بسم الله الرحمن الرحيم

بعضُ أحكامِ المجاهرين بالمعاصي - أبو الهش مثالاً


الحمدُ للهِ وبعدُ ؛

أمرُ بعضِ الناسِ غريبٌ !

عندما ظهر أبو الهشِ - كما يلقبونهُ - مع الأميرِ الوليدِ بنِ طلالٍ وهما يصليانِ في مزرعةِ الأميرِ رفع البعضُ عقيرتهُ وبدأ يتكلم عن التكفيرِ ، ويقولُ : " كيف يُكفرُ أبو الهشِ وهو يصلي كما ظهر في الفلم ؟ " ، والحقيقةُ أن هذا الكلامَ فيه مغالطاتٌ لا بد من تجليةِ أمرها ، فالبعضُ عندما يجدُ نبذ المجتمعِ لمثلِ ظاهرةِ أبي الهش ، يبدأُ بإخراجِ التكفيرِ ، ويتقيأُ بكلامٍ غير موزون لا عقلاً ولا شرعاً ، وكأن التكفير كلمة سهلة يريدُ بها وصم غيرهُ بحقٍ أو بباطلٍ - مع الأسف - إلى جانبِ أنه لم يقل أحدٌ بكفرِ أبي الهشِ ، ونضعُ في نقاطٍ المآخذَ على هذا الكلامِ .

النقطةُ الأولى : مقدمةٌ لا بد منها :

إن من أعظمِ المصائبِ التي تصابُ بها الأمةُ العبثَ بأفكارِ أجيالها على اختلافِ الأزمانِ والعصورِ ، ومع تقدم العلمِ ، وتقاربِ الزمانِ ، وشهودِ ثورةٍ إعلاميةٍ هدفها شبابُ الأمةِ يخرجُ علينا ممن عاش في بلادِ التوحيدِ ، وتربى في مدارسها ، ونشأ على أرضها ، ويأتي من أماكنِ الفسوقِ والمجونِ والخنا وكأنه جاء من أرضِ الجهادِ ، ويستقبل استقبال الفاتحين ، وبالورودِ والرياحين ، وينتظرهُ في المطارِ من تأثروا به ، واقتفوا سنتهُ وطريقتهُ من الذكورِ والإناثِ ، وأعانهُ على ذلك بعضُ الذين يحق أن يحجر عليهم فسخروا أموالهم وثروتهم في محاربةِ الفضيلةِ والدين ، بل حصل للمفتونين به كما يقالُ بلغةِ العصر " جنون البقرِ " ، وأنفقوا لتشجيعيهِ الملايين من الأموالِ التي ذهبت دعماً للكفارِ وغيرهم ، ولو صرفت في داخلِ بلادنا لسدت رمق كثيرٍ من الفقراءِ الذين لا يجدون لقمةَ العيشِ .

وانتهت مسرحيةُ " ستار أكاديمي " ، ومن المفترضِ أن يقالَ عنه : " ستار هدمي " ، فماذا جنت بلادنا منه ؟ وماذا استفاد شبابنا من وراءه ؟ ماذا خرجت لنا تلك الأكاديميةَ المزعومة أكاديمية الهدم ؟ ولماذا هذه البلادُ وما جاورها يُختارُ منها الفائزون ؟ كم من الأموالِ صرفت واستنزفت من بلادنا لمتابعةِ البرنامجِ ؟ ... وأسئلةٌ كثيرةٌ مطروحةٌ .

وأتركُ الإجابةَ عن الأسئلةِ المطروحةِ لمن سيشاركُ في المقالِ .

النقطةُ الثانيةُ : المجاهرُ بالمعاصي يبغضُ على قدرِ معاصيه :
إن من التقريراتِ المهمةِ عند أهلِ السنةِ أن المجاهر بالمعاصي يبغضُ على قدرِ معصيتهِ ، فالبغضُ في اللهِ من ثمراتِ الإيمانِ .

