فَـــــائِـــدَةٌ ( 3 )
حُـكْـمُ أَطْـفَـالِ
الـمُـسْـلِـمِـيـنَ وَالـمُـشْـرِكِـيـن
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (5/50) عند
قوله تعالى : " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " [
الإسراء : 15 ] :
بَقِيَ هَاهُنَا مَسْأَلَة قَدْ
اِخْتَلَفَ الْأَئِمَّة ، رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى ، فِيهَا قَدِيمًا
وَحَدِيثًا وَهِيَ :
الْوِلْدَان الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ
صِغَار وَآبَاؤُهُمْ كُفَّار ، مَاذَا حُكْمهمْ ؟
وَكَذَا الْمَجْنُون وَالْأَصَمّ
الشَّيْخ الْخَرِف ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْفَتْرَة وَلَمْ تَبْلُغهُ دَعْوَه .
وَقَدْ وَرَدَ فِي شَأْنهمْ أَحَادِيث أَنَا أَذْكُرهَا لَك بِعَوْنِ اللَّه
وَتَوْفِيقه ثُمَّ نَذْكُر فَصْلًا مُلَخَّصًا مِنْ كَلَام الْأَئِمَّة
وَاَللَّه الْمُسْتَعَان ... .ا.هـ.
ثم قال بعد أن أورد عشرة أحاديث في
تقرير هذه المسألة (5/55) :
إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ
اِخْتَلَفَ النَّاس فِي وِلْدَان الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَقْوَال :
إِحْدَاهَا : أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّة
.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ سَمُرَة
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام رَأَى مَعَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
أَوْلَاد الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ وَبِمَا تَقَدَّمَ فِي
رِوَايَة أَحْمَد عَنْ خَنْسَاء عَنْ عَمّهَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَالْمَوْلُود فِي الْجَنَّة " .
وَهَذَا اِسْتِدْلَال صَحِيح وَلَكِنَّ أَحَادِيث الِامْتِحَان أَخَصّ مِنْهُ
. فَمَنْ عَلِمَ اللَّه مِنْهُ أَنَّهُ يُطِيع جَعَلَ رُوحه فِي الْبَرْزَخ
مَعَ إِبْرَاهِيم وَأَوْلَاد الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى
الْفِطْرَة ، وَمَنْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُجِيب فَأَمْره إِلَى اللَّه
تَعَالَى وَيَوْم الْقِيَامَة يَكُون فِي النَّار كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ
أَحَادِيث الِامْتِحَان ، وَنَقَلَهُ الْأَشْعَرِيّ عَنْ أَهْل السُّنَّة ،
ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُمْ فِي الْجَنَّة مِنْهُمْ
مَنْ يَجْعَلهُمْ مُسْتَقِلِّينَ فِيهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلهُمْ خَدَمًا
لَهُمْ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَنَس عِنْد أَبِي
دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَهُوَ ضَعِيف ، وَاَللَّه أَعْلَم .
وَالْقَوْل الثَّانِي : أَنَّهُمْ
مَعَ آبَائِهِمْ فِي النَّار .
وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ
الْإِمَام أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة حَدَّثَنَا عُتْبَة
بْن ضَمْرَة بْن حَبِيب حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبَى قَيْس مَوْلَى
غُطَيْف أَنَّهُ أَتَى عَائِشَة فَسَأَلَهَا عَنْ ذَرَارِيّ الْكُفَّار
فَقَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هُمْ
تَبَع لِآبَائِهِمْ" فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه بِلَا أَعْمَال ؟ فَقَالَ : "
اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " .
وَالْقَوْل الثَّالِث : التَّوَقُّف
فِيهِمْ .
وَاعْتَمَدُوا عَلَى قَوْله صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " .
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْل الْأَعْرَاف .
وَهَذَا الْقَوْل يَرْجِع إِلَى قَوْل مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمْ مِنْ
أَهْل الْجَنَّة ، لِأَنَّ الْأَعْرَاف لَيْسَ دَار قَرَار ، وَمَآل أَهْلهَا
إِلَى الْجَنَّة كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِير ذَلِكَ فِي سُورَة الْأَعْرَاف ،
وَاَللَّه أَعْلَم .
وَلْيُعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْخِلَاف مَخْصُوص بِأَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ ،
فَأَمَّا وِلْدَان الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء كَمَا
حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بْن الْفَرَّاء الْحَنْبَلِيّ عَنْ
الْإِمَام أَحْمَد أَنَّهُ قَالَ : لَا يُخْتَلَف فِيهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ
أَهْل الْجَنَّة .
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور بَيْن النَّاس ، وَهُوَ الَّذِي نَقْطَع بِهِ إِنْ
شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .ا.هـ بتصرف .
