بسم الله الرحمن الرحيم

كُنَّاشَةُ الشبكةِ العنكبوتيةِ


 الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

تمرُ على الإنسانِ سواءٌ كان طالبَ علمٍ أو غيرهِ أثناء القراءةِ بعضُ الفوائدِ المهمةِ التي يحتاجها لاحقاً ، وهذه الفوائدُ لا بد من تقيديها وإلا ضاعت ، وقد كان هذا الفعلُ دأبُ المتقدمين والمتأخرين من أهلِ العلمِ والعلماءِ .

وإليكم ما قالهُ ونقلهُ الشيخُ علي العمران في " المشوق إلى القراءةِ وطلبِ العلم" ( ص 119 ) بخصوصِ أمر تقييدِ الفوائدِ وأهميته : إذا انخرط الطالبُ في سِلكِ القُرَّراءِ وانضم إلى ناديهم ، فلابُدَّ له من استثمارِ قراءتهِ وتوظيفها ، ليجني منها ما تمنى ، ولا يضيعُ تعبهُ سدى ... قال الإمامُ النووي [ المجموع (1/39) ] – وهو يرشدُ الطالبَ إلى تعليقِ النفائسِ والغرائبِ مما يراهُ في المطالعةِ أو يسمعهُ من شيخه - : " ولا يحتقرن فائدةً يراها أو يسمعها في أي فن كانت ، بل يبادرُ إلى كتابتها ، ثم يواظبُ على مطالعةِ ما كتبه ... " .

وقال أيضاً [ المجموع (1/38) ] ولا يؤخرُ تحصيلَ فائدةٍ – وإن قَلَّت – إذا تمكن منها ، وإن أمِنَ حصولها بعد ساعةٍ ، لأن للتأخيرِ آفاتٌ ، ولأنهُ في الزمنِ الثاني يُحَصِّلُ غيرها " .

فهذهِ نصيحةٌ غاليةٌ ، ولفتةٌ من إمامٍ فتمسك بها تُفْلِح .

فكم من عالمٍ أبدى أسفه وحسرتهُ على فوائد فاته تقييدها فشردت ، أو اتكل على حافظته فخانته ( والحفظُ خوانٌ ) ، فهذا الإمامُ ابنُ حجر ( حافظ عصره ) فاته تقييدُ شيءٍ من الفوائدِ فتأسف عليه ، قال تلميذهُ السخاوي في " الجواهر والدرر " (2/611) : " أما التفسير فكان آيةً من آياتِ الله تعالى ، بحيث كان يُظْهِرُ التأسفَ في إهمالِ تقييد ما يقع له من ذلك مما لا يكونُ منقولاً ... وفي أواخرِ الأمرِ صار بعضُ طلبتهِ يعتني بكتابةِ ذلك " .ا.هـ.

ثم ذكر الشيخُ علي العمران أمثلةً من سير العلماءِ في هذا الباب نأخذُ واحداً منها فقال : " فهذا الإمامُ البخاري ( جبلُ الحفظِ ) يستيقظُ مراتٍ كثيرةٍ في الليلِ ليقيِّد الفوائد ، قال راويتهُ الفربري : " كنتُ مع محمدِ بنِ إسماعيل بمنزلةِ ذات ليلةٍ ، فأحصيتُ عليه أنه قام وأسْرَجَ يستذكرُ أشياءَ يعلقها في ليلةٍ ثمان عشرة مرة " .

ثم ذكر الشيخُ علي العمران ما صنف في هذا الباب فقال : " وقد دون كثيرٌ من العلماءِ هذه الفوائد في كتبٍ مفردةٍ ، مثل : " الفنون " لابن عقيل وهو من أضخم الكتبِ ، " والفوائدُ العونيةُ " للوزيرِ ابنِ هبيرةِ ، و" صيد الخاطر " وغيره لابن الجوزي ، و"قيد الأوابد " في ( 400 مجلد ) للدغولي ، و" عيون الفوائد " لابن النجار في ( 6 أسفار ) ، و" بدائع الفوائد " و" الفوائد " لابن القيم ، و" التذكرة " للكندي في ( 50 مجلداً ) ، و" مجمع الفوائد ومنبع الفرائد " للمقريزي كالتذكرة في نحو ( 100 مجلد ، وقيل 80 ) وغيرها كثير " .ا.هـ.