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية : " وإذا اجتمع في الرجلِ الواحدِ خيرٌ وشرٌ وفجور ، وطاعةٌ ومعصيةٌ ، وسنةٌ وبدعةٌ : استحق من الموالاةِ بقدرِ ما فيه من الخيرِ ، واستحق من المعاداةِ والعقابِ بحسب ما فيه من الشرِ ، فيجتمعُ في الشخصِ الواحدِ موجبات الإكراهِ والإهانةِ ، فيجتمعُ له من هذا وهذا ... هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة

وقال ابنُ أبي العزِ في شرح الطحاوية : الحبُّ والبغضُ بحسب ما فيهم من خصالِ الخير والشر ، فإن العبد يجتمعُ فيه سبب الولاية وسبب العداوة ، والحب والبغض ، فيكون محبوبا من وجهٍ ، ومبغوضا من وجه ، والحكم للغالب

قال الحسن البصري : أترغبون عن ذكر الفاجر ؟ اذكروه بما فيه كي يحذره الناس

فالمغني المسلم المجاهرُ بمحونهِ وفسقهِ أو صاحبُ ستار هدمي ، أو غيرهما ليس لنا أن نظهرَ للناس حبنا له بما عندهُ من أصلِ الإيمانِ ، أو بعض طاعاته كالصلاة والصيام والحج لأن هذا غشا للمسلمين وتلبيسا للحقائق وترويجا للباطل والحالة هذه لو ذكرنا حبنا لأهل الفساد والمجون بما عندهم من طاعات مغمورة ، وتجاهلنا ما عندهم من شر ظاهر وفساد عريض لعطلنا قضية الولاء والبراء في قلوب المسلمين ، ولبَّسْنَا الحقَّ بالباطل ، وعندها ستندرس كبريات قضايا أصولِ الدينِ .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (15/286) : " ولهذا لم يكن للمعلنِ بالبدعِ والفجورِ غيبةٌ ، كما روي عن الحسن البصري وغيره ، لأنه لما أعلن ذلك استحق عقوبة المسلمين له ، وأدنى ذلك أن يذم عليه ، لينزجر ويكف الناس عنه وعن مخالطته ، ولو لم يذم ويُذكرْ بما فيه من الفجور والمعصية أو البدعة لاغْتَرَّ به الناس ، وربما حَمَلَ بعضهم على أن يرتكب ما هو عليه ، ويزدادُ أيضا هو جرأة وفجورا ومعصية ، فإذا ذُكِرَ بما فيه انْكَفَّ وانْكَفَّ غيره عن ذلك وعن صحبته ومخالطته قال الحسن البصري : أترغبون عن ذكر الفاجر ؟ اذكروه بما فيه كي يحذره الناس " .ا.هـ.

ولكن الناس في هذه الأزمان – مع الأسف – قلبوا الموازين ، وانتكستِ الفطرُ ، فأصبح صاحبُ الفسقِ والمجونِ المجاهر بها هو الذي يحبُ ويقدمُ ويستقبلُ في المطارات استقبال الفاتحين ، وصدق النبي صلى اللهُ عليه وسلم : " المرءُ مع من أحبَّ " متفق عليه ، وصاحبُ الدينِ أو الذي قدم إنجازاً ونفع الأمةَ هو الذي لا يأبهُ بهِ ، ولا يلتفتُ إلى ما نفع الأمةَ به . والله المستعان .

النقطةُ الثالثة : عدمُ سِترِ المجاهرين بالمعاصي :

الأصلُ في أهلِ المعاصي عموما هو السِترُ .

‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ،‏ عَنْ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قَالَ ‏:‏ لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . رواه مسلم (2590) .

وقال أحدُ الوزراءِ لبعضِ من يأمرُ بالمعروفِ : " اجتهد أن تسترَ العصاةَ ، فإن ظهور معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلامِ ، وأولى الأمور سترُ العيوبِ "

وهذا السِتر في غيرِ المجاهرين بها ، أما من جاهر بالمعصيةِ والفسقِ فالأمر يختلف تماماً .

‏عَنْ ‏‏سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ‏‏قَالَ : سَمِعْتُ ‏‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏يَقُولُ :‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَقُولُ ‏: " ‏كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ... الحديث " .   أخرجه البخاري ومسلم .