لقد ذكر الحافظُ ابنُ كثيرٍ مسألتين :
الـمَـسْـأَلَـةُ الأُولَـى :
حُـكْـمُ أَطْـفَـالِ الـمُـسْـلِـمِـيـنَ :
قال الإمام النووي في شرح مسلم
(16/207) : أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدّ بِهِ مِنْ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ عَلَى
أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْل الْجَنَّة
; لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا .ا.هـ.
ولن أطيل في هذه المسألة لأن الأدلة فيها واضحة والله أعلم .
الـمَـسْـأَلَـةُ الـثَّـانِـيـةُ :
حُـكْـمُ أَطْـفَـالِ الـمُـشْـرِكِـيـن :
قضية أطفال المشركين الذين ماتوا قبل
البلوغ والتكليف من المسائل التي تكلم فيها العلماء سلفا وخلفا واختلفت فيها
الآراء وسأذكر - بحول الله وقوته - الأقوال مع ذكر أدلة كل قول بحسب القدرة :
الـقَـولُ الأَوَّلُ :
إن أطفال المشركين في الجنة .
وهو ما ذهب إليه الإمام البخاري فقد بوب البخاري في كتاب الجنائز ، باب ما
قيل في أولاد المشركين .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/290) : وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى
قِصَّة مَوْت إِبْرَاهِيم مُسْتَوْفًى فِي " بَاب قَوْل النَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا بِك لَمَحْزُونُونَ " ، وَإِيرَاد
الْبُخَارِيّ لَهُ فِي هَذَا الْبَاب يُشْعِر بِاخْتِيَارِ الْقَوْل
الصَّائِر إِلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّة , فَكَأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِيهِ
أَوَّلًا ثُمَّ جَزَمَ بِهِ .ا.هـ.
وممن اختار هذا القول أيضا النووي قال في شرح مسلم (16/207 - 208) :
وَأَمَّا أَطْفَال الْمُشْرِكِينَ فَفِيهِمْ ثَلَاثَة مَذَاهِب ...
وَالثَّالِث , وَهُوَ الصَّحِيح الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ
أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة .ا.هـ.
وممن ذهب إلى هذا القول أيضا ابن حزم ، وابن الجوزي ، والجبائي من المعتزلة ،
وطائفة من المفسرين والمتكلمين ، وجماعة من أصحاب الإمام أحمد ، وهو ظاهر
كلام الحافظ ابن حجر .
ومن المعاصرين العلامة الألباني - رحمه الله - .
أدلـةُ الـقـائـلـيـنَ بـهـذا
الـقـولِ :
- قوله تعالى : " وَمَا كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " [ الإسراء : 15 ] .
- قوله تعالى : " وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي
أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي
الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ " [ القصص : 59 ] .
قال الإمام ابن القيم في كتاب طريق الهجرتين ( ص644 ) : فإذا كان سبحانه لا
يهلك القرى في الدنيا ويعذب أهلها إلا بظلمهم فكيف يعذب في الآخرة العذاب
الدائم من لم يصدر منه ظلم ! .ا.هـ.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى
الْفِطْرَةِ ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ ... الحديث .
متفق عليه .
ووجهه أن الله قد فطر عباده جميعا على ملة الإسلام الحنيف ومعلوم أن الطفل
إذا مات قبل أن يهوده أبواه أو ينصرانه أو يمجسانه فقد مات مسلما على أصل
فطرته فيدخل بذلك الجنة إن شاء الله .
- عَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ
يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ : هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا ...
فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَوْلَادُ
الْمُشْرِكِينَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ .
رواه البخاري (7047) .
قال الحافظ في الفتح (12/466) : وَظَاهِره أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَلْحَقَهُمْ بِأَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ فِي حُكْم الْآخِرَة
وَلَا يُعَارِض قَوْله : هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْم
الدُّنْيَا .ا.هـ.
وقال ابن القيم ( ص642 ) : فهذا الحديث الصحيح صريح في أنهم في الجنة ورؤيا
الأنبياء وحي .ا.هـ.
- عَنْ حَسْنَاءَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ مِنْ بَنِي صُرَيْمٍ قَالَتْ :
حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ فِي
الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ ، وَالشَّهِيدُ فِي
الْجَنَّةِ ، وَالْمَوْلُودُ ، وَالْوَلِيدَةُ .
أخرجه أحمد (5/58) وأبو داود (2521) .
قال عنه الحافظ ابن حجر في الفتح : إسناده حسن .
وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2200) .
والشاهد من الحديث " وَالْمَوْلُودُ " وهذا عام يشمل من كان أبواه مسلمين أو
كافرين .
- عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا : سَأَلْت رَبِّي اللَّاهِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ
الْبَشَرِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ فَأَعْطَانِيهِمْ .
أخرجه أبو يعلى في مسنده (4087) .
وقَالَ الْحَافِظُ : إِسْنَادُهُ حَسَنٌ .
وقال الهيثيمي في المجمع (7/219) : رواه أبو يعلى من طرق ورجال أحدها رجال
الصحيح غير عبد الرحمن بن المتوكل وهو ثقة .
