السؤال :
والدي حرّم عليّ الزواج لكوني - حسب رأيه - غيرَ قادر على القيام بمسؤوليات
الزواج ، و لا أملك المال اللازم له ، و نتيجة لضعف الإيمان و كثرة البنات
أصبحت أعاني معاناة رهيبة ، و أصبت بالشبق الجنسي ، وأصبحت أخاف على نفسي من
الوقوع في الزنا .
فمالعمل ؟ هل يمكنني الزواج عرفياً أو الزواج بالمُُُتعة رغم حرمته لأحصّن
نفسي ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
يختلف حكم الزواج باختلاف حال من عَرَض له ، فقد يكون واجباً على من خشي على
نفسه الفتنة ، و قد يكون حراماً على المرأة في عدّتها ، و قد يكون بين هذا و
ذاك بحسب حال المُقدِم عليه .
قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله في المغني : ( من يخاف على نفسه الوقوع في
محظور إن ترك النكاح ، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء ، لأنه
يلزمه إعفاف نفسه ، و صونها عن الحرام ، و طريقُهُ النكاح ... و يستحب لمن له
شهوة يأمن معها الوقوع في محظور ، فهذا الاشتغال له به أولى من التخلي لنوافل
العبادة ، و هو قول أصحاب الرأي . و هو ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم ، و
فعلهم … وساق بعض الآثار التي أوردنا طرفاً منها ) .
و قال الإمام القرطبي في تفسيره : ( المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه و
دينه من العزوبة لا يُختلف في وجوب التزويج عليه ) .
وقال المرداوي رحمه الله في الجزء الثامن من كتابه الإنصاف : ( مَنْ خَافَ
الْعَنَتَ . فَالنِّكَاحُ فِي حَقِّ هَذَا : وَاجِبٌ ؛ قَوْلا وَاحِدًا ، و
الْعَنَتُ هُنَا : هُوَ الزِّنَا . عَلَى الصَّحِيحِ . وَ قِيلَ : هُوَ
الْهَلاكُ بِالزِّنَا ) .
و قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ( إن احتاج الإنسان إلى النكاح و
خشي العنت بتركه قدّمه على الحج الواجب و إن لم يخف قدم الحج ) .
و قال ابن رشد : ( فأما النكاح فإنه في الجملة مرغب فيه و مندوب إليه ... و
أما من احتاج إلى النكاح و لم يقدر على الصبر دون النساء ، و لا كان عنده ما
يتسرى به و خشي على نفسه العَنَت إن لم يتزوج ، فالنكاح عليه واجب ) .
هذا عن حُكم النكاح بشكلٍ عام ، و الذي يظهر من حال السائل أنّه يعاني عنتاً
شديداً بسبب منعه من الزواج ، و ربّما خشي على نفسه الوقوع في الفاحشة تحت
تأثير الشبَق الجنسي الذي يُعاني منه ، و لذلك فالزواج في حقّه واجب ، و يجب
على والده أن يُعينه عليه إن كان قادراً .
لذلك نوصي الأب بتيسير سُبُل الزواج أمام ابنه ، فإن لم يستطع أن يُعينه عليه
فعلى أقل تقدير يجب عليه الكفّ عن منعه عنه ، كي لا يتسبب في انحراف ولده ،
فيحمل مثل وِزره .
و على الابن أن يتلطّف لأبيه في عَرض حاجته ، لعلّ الله تعالى أن يقذف في
قلبه من الرحمة و الشفقة ما يُغيّر موقفه ، فإن أبى و أصرّ على منعه ، و وَجد
الابن في نفسه الباءة ( القدرة الماديّة و الجسميّة ) على الزواج فليُقدِم
عليه ، و لا بأسَ في أن يكون زواجاً عُرفياً إذا استوفى الشروط الشرعيّة ( و
هي الإيجاب و القبول ، و موافقة وليّ أمر الزوجة ، و تسمية المهر ، و إشهاد
ذَوَي عدلٍ على العقد ) ، لأنّ العقد إذا استوفى شروطه صحّ شرعاً ، و إن لم
يُوثَّق رسمياً.
أمّا زواج المتعة فهو حرام ، و لا عبرة بما يروّج له بعض المبتدعة من أنّه
مباح ، لأنّ أدلّة الإباحة منسوخة ، و قد حرّمه النبي صلى الله عليه و سلّم
في حجّة الوداع ، و عليه فإنّ التلبّس به ضربٌ من الزنا في الحُكم و الأثر .
هذا و بالله التوفيق .