السؤال :
أريد توضيحا لمسألة الإتمام و القضاء للمسبوق في الصلاة ، و هل القضاء ثابت
في السنة أم الإتمام فقط ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
إذا كان المقصود هو السؤال عن قضاء الصلوات الفوائت ، فلنا في ذلك فتوى
مستقلّة بوسع الأخ السائل مراجعتها على موقع صيد الفوائد الرائد .
أما إذا كان المقصود بسؤاله هو ما يفوت المأموم المسبوق من أفعال الصلاة ،
فأقول جواباً على ذلك :
من أحرَم بالصلاة مؤتمّاً ، و قد فاتته ركعةٌ فأكثر فهو المأموم المسبوق ، و
عليه أن يتمّ ما فاته من ركعات بعد خروج الإمام من الصلاة بالتسليم ، لمارواه
الشيخان و أصحاب السنن إلا النسائي و أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبيِّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : « إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ
فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ ، وَ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَ الْوَقَارِ
، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَ مَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا » .
و في روايةٍ أخرجها أبو داود و النسائي و أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا
وَ مَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا » .
و لاختلاف روايات هذا الحديث الذي هو عمدة الباب اختلف العلماء على قولين في
اعتبار ما أدركه المسبوق مع إمامه :
فذهب الجمهور ( الحنفيّة و الحنابلة و المالكية في أحد قوليهم ) إلى أنّ ما
أدركه المسبوق مع الإمام هو آخر صلاته ، فإذا أدرك المأموم مع الإمام الركعة
الثانية فهي ثانيةٌ بالنسبة للإمام و المأموم على حدٍّ سواء ، و هم سواء
أيضاً فيما بعدها ، حتى إذا انقضت الصلاة بتسليم الإمام قام المأموم فأدى
الركعة التي فاتته باعتبارها الركعة الأولى في حقّه ، و يلزم من ذلك أنّه
يُصلّيها قضاءً لا أداءً ، لرواية « و ما فاتكم فاقضوا » .
و ذهب الشافعيّة و المالكيّة في أحد القولين إلى أنّ ما يدركه المسبوق مع
إمامه هو أوّل صلاته ، فإذا أدرك المأموم مع الإمام الركعة الثانية فهي
ثانيةٌ بالنسبة للإمام ، و لكنها أولى بالنسبة للمأموم ، و التي بعدها تكون
ثالثة للإمام ثانيةً للمأموم بهذا الاعتبار ، و هكذا دواليك ، فإذا انقضت
الصلاة بتسليم الإمام قام المأموم فأدى ما فاته من ركعات بناء على ما سبق و
تتميماً له بنفس الترتيب ، و يلزم من ذلك أنّه يصليها أداءً لا قضاءً ؛
لرواية « و ما فاتكم فأتمّوا » .
و قد أحسن الإمام النووي رحمه الله عرض الخلاف في هذه المسألة في قوله :
مذهبنا – أي مذهب الشافعيّة - أن ما أدركه المسبوق أول صلاته ، و ما يتداركه
آخرها ، و به قال سعيد بن المسيب و الحسن البصري و عطاء و عمر بن عبد العزيز
و مكحول و الزهري و الأوزاعي و سعيد بن عبد العزيز و إسحاق حكاه عنهم ابن
المنذر ، قال : و به أقول ، قال : و روي عن عمر و علي و أبي الدرداء و لا
يثبت عنهم ، وهو رواية عن مالك و به قال داود و قال أبو حنيفة و مالك و
الثوري و أحمد ما أدركه آخر صلاته و ما يتداركه أول صلاته و حكاه ابن المنذر
عن ابن عمر و مجاهد و ابن سيرين ، و احتج لهم بقوله صلى الله عليه و سلم : «
ما أدركتم فصلوا و ما فاتكم فاقضوا » ، و احتج أصحابنا بقوله صلى الله عليه و
سلم : « ما أدركتم فصلوا و ما فاتكم فأتموا » رواه البخاري و مسلم من طرق
كثيرة قال البيهقي : الذين رووا « فأتموا » أكثر و أحفظ و ألزم لأبي هريرة
الذي هو راوي الحديث ، فهو أولى ، قال الشيخ أبو حامد و الماوردي و إتمام
الشيء لا يكون إلا بعد تقدم أوله و بقية آخره ، و روي مثل مذهبنا عن عمر بن
الخطاب و علي و أبي الدرداء و ابن المسيب و الحسن و عطاء و ابن سيرين و أبي
قلابة رضي الله عنهم قال أصحابنا : و لأنه لو أدرك ركعة من المغرب فقام
للتدارك يصلي ركعة ثم يجلس و يتشهد ، ثم يقوم إلى الثالثة و هذا متفق عليه
عندنا وعند الحنفية وممن نقل الاتفاق عليه الشيخ أبو حامد و البغوي ، وهو
دليل ظاهر لنا لأنه لو كان الذي فاته أول صلاته لم يجلس عقب ركعة قال أصحابنا
: فأما رواية « فاقضوا » فجوابها من وجهين : أحدهما : أن رواة « فأتموا »
أكثر و أحفظ ، و الثاني : أن القضاء محمول على الفعل لا القضاء المعروف في
الاصطلاح ، لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء ، و العرب تطلق القضاء بمعنى الفعل
قال الله تعالى : « فإذا قضيتم مناسككم فإذا قضيت الصلاة » قال الشيخ أبو
حامد : و المراد و ما فاتكم من صلاتكم أنتم لا من صلاة الإمام و الذي فات
المأموم من صلاة نفسه إنما هو آخرها ، و الله أعلم ) [ المجوع : 4 / 192 ] .
قلتُ : و الذي يظهر لي في هذه المسألة رُجحان مذهب الشافعية رحمهم الله ، و
انتصار الإمام النووي له واضحٌ بيّن ، فإذا أضيف إليه ما قرّره جهابذة
النقّاد من إعلال رواية « فاقضوا » بالشذوذ ، كان الراجح في المسألة ، و الله
أعلم .