قال الإمامُ النووي : " وَأَمَّا السَّتْر الْمَنْدُوب إِلَيْهِ هُنَا فَالْمُرَاد بِهِ السَّتْر عَلَى ذَوِي الْهَيْئَات وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفًا بِالْأَذَى وَالْفَسَاد . فَأَمَّا الْمَعْرُوف بِذَلِكَ فَيُسْتَحَبّ أَلَّا يُسْتَر عَلَيْهِ , بَلْ تُرْفَع قَضِيَّته إِلَى وَلِيّ الْأَمْر إِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَة ؛ لِأَنَّ السَّتْر عَلَى هَذَا يُطْمِعهُ فِي الْإِيذَاء وَالْفَسَاد ، وَانْتَهَاك الْحُرُمَات ، وَجَسَارَة غَيْره عَلَى مِثْل فِعْله . هَذَا كُلّه فِي سَتْر مَعْصِيَة وَقَعَتْ وَانْقَضَتْ ، وَأَمَّا مَعْصِيَة رَآهُ عَلَيْهَا ، وَهُوَ بَعْد مُتَلَبِّس بِهَا ، فَتَجِب الْمُبَادَرَة بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ ، وَمَنْعه مِنْهَا عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا يَحِلّ تَأْخِيرهَا فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ رَفْعهَا إِلَى وَلِيّ الْأَمْر إِذَا لَمْ تَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَة " .ا.هـ.

وقال الخلالُ في " الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر " ( ص 35 ) : " قال الإمامُ أحمدُ : " الناس يحتاجون إلى مدارةٍ ، ورفِقٍ في الأمرِ بالمعروفِ ، بلا غلظةٍ ، إلا رجلاً مبايناً ، معلناً بالفسقِ والرَّدى ، فيجبُ عليك نهيهُ وإعلامهُ ، لأنه يقالُ : ليس لفاسقٍ حُرمةٌ ، فهذا لا حرمةَ له " .ا.هـ.

وقال ابنُ رجبٍ في " جامع العلوم والحكم " (2/292 – 293) : " واعلم أن الناس على ضربين :

أحدهما : من كان مستوراً لا يُعرفُ بشيءٍ من المعاصي ، فإذا وقعت هفوةٌ أو زلةٌ فإنه لا يجوزُ كشفها ولا هتكها ، ولا التحدث بها .

والثاني : من كان مشهوراً بالمعاصي معلنا بها ، لا يبالي بما ارتكب منها ولا بما قيل له ، فهذا هو الفاجرُ المعلن ، وليس له غيبةٌ ، كما نص على ذلك الحسنُ البصري وغيره .

ومثل هذا لا بأس بالبحثِ عن أمره لتُقام عليه الحدود ، صرح بذلك بعض أصحابنا ، واستدل بقولِ النبي صلى الله عليه وسلم " ‏وَاغْدُ ‏ ‏يَا ‏ ‏أُنَيْسُ ‏ ‏إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ ‏ ‏فَارْجُمْهَا " .

ومثلُ هذا لا يُشفعُ له إذا أُخذ ، ولو لم يَبْلُغ السلطان ، بل يتركُ حتى يقام عليه الحد لينكف شره ، ويرتد به أمثاله " .ا.هـ.

والنصوصُ عن العلماءِ في هذا الباب كثيرةٌ جداً .

النقطةُ الرابعةُ : وجوبُ تعزيرِ المجاهرين بما يردعهم :

والتعزيرُ هو التأديبُ في المعاصي التي لا حد فيها ولا كفارة ، وهو أصلٌ معروفٌ في الشريعةِ ، والتعزير له عقوباتٌ كثيرةٌ .

قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية في " الفتاوى " (12/500) عن التعزير : " فمنها عقوباتٌ مقدرةٌ ، مثل جلدِ المفتري ثمانين ، وقطع السارقِ ، ومنها عقوبات مقدرةٌ قد تسمى التعزير وتختلف مقاديرها ، أو صفاتها بحسب كِبَرِ الذنوب وصِغرها ، وبحسب حالِ الذنبِ في قلتهِ وكثرتهِ " .ا.هـ.

وقال أيضاً (28/107) : " والتعزيرُ أجناسٌ : فمنه ما يكونُ بالتوبيخِ والزجرِ بالكلامِ ، ومنه ما يكونُ بالحبس ، ومنه ما يكونُ بالنفي عن الوطن ، ومنه ما يكونُ بالضربِ " .ا.هـ.

ولذا تعددت عقوبات السلفِ لأهل الفسق والمجاهرين بالمعاصي فتارة تكون بالضربِ ، وتارة بالحبسِ .

قال الشيخُ عبد القدر بن بدران في " المدخل " : " يجوزُ حبسُ المشهورين بالدعارةِ والفسادِ ، حتى تظهر توبتهم ، ولو لم يثبت عليهم جُرمٌ معينٌ بطريقٍ قضائي دفعا لشرهم " .ا.هـ.

