السؤال :
أنا موظف ميسور الحال ، و راتبي بالنسبة لأمثالي في بلادنا جيّد و الحمد لله
، و قد كنت أسكن مع والدتي في بلدٍ ورثناه عن والدي رحمه الله ، و لكني أردت
التوسّع بعد الزواج فاقترضتُ لشراء مسكن جديد في منطقةٍ راقيةٍ ، و شرعت في
تسديد القرض على أقساط ، و لكن الراتب محدود فهل يجوز لي أن آخذ من أموال
الزكاة ما أسدد به ديني ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
للغارِم حقّ في ما الزكاة ، لقوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ وَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ
الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقَابِ وَ الْغَارِمِينَ وَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ و اللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [ التوبة : 60 ] .
و الغارم الذي له حقّ في أموال الزكاة هو : من احترق بيته , أو يصيبه السيل
فيذهب متاعه , و يُدان على عياله ، و من ركبته الديون في غير فساد و لا تبذير
، كما روى ذلك الطبري عن مجاهد في تفسير هذه الآية .
و روى أيضاً عن قتادة : أما الغارمون ؛ فقوم غرقتهم الديون , في غير إملاق و
لا تبذير و لا فساد .
و حدَّ الإمام القرطبي في تفسيره الغارمين بالذين ركبهم الدَين و لا وفاء
عندهم به .
ثمّ قال : و لا خلاف فيه . اللهم إلا من إدَّانَ في سفاهةٍ فإنه لا يُعطى
منها ، و لا من غيرها إلا أن يتوب . و يعطى منها من له مال وعليه دين محيط به
ما يقضي به دينه , فإن لم يكن له مال و عليه دين فهو فقير وغارم فيعطى
بالوصفين .اهـ .
أمّا إذا كان الحال كما يُفهَم من كلام السائل أنّه استدان للتوسّع و ليس
مضطراً و لا مُحتاجاً لذلك أصلاً ، و لديه مورد رزقٍ يكفيه حاجته و يفضُل منه
بحسب حال المعيشة في بلده ، فليس له أن يأخُذَ من ما الزكاة ما يسدد به دينه
، بل يسدّده من كدِّ يده بحسب طاقَته ، فإن عجِز عن السداد من دَخله ( كما لو
كان راتبه لا يكفيه و لا يُغنيه ) و اضطر للمَسكن الذي اشتراه ، فله عندئذٍ
أن يأخذ من مال الزكاة بقدر حاجته ، و ليحذر من التوسّع في تقدير الضرورة ، و
كلّ إنسانٍ على نفسه بصيرةٌ.
و كذلك الحال بالنسبة للتجّار الذين يستوردون البضائع بموجب قروض و ضماناتٍ
مصرفيّة ضخمة ، لا يُعتَبرون غارِِِمين ، لأنّ تجارتهم إنّما هي للتوسّع في
العمل ، و طلب الرزق ، و ليست للحاجة ، و لولا ذلك لشارك أصحاب الملايين
الفقراءَ و المساكينَ نصيبَهم من الزكاة بدعوى أنّهم غارمون .
هذا ، و الله أعلم ، و بالله التوفيق .