السؤال :
هل مساعدة أبي لي بمبلغ من المال في حياته تعتبر كالميراث و حتى لو كان هذا
المال به شبهه فهو حلال لي بحكم أنّه ميراث .
و هل الأولى له الحج أم مساعدتي في الزواج .
ما الحكم من الناحيه الشرعية في هاتين المسألتين ؟
الجواب :
ما يمنحه الأب لابنه في حياته لا يُعتَبَرُ من الميراث ، و ليسَ مِثلَه في
الأحكام ، بل يأخذ أحكام الهديّة ، فلا تجب فيه - مثلاً - المساواة بين
الأبناء ، و لا إعطاء الذكَر مثل حظّ الأنثيين ، و لا يَسقُط من حق الولد في
الميراث مثل الذي أخذه من أبيه في حياته .
ثمّ إنّ إثمَ المال يقع على كاسبه إن كان كسِبَه من حرام ، أمّا في حقّ
الوَرَثة فالأصل أنّه حلٌّ لهم ، إذ ( لا تزِر وازرةٌ وِزرَ أُخرى ) ، ما لم
تكن عين المال الموروث مغصوبةً أو مكتسبةً من حرام لا شبهة فيه ، أو يكونوا
على عِلمٍ بحرمته البيّنة .
و ههنا ثلاثُ مسائل يجِبُ التنبّه لها :
المسألة الأولى :
كراهيةُ تخصيص بعض الأبناء بهبةٍ أو عطيّةٍ ، أو تفضيلُ بعضٍ على بعضٍ فيها (
و هذا مذهب الحنفيّة و المالكيّة و الشافعيّة ) ، لحديث النعمان بن بشير بن
الحصاصية رضي الله عنهما قال : أتى بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه و
سلم ، فقال إني نحلت ابني هذا غلاماً فقال : ( أكل بنيك نحلت
؟ ) قال : لا ، قال : ( فاردده ) [ رواه الستة و غيرهم بألفاظ متقاربة ] .
المسألة الثانية :
إذا كان المال الموروث حراماً على وَجه اليقين لا الاحتمال ، فإنّ تملّكه لا
يجوز أصلاً ، و إذا عُلِم عين الحرام فلا يجوز قبضه ممّن حازه من غير حلِّه .
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : (ما في الوجود من الأموال المغصوبة و
المقبوضة بعقود لا تُباح بالقبض ، إن عرفه المسلم اجتنبه، فمن علمتُ أنه سرق
مالاً أو خانَه في أمانته أو غَصَبَه فأخَذَه من المغصوب قهراً بغير حق لم
يَجُز لي أن آخذه منه لا بطريق الهبة ، و لا بطريق المعاوضة ، و لا و فاءً عن
أجرة ، و لا ثمن مبيعٍ ، و لا وفاءً عن قرض ؛ فانَّ هذا عينُ مال ذلك المظلوم
) [ مجموع الفتاوى : 29 / 323 ] .
و عليه فلا يجوز لك أن تأخذ من مال أبيك المحرّم قطعاً هديّةً في حياته ، و
لا إرثاً بعد وفاته .
المسألة الثالثة :
من لوازم برّ الولد بوالده ، أن يُشفِق عليه من النار ، و يأخذ بحُجزته عنها
في حياته و بعد مماته ؛ فيعظه في الحياة بالكفّ عن الحرام ، و يتلطّف إليه
بالموعظة ترغيباً و ترهيباً ، و لا يُعينه على معصيةٍ أو كسبٍ حرام ، و لا
يطيعه في معصية الله ، إذ لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق ، و لكنّ الطاعة
في المعروف .
روى الشيخان و أبو داود و النسائي و أحمد عنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أنَّ
النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي
الْمَعْرُوفِ » .
فإن أصرَّ الأب على الكسب الحرام حتى مات على ذلك ، فالواجب على أبنائه ردّ
المظالم إلى أهلها ، و تطهير ماله من الحرام بعد وفاته ، براً به ، و إحساناً
إليه .
أمّا السؤال عن المفاضلة بين حجّ البيت و تزويج الابن فأقول جواباً عليه :
إذا امتلك الأب ما يكفي للقيام بالأمرَين معاً ، لم يجُز له تقديم أحدِهما
على الآخَر إن وَجبا عليه جميعاً .
أمّا إنْ وجَب عليه أحدُهما دون الآخر ، فليؤدّه ما وَجب عليه حال قُدرته .
و إن وَجب عليه الحج لامتلاكه الزاد و الراحلة و أمنِ الطريق ، و وَجب عليه
أيضاً تزويج ابنه خشية الوقوع في الفاحشة ، مع قُدرته على أن يُعفَّه بالزواج
، و لم يقدر على الأمرين معاً ، فعليه تزويجه أوّلاً ، ثمّ يحجّ البيت ، لأنّ
وجوب الحجّ على التراخي ( مرّةً في العمر ، و يسعه تأخيره إلى عام تالٍ ) ،
أمّا تزويج الابن ففي تأخيره مفسدةٌ راجحةٌ أو متيقّنة ، فلا يجوز تأخيره .
و إذا كان تزويج الابن من باب المباح ( كزواج الثانية ، أو زواج غير المضطر )
أو المستحب ( كالراغب فيه مع قدرته على الصبر ، و عدم تعرّضه أو تطلّعه إلى
الحرام ) ، فليس هذا بواجبٍ على الأب أصلاً ، و لا يجوز له أن يتعلّل به
للقعود عن أداء ركن من أركان الإسلام ، و هو حجّ بيت الله الحرام .
و الله أعلم ، و بالله التوفيق ، و عليه الاتكال .