وذكره العلامة الألباني في الصحيحة (1881) .
قال ابن عبد البر في التمهيد (18/117) : إنما قيل للأطفال : " اللاهين " لأن
أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقد ولا عزم ، من قولهم لهيت عن الشيء ، أي لم
اعتمده ، كقوله : " لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ " [ الأنبياء :3 ] .ا.هـ.
قال العلامة الألباني - رحمه الله - عقب الحديث : والمراد بـ " اللاهين "
الأطفال ، كما في حديث لابن عباس عند الطبراني (11906) بسند حسن . فالحديث من
الأدلة على أن أطفال الكفار في الجنة ، وهذا هو الراجح كما ذكرنا في " ظلال
الجنة " (1/95) فراجعه .ا.هـ.
وقال أيضا في " ظلال الجنة " (1/95) : وأما قوله : إن دعوى الذهبي لا دليل
عليها ، فغير مسلم عندي ، وذلك لأن الحديث يصرح بأن أولاد المشركين في النار
. فهذا منكر بل باطل لمخالفته لظاهر قول الله تعالى : " وَمَا كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " [ الإسراء : 15 ] ، فإذا كان لا
يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من الأولاد من
باب أولى ، ولمخالفته أيضا لعديد من الأحاديث الدالة على أن أولاد المشركين
في الجنة ، فضلا من الله ورحمة . وهذا هو اختيار أهل التحقيق من العلماء
كالنووي والعسقلاني وغيرهما .ا.هـ.
هذا بعضُ ما استدل به أصحاب القول الأول .
الـقَـولُ الـثَّـانِـي :
إن أطفال المشركين في النار .
حكاه ابن حزم عن الأزارقة من الخوارج وحكاه القاضي أبو يعلى من الحنابلة عن
الإمام أحمد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (24/372) :
فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا : إنَّهُمْ
كُلُّهُمْ فِي النَّارِ وَاخْتَارَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى
وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَنْ أَحْمَد وَهُوَ غَلَطٌ عَلَى
أَحْمَد .ا.هـ.
وقال أيضا في " درء تعارض العقل والنقل " (8/435) : اختاره القاضي أبو يعلى
وغيره ، وحكوه عن أحمد ، وهو غلط على أحمد .ا.هـ.
وقال الإمام ابن القيم في " أحكام أهل الذمة " (2/1092) : وهذا قول جماعة من
المتكلمين ، وأهل التفسير ، وأحد الوجهين لأصحاب أحمد ، وحكاه القاضي نصاً عن
أحمد ، وغلطه شيخنا .ا.هـ.
وقال الحافظ في الفتح (3/290) : حكاه القاضي عياض عن الإمام أحمد ، وغلطه ابن
تيمية بأنه قول لبعض أصحابه ولا يحفظ عن الإمام أصلا .ا.هـ.
والحافظ وهم في نقل هذا القول عن القاضي عياض ، بل هو القاضي أبو يعلى .
أدلـةُ الـقـائـلـيـنَ بـهـذا الـقـولِ :
- قوله تعالى : " رَبِّ لَا تَذَرْ
عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا " [ نوح : 26 ] .
- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَاد الْمُسْلِمِينَ : أَيْنَ هُمْ ؟ قَالَ :
فِي الْجَنَّة , وَسَأَلَتْهُ عَنْ أَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ أَيْنَ هُمْ
يَوْم الْقِيَامَة ؟ قَالَ فِي النَّار , فَقُلْت : لَمْ يُدْرِكُوا
الْأَعْمَال , وَلَمْ تَجْرِ عَلَيْهِمْ الْأَقْلَام ؟ قَالَ : رَبّك أَعْلَم
بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ , وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَوْ شِئْت
أَسْمَعْتُك تَضَاغِيهمْ فِي النَّار " .
رواه أبو داود الطيالسي (1576) ، وأحمد (6/208) مختصرا .
قال ابن عبد البر في " التمهيد " (18/122) : أبو عقيل هذا صاحب بهية ، لا
يحتج بمثله عند أهل العلم بالنقل .ا.هـ.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/290) : وهو حديث ضعيف جدا لأن في إسناده أبا
عقيل مولى بهية وهو متروك .ا.هـ.
وفي إسناده أيضا بهية مولاة أبي بكر ، قال عنها الحافظ ابن حجر في التقريب :
لا تعرف .
- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ قَالَ : انْطَلَقْتُ أَنَا
وَأَخِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ
: قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمَّنَا مُلَيْكَةَ كَانَتْ
تَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ
هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا ؟ قَالَ :
لَا ، قَالَ : قُلْنَا : فَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا ؟ قَالَ : الْوَائِدَةُ
وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ ؛ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْوَائِدَةُ
الْإِسْلَامَ فَيَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهَا .
رواه أحمد (3/478) .