وما زال العلماءُ وطلبةُ العلم يؤلفون في بابِ الفوائد من الكتبِ حتى من المعاصرين .

هذا الشيخُ ابنُ عثيمين يقولُ في مقدمةِ " فرائدِ الفوائدِ " : " كنت أقيد بعض المسائل الهامة ، التي تمر بي ـ حرصاً على حفظها ، وعدم نسيانها ـ في : " دفتر" ، وسميتها : " فرائد الفوائد " . وقد انتقيت منها ما رأيته أكثر فائدة ، وأعظم أهمية ؛ وسمّيت ذلك : " المنتقى من فرائد الفوائد " .ا.هـ

ويقولُ مصطفى السباعي رَحِمَهُ اللَّهُ ، في مقدمة كتابه : ” القلائد من فرائد الفوائد ” : كان دأبُ طلابِ العلمِ ـ ولا يزلون كذلك ـ أن يقيدوا ما يجدونه من فوائد متناثرة ، خلال مطالعاتهم ، في أوراق خاصة ، يرجعون إليها عند الحاجة لها ، وقد كان مما يوصي به علماؤنا طلابَهم : ” قَيِّدُوا العِلْمَ بالكِتابِ ” أ.هـ

طريقةُ تقييدِ الفوائدِ :
تختلفُ طريقة التقييد للفوائدِ من شخصٍ لآخر .

نقل الشيخُ عبد الله الشمراني في " كُنَّاشهِ " تحت الفائدة الثالثة " فائدة في تقييد الفوائد، والدرر " عن فضيلةِ الشيخِ ، العلامة ، الدكتور بكر بن عبدالله أبو زيد ـ حَفِظَهُ اللَّه ـ في كتابه : ”حلية طالب العلم” (ص 175 ـ 176) أنه قال : " ابذُلِ الجُهْدَ في حفظ العلم ( حفظ كتاب ) ؛ لأنَّ تقييدَ العلم بالكتابةِ أمانٌ من الضيَّاعِ ، وقَصْرٌ لمسافةِ البحث عند الاحتياجِ ، لا سيَّما في مسائلِ العلمِ التي تكونُ في غير مظانِّها ، ومن أَجِلِّ فوائده أنَّه عند كِبَرِ السنِّ وضَعْف القوى ، يكون لديك مادَّةٌ تَسْتَجِرُّ منها مادَّةً تكتبُ فيها بلا عناءٍ في البحث والتقصِّي .

ولذا فاجعل لك ” كُنَاشا ً” ، [ الكُنَاشَ : بضم الكاف ، وتخفيف النون ، وشين معجمة ، على وزن : ( غراب ) ، لفظ سرياني ، بمعنى : المجموعة ، والتذكرة ] أو ” مُذَكِّرة ” ، لتقييدِ الفوائدِ ، والفرائدِ ، والأبحاثِ ، المنثورةِ في غيرمظانِّها ، وإنِ استعملتَ غلافَ الكتابِ لتقييدِ ما فيه من ذلك ؛ فَحَسَنٌ ، ثم تنقُلُ ما يجتمعُ لك بَعْدُ في مذكِّرة مرتباً له على الموضوعاتِ ، مُقَيِّداً رأْسَ المسألة ، واسْمَ الكتابِ ، ورقمَ الصفحة والمُجَلَّد ، ثم اكْتُب على ما قَيَّدْتَهُ : ” نُقِل ” ، حتى لا يختلطَ بما لم يُنْقَل ، كما تكتبُ : ” بَلَغَ صفحة كذا ” فيما وَصَلْتَ إليه من قراءةِ الكتاب ، حتى لا يفوتَك ما لم تبلُغْه قراءةً .

