قناةُ العربيةِ . . . إيلاف . . .
وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ

الحمدُ للهِ وبعدُ ؛
إنّ من النعمِ التي امتن اللهُ بها على عبادهِ المؤمنين حفظ هذا الدين ،
لأنه دينٌ ارتضاهُ اللهُ لنفسه ، قال تعالى : " إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ
اللَّهِ الْإِسْلَامُ " [ آل عمران : 19 ] ، والصراعُ بين الحقِّ والباطلِ
سنةٌ كونيةٌ معروفةٌ عند أولي الألبابِ ، وهو صراعٌ قائمٌ إلى أن يرثَ
اللهُ الأرض ومَنْ عليها ، ومن صور الصراعِ بينهما في هذا الزمان ما يحصلُ
بين وسائلِ الإعلامِ التي يسيطرُ عليها بعضُ أبناءِ المسلمين – مع الأسف –
وبين الميدانِ المفتوحِ الشبكةِ العنكبوتيةِ التي لا يستطيعُ أحدٌ السيطرةَ
عليها إلا بالطرقِ الخبيثةِ من أناس يحاربون الدين ليلاً ونهاراً سراً
وجهراً .
ومن صور الصراعِ الحاصلِ ، أن الساحةَ العربية تغلقُ منتدياتها بسببٍ أو
آخر – والغالب يكون للصيانةِ الدوريةِ – فيبدأ أعدائها بالأراجيف ، فتكثرُ
الشائعاتُ على اختلاف أنواعها ومراتبها والمطلقين لها ، فمنهم من يضخمها
ويسيرها لهدفٍ معينٍ يظهرُ من خلاله مدى الكره لها والحقد عليها ، والفرح
بإغلاقها ، ثم تنكشفُ الحقيقةُ فإذا بالموقع يقوم بالصيانةِ الدوريةِ أو
تحصلُ مشكلةُ عند مزودِ الخدمةِ بسببِ العددِ الكبير من رواد الساحةِ ،
وبعد ساعاتٍ قليلةٍ تعودُ الساحةُ العربية تعملُ كما كانت قبل التوقفِ .
واليوم قامت قناةُ " العربية " بنشر خبرٍ عن إغلاقِ الساحةِ العربيةِ ،
وطارت القناةُ فرحاً ومن شدةِ الفرحِ استضافت القناةُ العمير ليتكلم بكلامٍ
غريبٍ عجيبٍ عن إغلاق الساحةِ ، ويجيرُ الحدث لصالحهِ ، ويطلقُ على الساحةِ
العربيةِ بـ " المتطرف " ! ، ولكن بعد ساعاتٍ قليلةٍ عادت الساحة العربية
للعملِ كما كانت ، وظهر أن سبب التوقف مزود الخدمة ، وليس كما قال المرجفون
في المدينةِ ، فبهتوا ولا شك .
ولنا تأملاتٌ مع الحدث :
أولاً :
لا بد لنا من معرفة أن النجاحَ له ضريبةٌ معنويةٌ وحسية ، والساحةُ
العربيةُ حققت نجاحاً يعترفُ به القاصي والداني ، ويكفي أن الساحةَ
العربيةَ حازت على المركزِ الأول في المنتدياتِ الحواريةِ ، وهذا يدلُ
دلالةً واضحةً على مدى الاقبالِ عليها ، فمثلُ هذه المنتدياتِ يقاسُ نجاحها
وقوتها بعدد الداخلين لها ، وعددِ الراغبين في التسجيلِ بها .
ثانياً :
في مقابل ذلك حسد أصحابُ المنابرِ الإعلاميةِ ذات الاتجاهِ الواحدِ والفكر
الأحادي - كما يطلقون هم أنفسهم على غيرهم - الساحةَ العربيةَ لأنها منبرٌ
وجد فيه أصحابُ الأقلامِ الغيورةِ على دينِ الله فسحةً للتعبيرِ عن آرائهم
، وفي نفس الوقتِ للردِّ على تلك الأقلامِ المسمومةِ المأجورةِ للشرقِ أو
الغربِ ، وسحبت الساحةُ العربيةُ البساطَ من تحت أقدامهم فسقطوا على رؤوسهم
، وأدى هذا السقوطُ لمنابرهم أن قاموا بالكيد والمكر للساحةِ العربيةِ .