وهذا من الأحاديث التي ألزم الدار قطني فيها البخاري ومسلم بإخراجها (الالزمات
والتتبع ص99) .
وصححه العلامة الألباني في المشكاة (1/39ح112) .
فَـــــائِـــدَةٌ :
قال الألباني في الموضع المشار إليه
آنفا : ثم إن ظاهر الحديث أن المؤودة في النار ولو لم تكن بالغة وهذا خلاف ما
تقتضيه نصوص الشريعة أنه لا تكليف قبل البلوغ ، وقد أجيب عن هذا الحديث
بأجوبة أقربها عندي إلى الصواب أن الحديث خاص بمؤودة معينة وحينئذ ف(ال) في (
المؤودة) ليست للاستغراق بل للعهد . ويؤيده قصة ابني مليكة ، وعليه فجائز أن
تلك المؤودة كانت بالغة فلا أشكال .ا.هـ.
الـقَـولُ الـثَّـالَـثُ :
التوقف في الحكم عليهم وأنهم تحت
المشيئة .
وهو منقول عن الحمادين – حماد بن سلمة وحماد بن زيد – وقو ل عبدالله بن
المبارك ونقله البيهقي في الاعتقاد عن الشافعي في حق أولاد الكفار خاصة ، وهو
مقتضى صنيع مالك في الموطأ .
قال ابن عبد البر في التمهيد (18/112) : وهو يشبه ما رسمه مالك في أبواب
القدر في موطئه وما أورد في ذلك من الأحاديث وعلى ذلك أكثر أصحابه وليس عن
مالك فيه شيء منصوص إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين
في الجنة وأطفال الكفار – خاصة – في المشيئة .ا.هـ.
وهذا القول منصوص عن الإمام أحمد قال شيخ الإسلام في درء تعرض العقل والنقل
(8/436) : لكن الوقف قد يُفسر بثلاثة أمور :
أحدها :
أنه لا يُعلم حكمهم ، فلا يُتكلم فيهم بشيء ، وهذا قول طائفة من المنتسبين
إلى السنة ، وقد يُقال : إن كلام أحمد يدل عليه .
الثاني :
أنه يجوز أن يدخل جميعهم الجنة ، ويجوز أن يدخل جميعهم النار . وهذا قول
طائفة من المنسبين إلى السنة ، من أهل الكلام وغيرهم ، من أصحاب أبي الحسن
الأشعري وغيرهم .
والثالث :
التفصيل ، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه : الله أعلم بما كانوا عاملين
. فمن علم الله منه أنه إذا بَلَغ أطاع أدخله الجنة ، ومن علم منه أنه يعصي
أدخله النار .ا.هـ.
وقال أيضا (8/435) : والقول الثالث : الوقف فيهم . وهذا هو الصواب الذي دلت
عليه الأحاديث الصحيحة ، وهو منصوص أحمد وغيره من الأئنة .
وذكره ابن عبد البر عن حماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وابن المبارك ، وإسحاق
بن راهويه . قال : وعلى ذلك أكثر أصحاب مالك ، وذكر أيضا في أطفال المسلمين
نزاعا ليس هذا موضعه .ا.هـ.
الـقَـولُ الـرَّابِـعُ :
إنهم في منزلة بين منزلتين ، فيكونون
في برزخ بين الجنة والنار إذ ليس لهم إيمان ، ولا هم قد عملوا حسنات يدخلون
بذلك الجنة كما ليست لهم أيضا سيئات يدخلون بها النار ، وإلى هذا القول ذهبت
طائفة من المفسرين قالوا : وهم أهل الأعراف .
قال الإمام ابن القيم في طريق الهجرتين (ص647) : وقال عبد العزيز الكناني :
هم الذين ماتوا في الفترة والقائلون بهذا إن أرادوا أن هذا المنزل مستقرهم
أبدا فباطل ، فإنه لا دار للقرار إلا الجنة أو النار ، وإن أرادوا أنهم
يكونون فيها مدة ثم يصيرون إلى دار القرار فهذا ليس بممتنع .ا.هـ.
وقال أيضا في " أحكام أهل الذمة " (2/1125) : والصحيح في أهل الأعراف أنهم
قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم عن الجنة ، فبقوا بين الجنة والنار . كذا قال غير
واحد من الصحابة .ا.هـ.
الـقَـولُ الـخَـامِـسُ :
إنهم خدم الجنة ومماليكهم ، وهم معهم
بمنزلة أرقائهم ومماليكهم في الدنيا .
وهو مذهب سلمان كما ذكر الإمام ابن القيم في " أحكام أهل الذمة " (2/1127) .
أدلـةُ الـقـائـلـيـنَ بـهـذا
الـقـولِ :
- عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
: سألت ربي الاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فاعطانيهم فهم خدم أهل الجنة .
رواه أبو يعلى في مسنده (4101 ، 4102) .
قال الحافظ في الفتح(3/290) : إسناده حسن .
وحسنه العلامة الألباني هذا الحديث في الصحيحة (1881) .
