السؤال :
أداوم على صلاة السنن في المنزل ، و لكن حينما أكون في الكلية يحين وقت صلاة
الظهر في فترة الراحة ، فأقوم بالاقتصار على أداء الفرض ، و أدَعُ سنته
الراتبة فهل أنا مقصرة بفعل ذلك ؟ مع العلم بأني لا أجد فرصة للجلوس مع
صديقاتي إلا في أثناء فترة الراحة تلك ، و أقوم بتذكيرهن بأمور دينهن أثناءها
، فهل يغني عملي هدا عن أداء الراتبة ؟
الجواب :
أقول مستعيناً بالله تعالى :
لا يجب على المسلم المكلف بالصلاة في اليوم و الليلة إلا الصلوات الخمس ، كما
هو المعتمد عند جمهور العلماء ، و إن روي عن الإمام أبي حنيفة و غيره القول
بإيجاب صلاة الوتر أيضاً ، و هذا القول ضعيف مرجوح ، فقد روى الشيخان و
غيرهما و اللفظ للبخاري عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن أعرابياً جاء
إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثائر الرأس فقال : يا رسول الله أخبرني
ماذا فرض الله علي من الصلاة ) فقال : ( الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئاً )
فقال : أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة . قال : ( فأخبره رسول الله صلى
الله عليه و سلم بشرائع الإسلام ، قال : و الذي أكرمك لا أتطوع شيئاً و لا
أنقص مما فرض الله علي شيئاً ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (
أفلَحَ إن صَدَق ) أو ( دَخَلَ الجنة إن صَدق ) .
و لو كان على المكلف بالصلاة صلاةٌ واجبة غير الصلوات الخمس لذكرها النبي صلى
الله عليه و سلم في هذا الحديث ، لأن المقام يقتضي البيان ، و تأخير البيان
عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو مقرر عند أهل العلم ، و لما عذر الأعرابي في
الاقتصار عليها ، و لما بشره بالفلاح أو دخول الجنة إن صدق في أداء الصلوات
الخمس فقط و سائر الفرائض دون زيادة أو نقصان .
و لا يعني هذا التهوين من شأن النوافل عموماً ، و الرواتب ( و هي سنن الصلوات
القبلية و البعدية ) خصوصاً ، بل هي مما يُندَبُ إليه و يحث عليه ، لما وعدَ
الله على أدائها من الأجر الجزيل ، فقد روى مسلم و غيره عن أم المؤمنين عائشة
رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( ما من عبد
مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً
في الجنة ) أو ( إلا بُنيَ له بيتٌ في الجنة ) .
كما أن النافلة تجبر النقص في الفريضة ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إن أول ما يحاسب به العبد
يوم القيامة من عمله صلاتُهُ ؛ فإن صلحت فقد أفلَح و أنجَح ، و إن فسَدَت فقد
خاب و خسر ، فإن انتقص من فريضته شيءٌ قال الرب عز و جل : انظروا هل لعبدي من
تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك ) [ رواه
أصحاب السنن غير أبي داود بإسناد صحيح ] .
و عليه فيجدر بالمسلم الحفاظ على الصلوات فرائضَ و نوافلَ راتبةً و غير راتبة
، غير أنه إن فاته شيء من السنن عمداً أو بغير عمد فلا يعتبر مقصراً ، و لا
يأثم بذلك ، لأنها غير مفروضة على المكلف بالصلاة ، و لكن يفوته أجرُها .
أما جلوسك إلى صديقاتك في فترة الاستراحة فهو من المباحات ، و لا شك في تقديم
المستحبات من الصلاة و غيرها على المباحات ، إلا أن يكون القصد من جلوسك
إليهن معمور بذكر الله و التذكير به و الدعوة إليه فهذه فضيلة يُحتَسَب الأحر
عليها عند الله ، و لكن لا ينبغي أن تتخذ ذريعة لترك النوافل بالكلية ، بل
أرى أن الأولى و الأجدر هو التوفيق بين الفضيلتين ، فإن تعذر التوفيق بينهما
لضيق الوقت مثلاً فيحسُنُ ترجيح هذا العمل تارة و ذاك تارةً أخرى ، و الله
الموفق .
هذا و الله أعلم ، و بالله التوفيق .