وتارة تكون العقوبة بالنفي والتغريب .

قال البخاري : باب نفي أهل المعاصي والمُخَنثين " .

‏عَنْ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ‏‏قَالَ : "‏ ‏لَعَنَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ النِّسَاءِ " ، وَقَالَ : "‏ ‏أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ " ، وَأَخْرَجَ فُلَانًا ، ‏وَأَخْرَجَ ‏ ‏عُمَرُ ‏‏فُلَانًا " .

الْمُرَاد بِالْمُخَنَّثِينَ الْمُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ لَا مَنْ يُؤْتَى ، أَيْ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ فِي الزِّيِّ وَاللِّبَاسِ وَالْخِضَابِ وَالصَّوْتِ وَالصُّورَةِ وَالتَّكَلُّمِ وَسَائِرِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ مِنْ خَنِثَ يَخْنَثُ ، كَعَلِمَ يَعْلَمُ : إِذَا لَانَ وَتَكَسَّرَ ، فَهَذَا الْفِعْلُ مَنْهِيٌّ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ . قَالَ النَّوَوِيُّ : الْمُخَنَّثُ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَنْ خُلِقَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَتَكَلَّفْ التَّخَلُّقَ بِأَخْلَاقِ النِّسَاءِ وَزِيِّهِنَّ وَكَلَامِهِنَّ وَحَرَكَاتِهِنَّ وَهَذَا لَا ذَمَّ عَلَيْهِ وَلَا إِثْمَ وَلَا عَيْبَ وَلَا عُقُوبَةَ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ، وَالثَّانِي مَنْ يَتَكَلَّفُ أَخْلَاقَ النِّسَاءِ وَحَرَكَاتِهِنَّ وَسَكَنَاتِهِنَّ وَكَلَامَهُنَّ وَزِيَّهُنَّ فَهَذَا هُوَ الْمَذْمُومُ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَعْنُهُ

فأين تضعون أصحابَ ستار هدمي من هذا الوصف للمخنثين ؟

النقطةُ الخامسةُ : لا غيبة للمجاهر بالمعاصي :

يعتقدُ الكثيرُ أن الغيبةَ محرمةٌ حتى للمجاهرِ بالمعاصي ، وهو اعتقادٌ خاطىءٌ ، جاءت نصوصُ السنةِ بخلافهِ ، ونأتي على شيءٍ منها .

‏عن عَائِشَةُ :‏ ‏أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏فَقَالَ : " ائْذَنُوا لَهُ فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ،‏ ‏أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ " ،‏ ‏فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ قَالَتْ ‏عَائِشَةُ ‏: ‏فَقُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ " ، قَالَ : " يَا ‏‏عَائِشَةُ ‏، ‏إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ ،‏ ‏أَوْ تَرَكَهُ ‏‏النَّاسُ اتِّقَاءَ ‏‏فُحْشِهِ " .

رواه البخاري (6054) ، ومسلم (2591) .

قال الإمامُ النووي في " شرح مسلم " : " وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُدَارَاة مَنْ يُتَّقَى فُحْشه ، وَجَوَاز غِيبَة الْفَاسِق الْمُعْلِن فِسْقه ، وَمَنْ يَحْتَاج النَّاس إِلَى التَّحْذِير مِنْهُ " .ا.هـ.

وترجم البخاري للحديث : " باب ما يجوزُ من اغتيابِ أهلِ الريبِ والفسادِ " .

وفي قصةِ ‏فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حين شاورت النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تنكح .

‏عَنْ ‏‏فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ ‏أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ ‏‏طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ ،‏ ‏فَأَرْسَلَ‏ ‏إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ : " وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ " ، فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،‏ ‏فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : " ‏ ‏لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ " ، ... فَإِذَا ‏ ‏حَلَلْتِ ‏ ‏فَآذِنِينِي ‏‏قَالَتْ : " فَلَمَّا ‏حَلَلْتُ ،‏ ‏ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ ‏ ‏مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ‏ ‏وَأَبَا جَهْمٍ ‏ ‏خَطَبَانِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏: " ‏أَمَّا ‏‏أَبُو جَهْمٍ ،‏‏ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ ، وَأَمَّا ‏‏مُعَاوِيَةُ ،‏ ‏فَصُعْلُوكٌ ‏ ‏لَا مَالَ لَهُ انْكِحِي ‏ ‏أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ‏‏فَكَرِهْتُهُ ، ثُمَّ قَالَ : " انْكِحِي ‏أُسَامَةَ ‏‏فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا ‏، ‏وَاغْتَبَطْتُ "  رواه مسلم (1480) .