والحديث جميع طرقه ضعيفة معلولة .
قال البيهقي في كتاب " الاعتقاد " ( ص 196 ) : وأخبارا غير قوية في أولاد
المشركين أنهم خدام أهل الجنة .ا.هـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا القول في الفتاوى (4/279) : وَقَدْ قَالَ
بَعْضُ النَّاسِ : إنَّ أَطْفَالَ الْكُفَّارِ يَكُونُونَ خَدَمَ أَهْلِ
الْجَنَّةِ . وَلَا أَصْلَ لِهَذَا الْقَوْلِ .
وأما ما أشار إليه الإمام ابن القيم أنه قول سلمان ، فقد أورد أثرين عن سلمان
أنه قال : أطفال المشركين خدم أهل الجنة " ، والآخر : " ذراري المشركين خدم
أهل الجنة " .
ولكنه لا يثبت عن سلمان لأن في سنده رجل يقال له : أبو مرواح ، قال عنه
الحافظ ابن حجر في التقريب : مجهول .
وقبل ذلك قال المزي في " تهذيب الكمال " (34/273) : عن : سلمان الفارسي "
أطفال المشركين خدم أهل الجنة " . روى عنه قتادة .
أظنه غير أبي مرواح المتقدم . فإنا كانا واحدا فإن رواية قتادة عنه مرسله ،
والله أعلم .ا.هـ.
الـقَـولُ الـسَـادِسُ :
إن حكمهم حكم آبائهم في الدنيا
والآخرة ، فلا يفردون عنهم بحكم في الدارين .
ومعناه أنهم مؤمنون بإيمان آبائهم كافرون بكفرهم فهم إذا في نار جهنم .
وهذا قول الإمام الخطابي ، ونسبه إلى عامة أهل السنة ، وذكر النووي أنه قول
الأكثرين ، ونسبه ابن تيمية لبعض الحنابلة .
أدلـةُ الـقـائـلـيـنَ بـهـذا
الـقـولِ :
- عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ : مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْوَاءِ ، أَوْ بِوَدَّانَ
وَسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ
مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ قَالَ : هُمْ مِنْهُمْ . متفق عليه .
وقد فرق الإمام ابن القيم بين هذا القول وقول من يقول بأنهم في النار فقال في
طريق الهجرتين (ص649) :
والفرق بين هذا المذهب ومذهب من يقول هم في النار أن صاحب هذا المذهب يجعلهم
معهم تبعا لهم حتى لو أسلم الأبوان بعد موت أطفالهم لم يحكم لأَفراطهما
بالنار وصاحب القول الآخر يقول هم في النار لكونهم ليسوا بمسلمين لم يدخلوها
تبعا .ا.هـ.
الـقَـولُ الـسَـابِـعُ :
إنهم يمتحنون في عرصات القيامة .
يرسل إليهم رسول فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار ، أو ترفع لهم نار ،
ويؤمرون باقتحامها ، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن أبى أدخل النار ،
ومقتضى هذا أن بعضهم في الجنة ، وبعضهم في جهنم على حسب طاعتهم وعصيانهم .
أدلـةُ الـقـائـلـيـنَ بـهـذا
الـقـولِ :
- عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ
أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
أَرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا ،
وَرَجُلٌ أَحْمَقُ ، وَرَجُلٌ هَرَمٌ ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ
؛ فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ : رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا
أَسْمَعُ شَيْئًا . وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ : رَبِّ لَقَدْ جَاءَ
الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ . وَأَمَّا
الْهَرَمُ فَيَقُولُ : رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ
شَيْئًا . وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ : رَبِّ مَا
أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ ،
فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ : فَوَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا
وَسَلَامًا .
أخرجه أحمد (4/24) .
والحديث رواه عدد من الصحابة ، وبألفاظ مختلفة ، فمن الصحابة أبو هريرة ،
وأبو سعيد الخدري ، وأنس ، ومعاذ .
وقال البيهقي في " الاعتقاد " ( ص 203) عقب حديث أبي هريرة : وهذا إسناد صحيح
.
وجمع طرق الحديث العلامة الألباني في الصحيحة (1434 ، 2468) ، وقال : وأما
حديث الأسود وأبي هريرة ؛ فقد سبق تخريجهما برقم (1434) ، وليس فيهما ذكر
المولود ، والمقصود به من أبواه من الكفار .ا.هـ.
وقد ذهب إلى هذا القول أبو الحسن الأشعري ، وهو الظاهر من كلام الحافظ
البيهقي .
قال البيهقي في " الاعتقاد ( ص 204 ) : فمن لم يواف أحد أبويه القيامة مؤمنا
يجعل امتحانه في الآخرة حيث لم يجد متبعا يلخق به في الجنة .ا.هـ.
قال الإمام ابن القيم في " أحكام أهل الذمة " (2/1137) : وهذا قول جميع أهل
السنة والحديث : حكاه الأشعري عنهم في كتاب " الإبانة " الذي اتفق أصحابه على
أنه تأليفه ، وذكره ابن فورك ، وذكره أبو القاسم ابن عساكر في تصانيفه ...
