السؤال :
السلام عليكم ، هل يجوز نسخ شيئ من الكتب محفوظة الحقوق ( حقوق النشر ) علماً
بأنها تنشر و توزع مجاناً . أفيدونا جزاكم الله خيراً .
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
الملكيّة الفكريّة حقّ مقرر لأصحابه ، و منها حقوق التأليف و النشر ، فإذا
حُفظت هذه الحقوق لمؤلّف الكتاب أو طابعه أو ناشره أو غيرهم بموجب عقدٍ صحيح
، وجب تمكينه من حقّه و عدم التعدّي عليه ، و ذلك لأنّ المؤلّف سابقٌ إلى
مباحٍ فهو أحقّ به ، و له أن ينزل عن حقّه بعِوض أو بغير عوض إلى من يشاء .
و عليه فإنّ أيَّ كتاب منصوصٍ على حفظ حقوقه لشخصٍ أو جهةٍ ما ، لا يجوز
إعادة طبعه أو تصويره أو نسخه أو نشره على غير الصورة التي يجيزها صاحب حقّ
التصرّف فيه ، و كذلك الحال إن حُفظت حقوق النشر عُرفاً و إن لم يكن ذلك
مكتوباً ، لما رواه البخاري معلّقاً و أبو داود و الترمذي عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : « الْمُسْلِمُونَ
عِنْدَ شُرُوطِهِمْ » ، و لأنّ القاعدة الفقهيّة تقول : ( المشروط عُرفاً
كالمشروط شرطاً ) .
و من المقرر شرعاً أن الحقوق تكتَسَبُ بالسبق إليها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلامه عن خطبة الرجل على خطبة أخيه : (
... كمن سبق إلى مباح فجاء آخر يزاحمه ... و إذا كان سبب النهي تعلق حق للأول
بهذه العين فإذا أزيل على الوجه المحرم لم يؤثر هذا في الحل المزيل فإنه
كالقاتل لموروثه فإنه لما أزال تعلق حق الموروث لمال بفعله المحرم لم يؤثر
هذا الزوال في الحل له ، و لهذا لا يبارك لأحد في شيء قطع حق غيره عنه بفعل
محرم ثم اقتطعه لنفسه ) [ الفتاوى الكبرى : 3 / 395 ] .
قلتُ : أمّا إن نسخه طالبُ علمٍ بيده أو صوّره لنفسه ، فلا أرى بأساً في ذلك
لأنّه من باب طلب العلم الذي مُنع من كتمانه ، و إن مَنَع أحدٌ منه بهذه
الصورة فأخشى عليه الوقوع في الوعيد الشديد ، لما رواه أحمد و أصحاب السنن
إلا النسائي بإسناد صحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه و سلم : « مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ
أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » .
و بالنسبة للكُتب التي توزّع مجاناً ، أو تلك التي أشاع مؤلّفُها حقوق نشرها
لمن أراد فعل ذلك احتساباً فالأمر فيه سعة ، و لا وجهَ للمنع من نسخها أو
توزيعها ، إلا أن يكون قد عُهد بذلك إلى جهةٍ معيّنة ، و وُقِفَ الحقّ عليها
لكفاءتها ، فلا تجوز مزاحمتها في ذلك ، و الله أعلَم .
هذا ، و الله المستعان ، و عليه التكلان
و الحمد لله ربّ العالمين .