وللعُلماء مؤلفاتٌ عدَّة في هذا؛ منها : ” بدائع الفوائد ” لابن القيِّم ، و ” خبايا الزوايا ” للزَّرْكَشي ، ومنها كتاب : ” الإغفال ” ، و ” بقايا الخباي ا”، وغيرها .

وعليه فَقَيِّدِ العلمَ بالكتاب لا سيَّما بدائعَ الفوائدِ في غير مظانِّها ، وخَبَايا الزوايا في غير مساقِها ، ودُرَراً منثورةً تراها وتسمعُها تخشى فواتها ، وهكذا؛ فإنَّ الحفظَ يضعُفُ ، والنِّسيان يَعْرِضُ .

قال الشعبي: " إذا سمعتَ شيئاً فاكْتُبْه ، ولو في الحائِطِ " . رواه ابن أبي خَيْثَمةُ

وإذا اجتمع لديك ماشاء اللهُ أن يجتمعَ فَرَتِّبْه في : ” تذكِرة ” ، أو ” كُنَاش ” على الموضوعاتِ ، فإنَّه يُسْعِفُك في أضيقِ الأوقاتِ ، التي قد يَعْجَزُ عن الإدراكِ فيها كبارُ الأثباتِ " .ا.هـ

وقال أيضا الشيخ الشمراني في الحاشية : " وبعضهم يرى تقييد ” الفوائد ” في نفس الكتاب المأخوذة منه ، وغالبهم يجعل من الورقات الأُوَل البيض للكتاب ( ما بعد الغلاف ) مكاناً لتسويد ” الفوائد ” الموجودة في نفس الكتاب .ا.هـ.

فكلُ واحدٍ له طريقتهُ الخاصة في كتابةِ الفوائدِ ، ولك أخي أن تختارَ أيها شئت مما ذكر آنفاً .

وبما أن هذه الفوائد قد تمرُ على أحدنا فيُسَوُّفُ في كتابتها في حينها رأيتُ أن أضعَ موضوعاً في الساحاتِ لجمعِ الفوائدِ التي يصطادها الإخوةُ من طلبة العلم خلال القراءةِ ثم يضعها هنا مع الأخذِ في الاعتبارِ ما يلي :

أولاً : ذكرُ مصدرِ الفائدةِ [ الكتاب ، الجزء ، الصفحة ، الطبعة ] ، وهذا من بابِ الأمانةِ العلميةِ في النقلِ ، إلى جانبِ الرجوعِ إليها حال الحاجةِ إليها .

ثايناً : إذا نقلت من كتابٍ ، وصاحبُ الكتابِ نقل من كتابٍ آخر فلابد من ذكر المصدر الذي نقلت منه مع العزو إلى المصدر الذي نقل منه صاحب الكتاب .

ثالثا : ذكر عنوانٍ للفائدةِ يناسبها ، ولو كان باقتباس عبارةٍ من الفائدةِ المنقولةِ .

رابعا : تصنيف الفائدةِ من جهةِ موضعها فتقولُ مثلاً : فائدةٌ فقهيةٌ ، فائدةٌ حديثية ، فائدةٌ تاريخية ، فائدةٌ إسنادية ... وهكذا .

خامساً : قد تكونُ القائدةُ في أكثرِ من مصدرٍ فأنت بالخيارِ إما أن تنقلها من مصدرٍ واحد ثم تعزو للباقي ، أو أنك تنقلها بنصها من باقي المصادر وهذا أفضل لكي يعلم الفرق بينها .