وهذا المذهب حكاه محمد بن نصر المروزي في كتابه في " الرد على ابن قتيبة "
واحتج له فقال : " ذكر الأخبار التي احتج بها من أوجب من أوجب امتحانهم
واختبارهم في الآخرة ...ا.هـ.
وقد انتصر لهذا القول شيخُ الإسلام ابنُ تيمية ، وتلميذه ابن القيم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (4/246 - 247) : وَلِهَذَا لَمَّا سُئِلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ يَمُوتُ مِنْ أَطْفَالِ
الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ صَغِيرٌ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا
عَامِلِينَ . أَيْ : اللَّهُ يَعْلَمُ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْهُمْ وَمَنْ
يَكْفُرُ لَوْ بَلَغُوا .
ثُمَّ إنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ إسْنَادُهُ مُقَارِبٌ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : " إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ اللَّهَ
يَمْتَحِنُهُمْ وَيَبْعَثُ إلَيْهِمْ رَسُولًا فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ
فَمَنْ أَجَابَهُ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ أَدْخَلَهُ النَّارَ
.
فَهُنَالِكَ يَظْهَرُ فِيهِمْ مَا عَلِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَيَجْزِيهِمْ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْعِلْمِ وَهُوَ إيمَانُهُمْ
وَكُفْرُهُمْ ; لَا عَلَى مُجَرَّدِ الْعِلْمِ . وَهَذَا أَجْوَدُ مَا قِيلَ
فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ وَعَلَيْهِ تَتَنَزَّلُ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ
.ا.هـ.
وقال أيضا (4/312) : وَأَمَّا " أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ " فَأَصَحُّ
الْأَجْوِبَةِ فِيهِمْ جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ
عَلَى الْفِطْرَةِ " الْحَدِيثَ .
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت مَنْ يَمُوتُ مِنْ أَطْفَالِ
الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ صَغِيرٌ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا
عَامِلِينَ " فَلَا يُحْكَمُ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا بِجَنَّةِ وَلَا
بِنَارِ . وَيُرْوَى " أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُمْتَحَنُونَ فِي
عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ حِينَئِذٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ
وَمَنْ عَصَى دَخَلَ النَّارَ " . وَدَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ
أَنَّ بَعْضَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَبَعْضَهُمْ فِي النَّارِ .ا.هـ.
وقال الإمام ابن القيم في طريق الهجرتين ( ص 396 ) : أنهم يمتحنون في عرصات
القيامة ويرسل إليهم هناك رسول ، وإلى كل من لم يبلغه الدعوة ؛ فمن أطاع
الرسول دخل الجنة ، ومن عصاه أدخله النار . وعلى هذا يكون بعضهم في الجنة
وبعضهم في النار . وبهذا يتألف شمل الأدلة كلها وتتوافق الأحاديث ، ويكون
معلوم الله الذي أحال عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول : " الله أعلم
بما كانوا عاملين " يظهر حينئذ ، ويقع الثواب والعقاب عليه حال كونه معلوما
علما خارجيا لا علما مجردا ، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد رد جوابهم
إلى علم الله فيهم .ا.هـ.
وقد رجح هذا القول العلامة الشيخ عبد
العزيز بن باز - رحمه الله - فقد سئل :
قرأت في كتاب شفاء العليل رواية عن أم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها حينما توفي طفل قالت طوبى لك طير من طيور الجنة
فقال صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عائشة أنه في الجنة لعل الله اطلع على
ما كان يفعل ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم قال : رفع القلم عن ثلاثة ذكر منهم:
الطفل حتى يحتلم والروايتان صحيحتان فلا أدري كيف الجمع بينهما.
الجواب:
هذا الحديث حديث صحيح عند الشيخين، قالت فيه عائشة رضي الله عنها : عصفور من
عصافير الجنة . قال النبي : لا يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها
وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ،
والمقصود من هذا منعها من أن تشهد لأحد معين بالجنة أو بالنار ، ولو كان طفلا
لا يشهد له ؛ فقد يكون تابعا لأبويه وأبواه ليسا على الإسلام وإن أظهراه ،
فالإنسان قد يظهر الإسلام نفاقا ، وقد تظهره أمه نفاقا ، فلا يشهد لأحد
بالجنة أو بالنار ، ولو طفلا ، ولا يقال هذا من أهل الجنة قطعا ؛ لأنه لا
يدري عن حالة والديه ، والأطفال تبع لآبائهم . ومن كان مات على الصغر ولم
يتبع للمسلمين فإنه يمتحن يوم القيامة على الصحيح ، فإذا كان ليس ولدا
للمسلمين بل لغيرهم من الكفار فإنه يمتحن يوم القيامة ، فإن أطاع دخل الجنة ،
وإن عصى دخل النار ، كأهل الفترة ، فالصحيح أنهم يمتحنون ، فهكذا الأطفال ،
ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين قال : الله أعلم
بما كانوا عاملين .
