هناك بعضُ الأقوالِ أو العباراتِ تنسبُ إلى بعضِ الأئمةِ من أهلِ السنةِ
والجماعةِ ، ويستشهدُ بها كثيرُ من طلبةِ العلمِ في أُطروحاتهم أو مقالتهم
، وبعد التدقيقِ والتمحيصِ نرى أن نسبةَ هذه الأقوالِ ليست إلى أولئك
الأئمةِ ليست دقيقةً . ومن هذه العبارات : '' لو كان لي دعوةٌ صالحةٌ
لصرفتها إلى الإمامِ '' . وهذه العبارةُ تنسبُ إلى الإمامِ أحمدَ - رحمهُ
اللهُ - ، والصوابُ أنها للفضيلِ بنِ عياض كما أسندها إليه غيرُ واحدٍ من
العلماءِ .
نصُ العبارةِ :
روى أبو نعيم في الحلية (8/91) قال : حدثنا محمد بن ابراهيم ، ثنا أبو يعلى
، ثنا عبد الصمد بن يزيد البغدادي - ولقبه من دونه - قال سمعت الفضيل بن
عياض يقول : '' لو أن لي دعوةً مستجابةً ما صيرتها إلا في الإمامِ . قيل له
: وكيف ذلك يا أبا علي ؟ قال : متى ما صيرتها في نفسي لم تحزني ، ومتى
صيرتها في الإمامِ فصلاحُ الإمامِ صلاحٌ العبادِ والبلادِ . قيل : وكيف ذلك
يا أبا علي ؟ فسر لنا هذا . قال : أما صلاحُ البلادِ فإذا أمن الناسُ ظلمَ
الإمامِ عمروا الخرابات ونزلوا الارض ، وأما العبادُ فينظر إلى قومٍ من
أهلِ الجهلِ فيقولُ : قد شغلهم طلبُ المعيشةِ عن طلبِ ما ينفعهم من تعلمِ
القرآنِ وغيرِهِ ، فيجمعهم في دارٍ خمسين خمسين أقل أو أكثر ، يقولُ للرجلِ
: لك ما يصلحك ، وعلّم هؤلاءِ أمرَ دينهم ، وانظر ما أخرج اللهُ عز وجل من
فيهم مما يزكى الارض فردهُ عليهم . قال : فكان صلاحُ العبادِ والبلادِ ،
فقبل ابنُ المباركِ جبهتهُ وقال : يا معلمَ الخيرِ ؛ من يحسنُ هذا غيرك .
وقد أوردها ابن عبد البر في جامع العم وفضله (1/641) بغير إسناد ، وقال
سمير الزهيري في تخريجه في الحاشية : صحيح ... وعبد الصمد بن يزيد هو
المعروف بمردويه ، أبو عبد الله الصائغ ، خادم الفضيل بن عياض كان ثقة من
أهل السنة والورع .ا.هـ.
ورواها أبو يعلى (2/36) في طبقات الحنابلة أيضا بدون إسناد .
وقد رد الشيخُ بكر أبو زيد نسبةَ هذه المقولةِ إلى الإمامِ أحمدَ في ''
التأصيل '' ( ص 76) فقال : ومنها : القولةُ المشهورةُ : '' لو كان لي دعوة
صالحة لصرفتها إلى الإمام '' ونسبتها إلى الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -
.
وقد بحثتُ طويلاً فلم أرها منسوبةً إليه مسندةً ، وإنما رأيتها مسندةً
للفضيلِ بنِ عياض - رحمهُ اللهُ تعالى - بلفظ : '' لو أن لنا دعوة مستجابة
ما صيرناها إلا للإمام '' . أخرج هذا الأثرَ : أبو نعيم في '' العادلين ''
، و '' حلية الأولياء '' ، وابنُ عبدِ البرِ في '' جامعِ بيانِ العلم '' ،
والبربهاري في '' شرح السنة '' وبين وجهها بقوله : '' وإذا جعلتها في نفسي
لم تعدني ، وإذا جعلتها في السلطان صلحَ ، فصلح بصلاحه العباد والبلاد ''
انتهى .
لكن في كتابِ '' السنةِ '' للخلال بسندهِ عن الإمامِ أحمدَ ما نصه : وإني
لأدعو له - الإمام - بالتسديد والتوفيق في الليلِ والنهارِ - والتأييد وأرى
ذلك واجباً عليَّ '' انتهى .
ثم رأيتها منسوبةً - غيرَ مسندةٍ - إلى الإمامِ أحمدَ - رحمه الله - في
فتاوى ابن تيمية (28/391) ، وكشاف القناع (2/32) .ا.هـ. قال شيخ الإسلام
ابن تيمية في الفتاوى (28/391( : '' ولهذا كان السلف - كالفضيل بن عياض
وأحمد بن حنبل وغيرهما - يقولون : لو كان لنا دعوةٌ مجابةٌ لدعونا بها
للسلطانِ .ا.هـ.
رابط المقال فر جريدة المدينة ملحق الرسالة