزائدةِ ، فيقعد و يُسلّم فيسلّم المأموم بتسليم إمامه ، و لا يسبقه فيه ؛
لأنّ متابعة الإمام واجبةٌ ، و ليس للمأموم أن ينصرف من الصلاة قبل انصراف
الإمام .
و من تيقّن وقوع الإمام في خطأ تفسد به الصلاة ( كزيادة أو نُقصان رُكنٍ ) و
لم ينبّهه ، بَطلت صلاته دون أن يؤثّر ذلك على صلاة الإمام و بقيّة المصلّين
لعدَم علمهم بالزيادة أو النقصان ، فإن نُبِّهَ الإمام أو تنبّه من تلقاء
نفسه بعد انقضاء الصلاة ، لزِمَه أن يعود فيُحرِم بالصلاة و يسجد سجدتين
للسهو ، و إن كان الفاصل طويلاً ، أو تخلّله كلامٌ أو فعلٌ في أمور الدنيا ،
ما دام في المسجد لم يَبرَحه ؛ لما رواه الشيخان و أصحاب السنن - و هذا لفظ
البخاري - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى
الله عليه و سلم إِحْدَى صَلاَتَىِ الْعَشِيِّ ، رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ
، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِى الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا
، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ ، وَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ،
وَ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ، وَ وَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ
كَفِّهِ الْيُسْرَى ، وَ خَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ
فَقَالُوا : قَصُرَتِ الصَّلاَةُ ، وَ فِى الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَ عُمَرُ
، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ ، وَ فِى الْقَوْمِ رَجُلٌ فِى يَدَيْهِ
طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ ؟ قَالَ : « لَمْ أَنْسَ ، وَ لَمْ
تُقْصَرْ » . فَقَالَ : « أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ » ،
فَقَالُوا : نَعَمْ ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ، ثُمَّ سَلَّمَ ،
ثُمَّ كَبَّرَ وَ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ، ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ وَ كَبَّرَ ، ثُمَّ كَبَّرَ وَ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ
أَطْوَلَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ كَبَّرَ . فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ – أي
سألوا الراوي - ثُمَّ سَلَّمَ ؟ فَيَقُولُ : نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ
حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ .
و روى البخاري و أصحاب السنن إلا ابن ماجة و أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّه بن
مسعود رضى الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى
الظُّهْرَ خَمْساً فَقِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِى الصَّلاَةِ ؟ فَقَالَ : « وَ
مَا ذَاكَ ؟ » ، قَالَ : صَلَّيْتَ خَمْساً ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ
مَا سَلَّمَ .
و الراجح أن سجود السهو عن الزيادة في الصلاة محلّه بعدَ التسليم ، لهذا
الحديث ، و الله أعلم ، و صلى الله و سلّم على نبيّنا محمّد و آله و صحبه
أجمعين .