وجاء في السنة ما يدل على أنهم يمتحنون ، يعني يختبرون يوم القيامة ، ويؤمرون
بأمر ، فإن أطاعوا دخلوا الجنة ، وإن عصوا دخلوا النار ، فالمقصود من هذا أنه
لا يشهد لأحد معين بجنة ولا بنار إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم ،
هذه قاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة .
فإنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على عائشة لأنها شهدت بالتعيين ؛ لأنها
قالت : عصفور من عصافير الجنة ، فلهذا أنكر عليها أن تقول هذا ؛ لأن هناك
شيئا وراء هذا الأمر قد يكون سببا لعدم دخوله الجنة ، وأنه يمتحن يوم القيامة
، لأن والديه ليسا على الإسلام .
أما أولاد المسلمين فإنهم تبع لآبائهم عند أهل السنة والجماعة في الجنة ،
وأما أولاد الكفار فإنهم يمتحنون يوم القيامة وهذا هو الحق ، فمن أطاع يوم
القيامة دخل الجنة ومن عصى دخل النار ، كأهل الفترة ، هذا هو الصواب وهذا وجه
الحديث.
http://www.binbaz.org.sa/last_resault.asp?hID=4486
وفي سؤال آخر في مجموع فتاوى الشيخ
(2/712 - 713) :
قارئ يسأل : الطفل الذي ولد من أبوين
كافرين ومات قبل بلوغه سن التكليف هل هو مسلم عند الله أم لا ؟ وإذا كان
مسلما فهل يجب على المسلمين أن يغسلوا جنازته ويصلوا عليه ؟ أفيدونا مأجورين
.
الجواب :
إذا مات غير المكلف بين والدين كافرين فحكمه حكمهما في أحكام الدنيا ؛ فلا
يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين .
أما في الأخرة فأمره إلى الله سبحانه ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه لما سئل عن أولاد المشركين قال : " اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا
عَامِلِينَ " .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن علم الله فيهم يظهر يوم القيامة ، وأنهم
يمتحنون كما يمتحن أهل الفترة ونحوهم ، فإن أجابوا إلى ما يطلب منهم دخلوا
الجنة ، وإن عصوا دخلوا النار . وقد صحت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه
وسلم في امتحان أهل الفترة يوم القيامة . وهم الذين لم تبلغهم دعوة الرسل ومن
كان في حكمهم كأطفال المشركين لقول الله عز وجل : " وَمَا كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " [ الإسراء : 15 ] .
وهذا القول هو أصح الأقوال في أهل الفترة ونحوهم ممن لم تبلغهم الدعوة
الإلهية ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم
وجماعة من السلف والخلف رحمة الله عليهم أجمعين .
وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله الكلام في حكم أولاد المشركين وأهل
الفترة في آخر كتابه " طريق الهجرتين " تحت عنوان " طبقات المكلفين " .ا.هـ.
وهذا رابط صوتي فيه جواب سؤال للشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - .
http://islamway.com/bindex.php?section=fatawa&fatwa_id=1133
وسئلت اللجنة الدائمة في فتاويها
(3/365) :
س : ما مصير أبناء الكفار يوم القيامة
؟
جـ : الصحيح من أقوال العلماء أن الله تعالى يمتحنهم يوم القيامة فمن أطاع
فهو من أهل الجنة ومن عصى فهو من أهل النار . وفي هذا تفسير لقوله صلى الله
عليه وسلم : " اللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ " جوابا لمن سأله عن
أولاد الكفار .ا.هـ.
الـقَـولُ الـثَّـامِـنُ :
إنهم يصيرون ترابا .
قاله ثمامة بن أشرس النميري وهو أحد كبار المعتزلة ومن رؤوس الغواية والضلال
حكاه ابن القيم في طريق الهجرتين (ص661) .
وقال في " أحكام أهل الذمة " (2/1135) : حكاه أرباب المقالات عن ثمامة بن
أشرس ، وهذا قول لعله اخترعه من تلقاء نفسه ، فلا يعرف عن أحد من السلف ،
وكأن قائله رأى أنهم لا ثواب لهم ولا عقاب ، فألحقهم بالبهائم .
والأحاديث الصحاح والحسان وآثار الصحابة تكذب هذا القول ، وترد عليه قوله
.ا.هـ.
الـقَـولُ الـتَّـاسِـعُ :
الإمساك عن الخوض في هذه المسألة
مطلقا وكراهة الكلام فيه جملة .
وهو منقول عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما ومحمد بن الحنفية والقاسم بن
محمد وغيرهم .