قال الإمامُ النووي في " رياضِ الصالحين " : اعلم أن الغيبةَ تباحُ لغرضٍ صحيحٍ شرعي لا يمكنُ الوصولُ إليه إلا بها ، وهو ستةٌ : ... الخامس : أن يكونَ مجاهراً بفسقهِ أو ببدعتهِ ، كالمجاهرِ بشربِ الخمرِ ... وذكره بما يجاهرُ به ، ويحرمُ ذكره بغيره من العيوبِ " .

وقال شيخُ الإسلامِ في " الفتاوى " (28/219) : " فَمَنْ أَظْهَرَ الْمُنْكَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ ، وَأَنْ يُهْجَرَ وَيُذَمَّ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ " مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلَا غِيبَةَ لَهُ " ، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِذَنْبِهِ مُسْتَخْفِيًا ، فَإِنَّ هَذَا يُسْتَرُ عَلَيْهِ لَكِنْ يُنْصَحُ سِرًّا وَيَهْجُرُهُ مَنْ عَرَفَ حَتَّى يَتُوبَ وَيَذْكُرَ . وَأَمْرَهُ عَلَى وَجْهِ النَّصِيحَةِ " .ا.هـ.

النقطةُ السادسةُ : المجاهرُ بالمعاصي يُسَاءُ الظنُ به :

قرر أهلُ العلمِ أن إساءةَ الظنِ بأهلِ المعاصي المجاهرين بها جائزٌ ، وهذا التقريرُ ليس من بابِ الهوى والتشهي كما يظنُ البعضُ ، بل على أساسٍ من استقراءِ النصوصِ .

‏عَنْ ‏عَائِشَةَ ‏‏قَالَتْ ‏: ‏قَالَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "‏ ‏مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا " . ‏‏قَالَ ‏ ‏اللَّيْثُ : "‏ ‏كَانَا رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ " . ‏

‏حَدَّثَنَا ‏ ‏يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ‏ ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏اللَّيْثُ ‏ ‏بِهَذَا ، وَقَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَوْمًا ، وَقَالَ : " يَا ‏عَائِشَةُ ؛‏ ‏مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ دِينَنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ " .    أخرجهُ البخاري (6067 ، 6068)

وبوب عليه البخاري : " باب ما يجوزُ من الظنِ

قال الحافظُ ابنُ حجرٍ في " الفتح " (10/501) : " وَحَاصِل التَّرْجَمَة أَنَّ مِثْل هَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي الْحَدِيث لَيْسَ مِنْ الظَّنّ الْمَنْهِيّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَقَام التَّحْذِير مِنْ مِثْل مَنْ كَانَ حَاله كَحَالِ الرَّجُلَيْنِ ، وَالنَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَنْ الظَّنّ السُّوء بِالْمُسْلِمِ السَّالِم فِي دِينه وَعِرْضه وَقَدْ قَالَ اِبْن عُمَر : إِنَّا كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُل فِي عِشَاء الْآخِرَة أَسَأْنَا بِهِ الظَّنّ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَغِيب إِلَّا لِأَمْرٍ سَيِّئ إِمَّا فِي بَدَنه وَإِمَّا فِي دِينه " .ا.هـ.

وَقِيلَ عَمَّنْ مَضَى : " مَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ يُتَّهَمُ " وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَجَرٍ وَنَصُّهُ : وَجَاءَ فِي " الْأَثَرِ " : " مَنْ وَقَفَ مَوْقِفَ تُهْمَةٍ " ، وَفِي رِوَايَةٍ : " مَنْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلتُّهَمِ فَلَا يَأْمَنْ مِنْ إسَاءَةِ الظَّنِّ بِهِ "

قال البهوتي في " كشافِ القناع " : " وَلَا حَرَجَ بِظَنِّ السَّوْءِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الشَّرُّ ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ " مَحْمُولٌ عَلَى الظَّنِّ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَمْ تُعَضِّدْهُ قَرِينَةٌ تَدُلَّ عَلَى صِدْقِهِ " .ا.هـ.

