السؤال :
أنا فتاة ابلغ من العمر
22 عاما أنهيت دراستي منذ شهور قليلة و منذ أن أنهيتها و أنا مصابة بالاكتئاب
و الإحباط الدائم ، و لا اعرف لحياتي أهمية ، و أصبحت يائسة من الحياة ولديّ
مشاكل أخرى في الزواج فإن أمي متوفاة و جدتي تريدني أن أتزوج من أي إنسان
يتقدم لي ، و لكنني أريد أن أتزوج بإنسان بصفات معينة ، و هذه الصفات لا
يتوفر أي منها في من يتقدمون إلي ، و أشعر أنني سأندم إذا تزوجت من الذين
يريدني أهلي أن أتزوجهم ، و أني سأقابل فيما بعد أشخاصا أتمنى لو كنت تزوجت
منهم ، و أخشى ان تضعف مقاومتي و صبري فأندم يوم لا ينفع الندم .
و قد فكرت مؤخّراً أن أرسل رسالة بمواصفاتي إلى بريد الجمعة في مجلة الأهرام
لكي أرضي نفسي و أهلي ولكن الأهل لن يوافقون على زواجي بهذه الطريقة فهل
أجربها أم امتنع عن ذلك ؟ و هل في ذلك ما يسيء إلى كرامتي و أهلي ؟
و هل يوجد حل لمشاكلي ؟ أو أيُّ مضادات للاكتئاب تنصحونني بها ؟
الجواب :
أختي الكريمة !
أنتِ تحتاجين إلى نصيحة أكثر من حاجتك إلى الفتوى ، فمشكلتك في معظمها من
الوهم و الخيال الخاطئ ، و لذلك بأنصحك بالتقرب إلى الله تعالى بفعل الطاعات
، و اجتناب السيئات حتى تستشعري حلاوة الإيمان و تطردي اليأس و الاكتئاب
الذين تعانين منهما ، فالمرء كلّما تقرب إلى الله أكثر كان الشيطان عنه أبعد
، و لا يزال العبد يتقرّب إلى الله بالنوافل حتى يحبه الله ، كما في الحديث
الذي رواه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنّ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : « إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَا يَزَالُ
عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا
أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى
يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى
يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى
لأُعِيذَنَّهُ » . و من أحبّه الله فحاشاه أن يتخلّى عنه طرفة عين ،
و عليه فإني أوصيك بعدّة
أمور ينفعك الله بها في دينك و دنياك :
الأمر الأوّل :
المواظبة على الفرائض ، و الإكثار من تلاوة القرآن الكريم لأنّ فيه الشفاء
لأمراض القلوب و النفوس ، قال تعالى : ( و ننزّل من القرآن ما هو شفاء و رحمة
) .
الأمر الثاني :
دعي اليأس و التشاؤم ، فإن ذلك لن يغير من الواقع قيد أنملة ، و أقبلي على
الحياة بالتفاؤل و القناعة ، و اعلمي أن اليأس و القنوط من صفات الكافرين ،
فقد قال تعالى : ( إنّه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون ) [ يوسف :
87 ] .
الأمر الثالث :
فيما يتعلّق بالزواج أنصحك بطاعة أهلك في هذا الأمر و الاستئناس برأيهم و
آراء من تثقين في دينه و عقله ممّن حولك من أهل الخير ، و ما أكثرهم ، و
اعلمي أن الإنسان قلا لا ينال كلّ ما يريد في الحياة الدنيا ، إذ إنّها دار
ممرّ و ليست دار مقرّ ، فإذا تقدّم لك ذو خُلُق و دين فلا تردّيه ، و هذه
وصيّة نبويّة كريمة فقد أخرج أحمد و ابن ماجة و الترمذي عَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ أنّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « إِذَا خَطَبَ
إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ
تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِى الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ » .
الأمر الرابع :
موضوع التعارف عبر وسائل الإعلام أو الاتصالات ( الانترنت ) بقصد الزواج - لا
غير - أمر محمود في ذاته و لا يُذم فاعله من حيث المبدأ ، و لكن له مساوئ قد
يقع فيها من اعتمد عليه في البحث عن زوج أو زوجة ، لأن الغش فيه كثير ، و لا
يمكن للباحث من خلاله أن يتأكد من صفات من تعرّف عليه ، و قد سمعنا و اطلعنا
على الكثير من حالات التلاعب و العبث بالأعراض من هذا الباب ، إذ إنّ الأمر
قد يبدأ بالحلال و حسن النوايا ، و لكنّه لا يلبث أن يتحوّل إلى التوسّع في
المحرّمات أو مقارفة المحرّمات و العياذ بالله ، فلا تقدمي – أيتها الأخت
الكريمة – على شيئ من ذلك ما لم يكن بمعرفة ولي أمرك أو من يحرص على مصلحتك
من المحارم و يقف إلى جانبك عن وعي و دين ، و ثقي بالله و بوعده ، فهو عند
ظنّ عبده به ، فقد روى الترمذي و ابن ماجة و أحمد و الحاكم عن واثلة بن
الأسقع رضي الله عنه أنّه قال : سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-
يقول: ( قال الله - تبارك وتعالى - : أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء )
. قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، و لم يخرجاه .
فحسّني ظنّك بالله , و أقبلي على الحياة بتفاؤل و أمل , و لا تردّي خاطباً
مرضيّاً في دينه و خلقه , و إن لم يكن ذا سعة في دنياه ، فإن الله هو الرزاق
ذو القوّة المتين .
و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّه الأمين و آله و صحبه أجمعين .
و الحمد لله ربّ العالمين .