أدلـةُ الـقـائـلـيـنَ بـهـذا
الـقـولِ :
- عَنِ جَرِير بْن حَازِم قَالَ :
سَمِعْت أَبَا رَجَاء الْعُطَارِدِيّ قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول -
وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر - قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " لَا يَزَال أَمْر هَذِهِ الْأُمَّة قِوَامًا أَوْ مُقَارِبًا ,
مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْوِلْدَان وَالْقَدَر " .
قَالَ أَبُو حَاتِم : الْوِلْدَان أَرَادَ بِهِمْ أَطْفَال الْمُشْرِكِينَ .
رواه ابن حبان (6724) ، والحاكم (1/33) .
قال الإمام ابن القيم في حاشية على سنن أبي داود (12/484) : وَأَمَّا حَدِيث
أَبِي رَجَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْمَنْع مِنْ الْكَلَام فِيهِمْ ,
فَفِي الْقَلْب مِنْ رَفْعه شَيْء .ا.هـ.
وقد رد الإمام ابن القيم على القائلين بهذا القول ، فقال في الموضع الآنف :
وَفِيمَا اِسْتَدَلَّتْ بِهِ هَذِهِ الطَّائِفَة نَظَر , وَالنَّبِيّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُجِبْ فِيهِمْ بِالْوَقْفِ وَإِنَّمَا
وَكَّلَ عِلْم مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ لَوْ عَاشُوا إِلَى اللَّه ,
وَهَذَا جَوَاب عَنْ سُؤَالِهِمْ " كَيْف يَكُونُونَ مَعَ آبَائِهِمْ
بِغَيْرِ عَمَل ؟ " وَهُوَ طَرَف مِنْ الْحَدِيث .
وَيَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث عَائِشَة الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي
أَوَّل بَاب , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَّلَ
الْعِلْم بِعَمَلِهِمْ إِلَى اللَّه , وَلَمْ يَقُلْ " اللَّه أَعْلَم حَيْثُ
يَسْتَقِرُّونَ , أَوْ أَيْنَ يَكُونُونَ " . ا.هـ.
وقال أيضا في " أحكام أهل الذمة " (2/1090) : وأما حديث أبي رجاء العطاردي عن
ابن عباس ففي " رفعه " نظر ، والناس إنما رووه " موقوفا عليه " وهو الأشبه ،
وابن حبان كثيرا ما يرفع في كتابه ما يعلم أئمة الحديث أنه موقوف : كما رفع
قول أبي بن كعب : " كل حرف في القرآن في القنوت فهو الطاعة " وهذا لا يشبه
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وغايته أن يكون كلام أبيّ .
والحديث ولو صح إنما يدل على ذم من تكلم فيهم بغير علم ، أو ضرب النصوص بعضها
ببعض كما يفعله أهل الجدل والمباحثة الذين لا تحقيق عندهم ولم يصلوا في العلم
غايته ، بل هم في أطراف أذياله ، وبلا الأمة من هذا الضرب ، وهم الغالب على
الناس ، وبالله التوفيق .ا.هـ.
قال ابن كثير في " تفسيره " عقب الحديث : وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْر
الْبَزَّار مِنْ طَرِيق جَرِير اِبْن حَازِم بِهِ ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ
رَوَاهُ جَمَاعَة عَنْ أَبِي رَجَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس مَوْقُوفًا .ا.هـز
ونقل الحافظ ابن حجر في " مختصر زوائد مسند البزار (2/154) : قال البزار : قد
رواه جماعة فوقفوه على ابن عباس .ا.هـ.
والحديث رواه جعفر الفريابي في كتاب " القدر " (258 ، 259 ) موقوفا على ابن
عباس ، وقال المحقق عمرو عبد المنعم سليم في الحاشية : وقد روي مرفوعا عن
جرير ، والأصح الوقف .ا.هـ.
الـقَـولُ الـعَـاشِـرُ :
إنهم مردودون إلى محض مشيئة الله بلا
سبب ولا عمل .
وهو قول الجبرية نفاة الحكمة والتعليل .
قال الإمام ابن القيم في " أحكام أهل الذمة " (2/1126) في الرد على هذا القول
: وهذا قول الجبرية نفاة الحكمة والتعليل ، وقد ظن كثير من هؤلاء أن جواب
النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عنهم فقال : " اللَّه أَعْلَم بِمَا
كَانُوا عَامِلِينَ " ، وهذا الفهم غلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجوابه لا يدل على ذلك أصلا ، بل هو حجة عليهم ، فإنه لم يقل : هم في مشيئة
الله ، يفعل فيهم ما يشاء بلا سبب ولا عمل ، بل أخبر أن الله يعلم أعمالهم
التي يستحقون بها الثواب أو العقاب لو عاشوا ...
وهذا المذهب مبني على أصول الجبرية المنكرين للأسباب والحكم والتعليل ، وهو
مذهب مخالف للعقل والفطرة والقرآن والسنة وجميع ما جاءت به الرسل .ا.هـ.
هذا مجمل الأقوال في هذه المسألة . والله أعلم .
الفائدة
الأولى |
الفائدة الثاني
رابط الموضوع