وقال ابنُ مفلحٍ في " الفروعِ " : " قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَيَحْرُمُ سُوءَ الظَّنِّ بِمُسْلِمٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ ، وَيُسْتَحَبُّ ظَنُّ الْخَيْرِ بِالْأَخِ الْمُسْلِمِ ، قَالَ : وَلَا يَنْبَغِي تَحْقِيقُ ظَنِّهِ فِي رِيبَةٍ . وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ : حُسْنُ الظَّنِّ بِأَهْلِ الدِّينِ حَسَنٌ . وَذَكَرَ الْمَهْدَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيَّانِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ ظَنُّ الشَّرِّ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ ، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ بِظَنِّهِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الشَّرُّ " .ا.هـ.

وقال الشيخُ محمدُ بنُ صالحٍ العثيمين في " الشرحِ الممتعِ " : وأما من عُرف بالفسوقِ والفجورِ ، فلا حرج أن نُسيء الظن بهِ ، لأنهُ أهلٌ لذلك " .ا.هـ.

وبعد هذه النصوصِ فهل يُحسنُ الظنُّ بمثلِ بالمغني الماجن ، أو بالمغنيةِ الماجنةِ ، أو بالممثلِ الذي يعانقُ النساءَ في أفلامهِ ومسلسلاتهِ ، أو بالممثلةِ التي تظهرُ وهي نائمةُ في سرير واحدٍ مع ممثلٍ مثلها ، أو من أمثالِ بطل ستار هدمي ؟

اللهم احفظ علينا اعراضنا .

النقطةُ السابعةُ : تحريمُ التشبهِ بالمجاهرِ بالمعاصي :

وبطل ستار هدمي – زعموا – كم من الناس سيتشبه به ؟ ويتمنى أن يكونَ مثله ؟

والتشبه بالفساق المجاهرين بالمعاصي محرمٌ في الشريعةِ .

‏عَنْ ‏‏ابْنِ عُمَرَ ‏‏قَالَ ‏: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "‏ ‏مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ " .

أجرحه أبو داود (4031) .

قَالَ الْقَارِي : أَيْ مَنْ شَبَّهَ نَفْسه بِالْكُفَّارِ مَثَلًا مِنْ اللِّبَاس وَغَيْره ، أَوْ بِالْفُسَّاقِ أَوْ الْفُجَّار " .

وقال المناوي في " فيضِ القدير " : " وقيل المعنى من تشبه بالصالحين وهو من أتباعهم يكرم كما يكرمون ومن تشبه بالفساق يهان ويخذل كهم ، ومن وضع عليه علامة الشرف أكرم وإن لم يتحقق شرفه وفيه أن من تشبه من الجن بالحيات وظهر يصورتهم قتل وأنه لا يجوز الآن لبس عمامة زرقاء أو صفراء كذا ذكره ابن رسلان ، وبأبلغ من ذلك صرح القرطبي فقال : لو خص أهل الفسوق والمجون بلباس منع لبسه لغيرهم فقد يظنّ به من لا يعرفه أنه منهم فيظن به ظنّ السوء فيأثم الظان والمظنون فيه بسبب العون عليه " .ا.هـ.

ومع الأسف أصبحنا في زمنٍ رُفع فيه هؤلاءِ الفساقُ ، وهم القدواتُ الذين يقتدى بهم ، وقُدموا على أهلِ الصلاحِ والتقى ، والله المستعان .
 


خطبةٌ رائعةٌ للشيخِ محمد صالح المنجدِ عن أبي الهشِ ، وعنوانها : " أكاديمي 2 " .

استمعوا لها
اكادمي 2 - للتحميل : حفظ باسم
http://38.113.141.121/2005/04/masjidomar22.rm
 


عَنْ بَحِيْرِ بنِ سَعْدٍ ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ مَعْدَانَ يَقُوْلُ : مَنِ الْتَمَسَ المَحَامِدَ فِي مُخَالَفَةِ الحَقِّ ، رَدَّ اللهُ تِلْكَ المَحَامِدَ عَلَيْهِ ذَمّاً ، وَمَنِ اجْترَأَ عَلَى المَلاَوِمِ فِي مُوَافِقَةِ الحَقِّ ، رَدَّ اللهُ تِلْكَ المَلاَومَ عَلَيْهِ حَمْداً .

سِيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاَءِ (4/540)


بيان العلماء والدعاة حول برنامج ستار أكاديمي2
 

كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل

الصفحة الرئيسة      |      صفحة الشيخ