سادساً: ترقيمُ الفائدةِ بحسب ما يوضعُ في المقال ... على سبيل المثال : وضعتُ الفائدة رقم 4 ، يأتي الذي بعدي بفائدة يجعلها رقم 5 وهكذا دواليك . فلابد قبل طرحِ الفائدة أن تستعرضَ جميع الردود لكي لا يحصل تكرارٌ في الأرقامِ .
وإليكم طريقة كتابة الفائدة :

فائدةٌ تاريخية رقم ( 1 )
عنوانُ الفائدةِ
نص الفائدةِ
المصدر : الجلد / الصفحة

وختاماً ؛ لا تبخل أخي طالب العلمِ من وضعِ ما لديك من الفوائدِ ، وإن لم تستطع المشاركةَ فلا عليك إلا أن ترسلَ بفائدتك على بريدي الخاص الموجود في ملفي الشخصي ، وأبشر بما يسرك إن شاء الله ، واحتسب الأجرَ ، وأسألُ اللهَ أن يجعل في هذا المقال النفعَ والفائدةَ ، آمين .


فائدةٌ في العلمِ
حراسةُ العلمِ أولى من حراسةِ العالمِ

قال الشيخُ علي العمران : " ولهذهِ الكلمةِ قصةٌ ، من المناسبِ أن نسوقها .

قال أبو حيان التوحيدي [ البصائر والذخائر (9/20) ] : قال أبو سعيد السيرافي : " كان أبو بكر - يعني ابن دُريد - ضعيفاً في التصريفِ والنحو خاصةً ، وفي كتابِ " الجمهرةِ " خللٌ كثيرٌ ، قلنا له : " فلو فصلت بالبيانِ عن هذا الخللِ ، وفتحت لنا باباً من العلمِ ، فقال : " نحنُ إلى سترِ زلاتِ العلماءِ أحوجُ منا إلى كشفها ، وانتهى الكلامُ .

فلما نهضنا من مجلسهِ قال بعضُ أصحابنا : " قد كان ينبغي لنا أن نقولَ له : " حراسةُ العلمِ أّوْلى من حراسةِ العَالمِ " ، وفي السكوتِ عن أبي بكرٍ إجلالٌ ، ولكن خيانةٌ للعلمِ " .

المصدرُ
تعقباتُ الحافظِ ابنِ حجر على الإمامِ الذهبي في ميزانِ الاعتدال ( ص 6 )
جمعها وعلق عليها : علي بن محمد العمران


فائدةٌ رقم (2)
فائدةٌ لغويةٌ
اللحنُ في الكلامِ

‏عَنْ ‏‏ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ ‏‏قَالَ ‏: " ‏تَحَدَّثْتُ أَنَا ‏‏وَالْقَاسِمُ ‏عِنْدَ ‏عَائِشَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏حَدِيثًا ، وَكَانَ ‏‏الْقَاسِمُ ‏رَجُلًا ‏‏لَحَّانَةً ‏ ‏وَكَانَ لِأُمِّ وَلَدٍ فَقَالَتْ لَهُ ‏عَائِشَةُ :‏" ‏مَا لَكَ لَا تَحَدَّثُ كَمَا يَتَحَدَّثُ ابْنُ أَخِي هَذَا ،أَمَا إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتَ ، هَذَاأَدَّبَتْهُ أُمُّهُ ، وَأَنْتَ أَدَّبَتْكَ أُمُّكَ " ، قَالَ فَغَضِبَ ‏الْقَاسِمُ ‏‏وَأَضَبَّ ‏عَلَيْهَا ، فَلَمَّا رَأَى مَائِدَةَ ‏عَائِشَةَ ‏‏قَدْ أُتِيَ بِهَا قَامَ قَالَتْ : " أَيْنَ ؟ " ، قَالَ : " أُصَلِّي " ، قَالَتْ : " اجْلِسْ " ، قَالَ : " إِنِّي أُصَلِّي " ، قَالَتْ : " اجْلِسْ ‏غُدَرُ إِنِّي ‏ ‏سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَقُولُ : "‏ ‏لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ ‏‏الْأَخْبَثَانِ " .  رواهُ مسلمٌ (560)

لَحَّانَة : كَثِير اللَّحْن فِي كَلَامه

وقد ورد في تراجمِ عددٍ من أهلِ العلمِ أنهم يلحنون من ذلك ، ذكرهم الإمامُ الذهبي في " السير "

1 - نافعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَرَاوِيَتُهُ .
قال الإمام الذهبي (5/98) : وَيُقَالُ : كَانَ فِي نَافِعٍ لُكْنَةٌ وَعُجْمَةٌ . قَالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أُمَيَّةَ : كُنَّا نَرُدُّ عَلَى نَافِعٍ اللَّحْنَ، فَيَأْبَى .

