الأخ الدارقطني .
قصة أم معبد وردت من عدة طرق ، وقد
جمعها الدكتور سليمان بن علي السعود في كتاب " أحاديث الهجرة . جمع وتحقيق
ودراسة " ( ص 152 - 163 ) ، وملخص ما وصل إليه الباحث ما قاله :
أقول قصة أم معبد هذه تتقوى إلى درجة
الحسن بأمرين :
الأول :
أنها رويت بطرق كثيرة كما تقدم ، وهذه الطرق يشد بعضها بعضا .
الثاني :
شهرة هذه القصة واستفاضتها عند علماء السيرة وغيرهم .
وقال ابن كثير رحمه الله بعد ما ساق بعض طرقها : وقصتها مشهورة مروية من طرق
يشد بعضها بعضا . انظر البداية والنهاية 3/190 .ا.هـ.
وممن حسن طرقها أيضا العلامة الألباني رحمه كما في تعليقه على فقه السيرة ( ص
168 ) فقال : ثم وجدت الحديث موصولا أخرجه الحاكم ( 3/9-10 ) من حديث هشام بن
حبيش وقال : " صحيح الإسناد " ، ووافقه الذهبي وفيما قالاه نظر ، وقال
الهيثمي ( 6/ 58 ) : رواه الطبراني وفي إسناده جماعة لم أعرفهم . لكن للحديث
طريقين آخرين أوردهما الحافظ ابن كثير في البداية (3/192-194 ) فالحديث بهذه
الطرق لا ينزل عن رتبة الحسن .ا.هـ.
وممن جمع طرقها ورسم شجرةً الدكتور أكرم ضياء العمري في كتاب " السيرة
النبوية الصحيحة . محاولة تطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية
" ( 1/212 - 215 ) ، وإليك ما قاله الدكتور العمري :
وقد اشتهر في كتب السيرة والحديث خبر نزول الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه
بخيمة أم معبد بقديد طالبين القِرى ، فاعتذرت لهم لعدم وجود طعام عندها إلا
شاة هزيلة لا تدر لبنا . فأخذ الشاة فمسح ضرعها بيده ، ودعا الله ، وحلب في
إناء ، حتى علت الرغوة وشرب الجميع ، ولكن طرقها ما بين ضعيفة وواهية إلا
طريقا واحدة يرويها الصحابي قيس بن النعمان السكوني ونصها : " لما انطلق رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر يستخفيان نزلا بأبي معبد فقال : والله ما
لنا شاة ، وإن شاءنا لحوامل فما بقي لنا لبن ... .ا.هـ.
وذكر في الحاشية ( 1/213) طرق الحديث ، وقبل ذلك رسم شجرة لطرق الحديث ،
وسأذكر ما سطره الدكتور من طرق لهذا الحديث وخلاصة بحثه :
أخرجها ابن إسحاق بإسناد معضل كما في " دلائل النبوة " للبيهقي (2/493) من
رواية يونس بن بكير عنه .
- وابن حزيمة كما ذكر ابن حجر في الإصابة . ولم أقف على سنده .
- والطبراني : المعجم الكبير (4/56) بإسناد فيه مكرم بن محرز انفرد ابن حبان
بتوثيقه ( الثقات 9/207) ، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحا ولا تعديلا (الجرح
والتعديل 8/443) وفيه محرز بن مهدي مجهول ، وهشام بن خنيس مجهول الحال . وقال
الهيثمي : وفي إسناده جماعة لم أعرفهم (مجمع الزوائد 6/58) .
- وأخرجه الطبراني من طريق آخر فيه عبد العزيز بن يحيى المديني نسبه البخاري
وغيره إلى الكذب وفيه مجاهيل أيضا كما يقول الهيثمي ( مجمع الزوائد 8/279 ،
وانظر ميزان الاعتدال 3/573 ، والضعفاء للعقيلي 4/74) .
- وأخرجه ابن سعد : الطبقات 1/230 بإسناد واهٍ فيه سليمان بن عمرو النخعي ،
وقد دلس اشمه عبد الملك بن وهب المذحجي وهو كذاب ( الكامل لابن عدي 3/1096) .
- وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير 2/1/84 وفي إسناده عبد الملك بن وهب
الدحجي كذاب ( التاريخ الكبير 2/2/28) وشك البخاري في انقطاع السند .
- وأخرجه البزار بإسنادين أحدهما فيه عبد الركمن بن عقبة مجهول الحال ويعقوب
بن محمد الزهري صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء ( كشف الأستار 2/301)
ومن اختلاف متنه قوله " نزلا بأبي معبد " وذكره إسلام أبي معبد آنذاك .
وهذه الرواية من حديث قيس بن النعمان أخرجها الطبراني بسند صحيح وسياق أتم
فيما ذكر ابن حجر ( الإصابة 5/506) .
وساقها الحاكم في المستدرك 3/9 من حديث هشام بن حبيش مجهول الحال . وساقها من
طريق قيس بن النعمان 3/8 - 9 ، ولم يصرح باسم الراعي .
وأخرجه البغوي وابن شاهين وابن مندة من طريق حزام بن هشام بن حبيش بن خالد عن
أبيه ( السيوطي : الخصائص الكبرى 1/309)
وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني بسنده من حديث هشام بن حبيش ( دلائل 282) .
وأخرجه ابن سيد الناس من طريق أبي بكر الشافعي بإسناد فيه الكديمي وعبد
العزيز بن يحيى متهمان ( عيون الأثر 1/188) .
وبإسناد فيه ابن إسحاق عن أسماء بنت أبي بكر معضلاً .
وبإسناد فيه هشام بن حبيش مجهول الحال ، وأضاف ابن سيد الناس إلى أسانيد أبي
بكر الشافعي سندا فيه سيف بن عمر التميمي وهو متروك .
وساق ابن كثير الخبر من طريق ابن أبي ليلى ، وليس فيه التصريح بأم معبد أو
بأبي معبد ، فسنده منقطع . كما ساقها من رواية البزار بالسند الذي فيه عبد
الرحمن بن عقبة ( البداية والنهاية 3/189) . ثم ساقها ابن كثير بواسطة
البيهقي وفي إسناده عبد الملك بن وهب المذحجي كذاب ( البداية والنهاية 3/190)
ويرى ابن كثير أن قصة أم معبد مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا ( البداية
والنهاية 3/188) .
ثم إن الحافظ ابن حجر ذكر أن ابن مندة ساقها من طريق عبد الرحمن بن عقبة (
الإصابة 6/169) وقد سبق أنه مجهول الحال .
وذكر الحافظ ابن حجر أيضا ( الإصابة 8/306 - 307) أن ابن السكن أخرجها من
طريقين :
طريق ابن الأشعث حفص بن يحيى التيمي ولم أقف على ترجمته ، ومن طريق آخر بسند
لم يذكر ابن حجر سائر رجاله لكن متن روايتي ابن السكن مخالف لمتون الروايات
الأخرى .
كذلك أخرج القصة ابن عبد البر في الإستيعاب (1958) بإسناد فيه الحكم بن أيوب
الخزاعي انفرد ابن حبان بتوثيقه (لسان الميزان 1/478) وذكره ابن أبي حاتم في
الجرح والتعديل (2/245) فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وفيه محمد بن سليمان بن
الحكم الخزاعي ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 7/269 ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا ، ولكنه كتب عنه فيبدو أنه - على الأقل - يُعتبر بحديثه . وفيه
عبد الله بن محمد بن عيسى بن حكيم لم أقف على ترجمته .
وكذا لا يخلو من طريق من طرقها من العلل القادحة ، وهي بمجموع طرقها لا تصلح
للاحتجاج بها في موضوعات المعجزات . ولكن حديثي التابعي الكبير عبد الرحمن بن
أبي ليلى والصحابي جابر بن عبد الله هما أمثل طرق قصة أم معبد يعتضدان إلى
الحسن لغيره . لكنهما لا يقويان على مناهضة حديث قيس بن النعمان من طريق
الطيالسي فإنه حسن لذاته بل يرى ابن حجر أنه صحيح .ا.هـ.
وأظن أخي الدارقطني في هذا البيان كفاية . والله أعلم .
رابط الموضوع