السؤال :
هل صحيح أن آسية امرأة فرعون سيتزوجها نبينا عليه السلام عوضاً لها عن زوجها
الكافر ؟
الجواب :
ثبت فضل آسية بنت مزاحم – زوجة فرعون – رضي الله عنها في الكتاب و السنّة ، و
من ذلك قوله تعالى : ( وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا
امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي
الْجَنَّةِ وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجِّنِي مِنَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) [ التحريم : 11 ] .
و روى البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَ لَمْ
يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَ
مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ » .
و كفى بهذا منقبةً و كرامةً لها في الدنيا و الآخرة .
أمّا عن تزويجها للنبيّ صلى الله عليه و سلّم في الجنّة ، فلا أعلَم دليلاً
صحيحاً على ذلك ، و هذا أمر غيبي لا يؤخذ إلاّ بدليل ثابت من الكتاب و السنّة
.
و مَن أثبت ذلك اعتمد على ما رُوي في تفسير قوله تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ
إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ
مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَ
أَبْكَارًا ) [ التحريم : 5 ] .
و من ذلك قول القرطبي في تفسيره : ( وَ قَالَ الْكَلْبِيّ : أَرَادَ
بِالثَّيِّبِ مِثْل آسِيَة اِمْرَأَة فِرْعَوْن , وَ بِالْبِكْرِ مِثْل
مَرْيَم ابْنَةَ عِمْرَان .
قُلْت : وَهَذَا إِنَّمَا يَمْشِي عَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ
التَّبْدِيل وَعْد مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ لَوْ طَلَّقَهُنَّ فِي الدُّنْيَا
زَوَّجَهُ فِي الْآخِرَة خَيْرًا مِنْهُنَّ . وَاَللَّه أَعْلَم ) .
و روى الطبراني في ( الأوسط ) : ( فوعده من الثيبات آسية بنت مزاحم امرأة
فرعون ، و أخت نوح ، و من الأبكار مريم ابنة عمران ، و أخت موسى عليهما
السلام ) ، و في إسناده طريق موسى بن جعفر بن أبي كثير عن عمه ، قال الذهبي :
( مجهول و خبره ساقط ) [ انظر : مجمع الفوائد ، للهيثمي : 7 / 127 ] .
و قال الحافظ ابن كثير في تفسيره [ 4 / 391 ] : ( و ذكر الحافظ ابن عساكر في
ترجمة مريم عليها السلام من طريق سويد بن سعيد … عن ابن عمر قال : جاء جبريل
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت خديجة فقال إن الله يقرئها السلام ، و
يبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللهب ، لا نصب فيه و لا صخب ، من لؤلؤة
جوفاء ، بين بيت مريم بنت عمران و بيت آسية بنت مزاحم .
و من حديث أبي بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
دخل على خديجة ، و هي في الموت فقال : (( يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن
مني السلام )) ، فقالت : يا رسول الله و هل تزوجت قبلي ؟ قال : (( لا ، و لكن
الله زوجني مريم بنت عمران ، و آسية امرأة فرعون ، و كلثم أخت موسى )) ضعيف
أيضاً ، و قال أبو يعلى ثنا إبراهيم بن عرعرة ، ثنا عبد النور بن عبد الله ،
ثنا يوسف بن شعيب ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( أَعَلمتَ أن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران ، و كلثم أخت موسى ، و
آسية امرأة فرعون ؟ )) ، فقلت : هنيئا لك يا رسول الله . و هذا أيضا ضعيف ، و
روي مرسلاً عن ابن أبي داود ) .
قلتُ : و ما دامت هذه الأحاديث ضعافاً كلَّها فلا تُبنى عليها عقيدة ، و لا
يثبُت بها عُلمٌ ، و عليه فإنّ القول بتزويج النبيّ صلى الله عليه و سلّم من
آسية بنت مزاحم زوجة فرعون في الجنّة غير ثابت ، و لا حجّة لمُثبته ، و الله
أعلم .