2 - أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ بَهْمَنَ بنِ فَيْرُوْزٍ الأَسَدِيُّ الكِسَائِيُّ
قال الإمامُ الذهبي (9/133) : ابْنُ مَسْرُوْقٍ : حَدَّثَنَا سَلَمَةُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، قَالَ الكِسَائِيُّ : صَلَّيْتُ بِالرَّشِيْدِ ، فَأَخْطَأْتُ فِي آيَةٍ ، مَا أَخْطَأَ فِيْهَا صَبِيٌّ ، قُلْتُ : لَعَلَّهُمْ يَرْجِعِيْنَ ، فَوَاللهِ مَا اجْتَرَأَ الرَّشِيْدُ أَنْ يَقُوْلُ : أَخْطَأْتَ ، لَكِنْ قَالَ: أَيُّ لُغَةٍ هَذِهِ ؟ قُلْتُ : يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ ! قَدْ يَعْثُرُ الجَوَادُ . قَالَ: أَمَّا هَذَا فَنَعَمْ .

وَعَنْ سَلَمَةَ ، عَنِ الفَرَّاءِ ، سَمِعْتُ الكِسَائِيَّ يَقُوْلُ : رُبَّمَا سَبَقَنِي لِسَانِي بِاللَّحْنِ .

وَعَنْ خَلَفِ بنِ هِشَامٍ : أَنَّ الكِسَائِيَّ قَرَأَ عَلَى المِنْبَرِ : " أَنَا أَكْثَرَ مِنْكَ مَالاً " بِالنَّصْبِ ، فَسَأَلُوْهُ عَنِ العِلَّةِ ، فَثُرْتُ فِي وُجُوْهِهِم ، فَمَحَوْهُ ، فَقَالَ لِي : يَا خَلَفُ ! مَنْ يَسْلَمُ مِنَ اللَّحْنِ ؟

وَعَنِ الفَرَّاء ، قَالَ : إِنَّمَا تَعَلَّمَ الكِسَائِيُّ النَّحوَ عَلَى كِبَرٍ ، وَلَزِمَ مُعَاذاً الهَرَّاءَ مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الخَلِيْلِ .ا.هـ.

قال محققُ الكتابِ في الحاشيةِ : " وكان سببُ تعلمهِ أنه جاء يوماً وقد مشى حتى أعيى ، فجلس إلى القومِ فيهم فضلٌ ، وكان يجالسهم كثيراً ، فقال : قد عَيَّيْتُ ، فقالوا له : " تجالسنا وأنت تلحن " ، فقال : " كيف لحنت ؟ " فقالوا : إن كنت أردت من التعب فقل : أعييتُ ، وإن كنت أردت من انقطاع الحيلة والتحير في اللأمرِ ، فقل : " عييت " مخففة ، فأنف من هذه الكلمة ، وقام من فورهِ فسأل عمن يعلمُ النحو ، فأرشدوه إلى معاذ الهراء ، فلزمه حتى أنفد ما عنده .ا.هـ.

وجاء أيضاً في " تهذيب الكمال " (3/76) عند ترجمةِ إسماعيلَ بنِ أبي خالد : وقال هُشيم : كان لإسماعيلُ فحشَ اللحنِ ، كان يقولُ : حدثني فلانٌ عن أبوه .ا.هـ.

ولا بأس بالاجتهادِ في إصلاحِ اللحن عن طريقِ التعلمِ .

قال الإمامُ الذهبي في " السير " (7/115) : وَقَالَ بِشْرُ بنُ بَكْرٍ التِّنِّيْسِيُّ : قِيْلَ لِلأَوْزَاعِيِّ : يَا أَبَا عَمْرٍو ! الرَّجُلُ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْهِ لَحْنٌ ، أَيُقِيْمُهُ عَلَى عَرَبِيَّتِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِعَرَبِيٍّ .

قَالَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ : سَمِعْتُ الأَوْزَاعِيَّ يَقُوْلُ : لاَ بَأْسَ بِإِصلاَحِ اللَّحْنِ وَالخَطَأِ فِي الحَدِيْثِ .ا.هـ.

وقال أيضا (11/87) : وَقَالَ عَبَّاسٌ : قُلْتُ لِيَحْيَى : مَا تَقُوْلُ فِي الرَّجُلِ يُقَوِّمُ لِلرَّجُلِ حَدِيْثَهُ ؟ يَعْنِي : يَنزِعُ مِنْهُ اللَّحْنَ . فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ .


فائدة رقم (3)
الثأرُ لراويةِ الإسلام أبي هريرة رضي الله عنه

جاء في " البدايةِ والنهايةِ " (12/208) عند ترجمة " يوسف بن علي " :
أبو القاسم الزنجاني الفقيه ، كان من أهل الديانة ، حكى عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي عن القاضي أبي الطيب ، قال : كنا يوماً بجامع المنصور في حلقة فجاء شاب خراساني فذكر حديث أبي هريرة في المطر فقال الشاب : غير مقبول . فما استتم كلامه حتى سقطت من سقف المسجد حية فنهض الناس هاربين وتبعت الحية ذلك الشاب من بينهم ، فقيل له : تب تب . فقال : تبت. فذهبت فلا ندري أين ذهبت .

رواها ابن الجوزي عن شيخه أبي المعمر الأنصاري عن أبي القاسم هذا ، والله أعلم .ا.هـ.

وقال المباركفوري في " تحفة الأحوذي " (1/33) : ‏عِبْرَةٌ : قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ فِي بَحْثِ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَلَمْ يَكُونَا فَقِيهَيْنِ , وَإِنَّمَا كَانَا صَالِحَيْنِ فَرِوَايَتُهُمَا إِنَّمَا تُقْبَلُ فِي الْمَوَاعِظِ لَا فِي الْأَحْكَامِ , وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَلَى اللَّهِ وَاسْتِهْزَاءٌ فِي الدِّينِ عِنْدَ ذَهَابِ حَمَلَتِهِ وَفَقْدِ نَصَرَتِهِ ; وَمَنْ أَفْقَهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ ؟ وَمَنْ أَحْفَظُ مِنْهُمَا خُصُوصًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ بَسَطَ رِدَاءَهُ وَجَمَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ فَمَا نَسِيَ شَيْئًا أَبَدًا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْمُعَافَاةَ مِنْ مَذْهَبٍ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالطَّعْنِ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , وَلَقَدْ كُنْت فِي جَامِعِ الْمَنْصُورِ مِنْ مَدِينَةِ السَّلَامِ فِي مَجْلِسِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّامَغَانِيِّ قَاضِي الْقُضَاةِ , فَأَخْبَرَنِي بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَدْ جَرَى ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهَا بَعْضُهُمْ يَوْمًا وَذَكَرَ هَذَا الطَّعْنَ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ فَسَقَطَ مِنْ السَّقْفِ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَتْ فِي سَمْتِ الْمُتَكَلِّمِ بِالطَّعْنِ وَنَفَرَ النَّاسُ وَارْتَفَعُوا وَأَخَذَتْ الْحَيَّةُ تَحْتَ السَّوَارِي فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَتْ , فَاِرْعَوى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ مِنْ التَّرَسُّلِ فِي هَذَا الْقَدْحِ . اِنْتَهَى .


