السؤال :
يعمل والدي في شركة تصنِّعُ الدُخان ، فهل كسبه حرام ؟ و هل يجوز أن أذهب
للعمرة على هذه النفقات ؟ مع العلم أنّه ليس لدي مصدر آخر للكسب .
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
لا شك عندنا في تحريم التدخين ( تعاطي الدخان ) ، لما يترتب عليه من الإضرار
بالصحّة ، و إضاعة المال ، و إيذاء الجلساء و المجاورين ، و وجود أحد هذه
الأمور في الفعل كافٍ لتحريمه ، فكيف بها جميعاً ؟!
و من المقرر عند أهل العلم أنّ الله تعالى إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه ، و من
ذلك تحريم ثمن الكلب ، و مهر البغيّ ، و حلوان الكاهن ، الثابت في سنن أبي
داود و النسائي و مسند أحمد بإسنادٍ صحيح .
و مثل ذلك لعنُ عشرةٍ بسبب الخمرة ، فقد روى الترمذي و ابن ماجة و أحمد عن
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : « لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً : عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا
وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ
ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِىَ لَهَا وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ » .
و روى مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ جَابِر بن عبد الله رضي الله عنه ، قَال :
لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ
وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ : ( هُمْ سَوَاءٌ ) .
و يُستفاد من مجموع هذه الأخبار أنّ من أعان على حرامٍ فعليه مثل وِزر فاعله
، كما أنّ من أعان على خيرٍ فله مثل أجر فاعله .
فما دام التدخين حراماً فإن ثمنه حرامٌ أيضاً ، و كذلك العمل في تصنيعه ، أو
تعليبه ، أو نقله ، أو تسويقه ، أو تقديمه على سبيل الضيافة أو الإهداء ، و
كلّ ما ترتّب على هذه الأعمال من عائدٍ مادي ( ثمناً أو إجارةً أو نحو ذلك )
فهو حرام .
و على من ابتُلي بشيءٍ من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، و يُقلِع عنه على
الفور إلا أن يكون مضطراً ، و يلتمس رزقه في بابٍ آخَر ، فأبواب الخير كثيرةٌ
، و من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه .
و إذا أراد الحج أو العمرة فليتخيّر لنفقته فيهما أطيَب ماله ، لأنّ الله
طيّبٌ لا يَقبلُ إلا طيّباً ، فإن لم يجد من المال الحلال ما يكفيه مؤونة
الزاد و الراحلة فليصبر حتى يوسّع الله عليه ، و ما ذلك على الله بعزيز .