فائدة رقم (4)
العلامةُ الألباني يصححُ فهمَ حديث : " ‏مَنَعَتْ ‏‏الْعِرَاقُ ‏‏دِرْهَمَهَا ‏‏وَقَفِيزَهَا ... "

قال العلامةُ الألباني في " الصحيحة " (7/1/198 رقم 3072) : وأيضاً ؛ فإنهُ يشهدُ له حديثُ أبي هريرةَ مرفوعاً بلفظ :

" ‏مَنَعَتْ ‏‏الْعِرَاقُ ‏‏دِرْهَمَهَا ‏‏وَقَفِيزَهَا ،‏ ‏وَمَنَعَتْ ‏‏الشَّأْمُ ‏‏مُدْيَهَا ‏‏وَدِينَارَهَا ، وَمَنَعَتْ ‏‏مِصْرُ ‏إِرْدَبَّهَا ‏‏وَدِينَارَهَا ... " الحديث .

رواهُ مسلمٌ وغيرُهُ ، وهو مخرجٌ في " صحيحِ أبي داود " (2679) ، وأخرجهُ البيهقي (9/137) ، وابن عبد البر في " التمهيد " (6/457) .

( فائدةٌ ) : قال النووي رحمهُ اللهُ في " شرح مسلم " :

وَفِي مَعْنَى مَنَعَتْ الْعِرَاق وَغَيْرهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ :

أَحَدهمَا : لِإِسْلَامِهِمْ , فَتَسْقُط عَنْهُمْ الْجِزْيَة , وَهَذَا قَدْ وُجِدَ .

وَالثَّانِي : أَنَّ الْعَجَم وَالرُّوم يَسْتَوْلُونَ عَلَى الْبِلَاد فِي آخِر الزَّمَان , فَيَمْنَعُونَ حُصُول ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ , وَقَدْ رَوَى مُسْلِم هَذَا بَعْد هَذَا بِوَرَقَاتٍ عَنْ جَابِر قَالَ : يُوشِك أَلَّا يَجِيء إِلَيْهِمْ قَفِيز ... " فذكر الحديث ، قال النووي :

" وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي زَمَاننَا فِي الْعِرَاق , وَهُوَ الْآن مَوْجُود .

وَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ يَرْتَدُّونَ فِي آخِر الزَّمَان , فَيَمْنَعُونَ مَا لَزِمَهُمْ مِنْ الزَّكَاة وَغَيْرهَا . ‏

‏وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَة تَقْوَى شَوْكَتهمْ فِي آخِر الزَّمَان ؛ فَيَمْتَنِعُونَ مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ مِنْ الْجِزْيَة وَالْخَرَاج وَغَيْر ذَلِكَ " .

قلتُ : وهذا المعنى هو الظاهرُ المتبادرُ من لفظِ " المنعِ " ؛ بخلافِ المعنى الأول ، فهو عنه بعيدٌ جداً ؛ لأن من أسلم وسقطت عنه الجزيةُ لا يصحُ أن يقالَ فيه : امتنع من أداءِ ما عليه ؛ كما هو ظاهرٌ بين .

ولقد كان الداعي إلى تخريجِ هذا الحديث ؛ وبيانِ أن الموقوفَ منه في حكمِ المرفوعِ ؛ وبيانِ معناه ؛ أن بعضَ الناسِ اليوم ظنوا أن لهذا الحديثِ علاقةٌ بالفتنةِ العمياءِ التي حلت على المسلمين بسبب اجتياحِ الجيشِ العراقي لدولةِ الكويتِ ، وما فُرض على العراقِ من الحصارِ البري والبحري والجوي ، لمنع وصولِ المؤنِ والأرزاقِ إليها من البلادِ المسالمةِ لها !

فكثر السؤالُ عن هذا الحديثِ بهذه المناسبةِ ، وهل له علاقةٌ أو ارتباطٌ بهذا الحصارِ للعراق ؟

فأجبتُ بالنفي ، وبينتُ لهم معناهُ بنحو ما تقدم نقلهُ عن الإمامِ النووي - رحمه الله - .

كتبتُ هذا نهار الأربعاء : 1 صفر 1411 هـ . كفى اللهُ المسلمين شرَ الفتنِ ، ما ظهر منها وما بطن .ا.هـ
 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