ثالثاً :
قام أصحابُ الأقلامِ المسمومةِِ والمنابرِ المعلولةِ الذين ذُكروا في
الوقفةِ الثانيةِ بمكرِ الليلِ والنهارِ ، وأظهروا ما في قلوبهم من حسدٍ
على الساحةِ العربيةِ ، فأطلقوا الأراجيف ضدها ، ورفعوا عقيرتهم بالأكاذيب
، فسُموا بـ " المرجفين في المدينةِ " ، ووصفهم وتسميهم بذلك هي تسميةٌ
شرعيةٌ في كتابِ اللهِ تعالى : " لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ
لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ " [ الأحزاب : 60 ] .
والإرجافُ في اللغةِ : إشاعةُ الكذبِ والباطلِ ، يقالُ : أرجف بكذا : إذا
أخبر بهِ على غيرِ حقيقةٍ لكونه خبراً متزلزلاً غير ثابت ، من الرجفةِ وهي
الزلزلةُ . يقال رجفت الأرض : أي تحركت وتزلزلت ترجف رجفاً ، والرجفان :
الاضطراب الشديد ، وسمي البحر رجافاً لاضطرابه .
والمرجفون هم قومٌ لا هم لهم إلا بثُ الإشاعات في المؤمنين بالكذبِ
والباطلِ كما كان حالهم في المدينةِ ، ولا يظنُ ظانٌ أنهم لم يظهروا إلا في
المدينةِ ، بل هم موجودون في كلّ زمانٍ ومكانٍ ، وعصرٍ ومصرٍ ، ولذلك أفرد
العلماءُ في كتب الفقهِ وغيرها أحكاماً تتعلقُ بالإرجافِ والمرجفين وخاصةً
في أحكامِ الجهادِ ، فعلى سبيلِ المثالِ والاختصار :
1 - نشرُ الأراجيف عملٌ محرم ، قال القرطبي
عند الآية : " فَالْإِرْجَاف حَرَام , لِأَنَّ فِيهِ إِذَايَة . فَدَلَّتْ
الْآيَة عَلَى تَحْرِيم الْإِيذَاء بِالْإِرْجَافِ " .
2 – المرجفُ يستحقُ التعزيرَ ، قال الجصاصُ
عند تفسير آية المرجفين : " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ
دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْجَافَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْإِشَاعَةَ بِمَا
يَغُمُّهُمْ وَيُؤْذِيهِمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ وَالنَّفْيَ إذَا
أَصَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ " .
3 – المرجفُ إذا غزا لا سهم له في الغنيمةِ ،
ولا يرضخ له منها ، جاء في المغني ما نصه : " وَإِذَا غَزَا الْمُرْجِفُ
أَوْ الْمُخَذِّلُ عَلَى فَرَسٍ ، فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَلَا لِلْفَرَسِ "
.ا.هـ.
وجاء في " تحفة المحتاج في شرح المنهاجِ " : " ( وَيُسَنُّ ) لِلْإِمَامِ
أَوْ نَائِبِهِ مَنْعُ مُخَذِّلٍ وَمُرْجِفٍ مِنْ الْخُرُوجِ وَحُضُورِ
الصَّفِّ وَإِخْرَاجُهُ مِنْهُ مَا لَمْ يَخْشَ فِتْنَةً وَيَظْهَرُ
وُجُوبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِيمَنْ عُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَأَنَّ وُجُودَهُ
مُضِرٌّ لِغَيْرِهِ " .
4 – إن كان الأميرُ أحدَ المرجفين لم يستحب
الخروجَ معه . جاء في " كشافِ القناعِ على متنِ الإقناعِ " : " ( وَيُغْزَى
مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ بَرٍّ وَفَاجِرٍ يَحْفَظَانِ الْمُسْلِمِينَ ) . . . (
وَلَا يَكُونُ ) الْأَمِيرُ ( مَخْذُولًا وَلَا مُرْجِفًا ، وَلَا
مَعْرُوفًا بِالْهَزِيمَةِ وَتَضْيِيعِ الْمُسْلِمِينَ ) لِعَدَمِ
الْمَقْصُودِ مِنْ حِفْظِهِ الْمُسْلِمِينَ " .ا.هـ.
وقد استدل الفقهاءُ على المسألتين السابقتين بقولهِ تعالى : " لَوْ
خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا
خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ " [ التوبة : 47 ] ، جاء في "
الموسوعةِ الفقهيةِ " عند مادةِ " خروج " ما نصهُ : " مَنْ لَا يَجُوزُ
خُرُوجُهُ مَعَ الْجَيْشِ فِي الْجِهَادِ : 15 - لَا يَسْتَصْحِبُ أَمِيرُ
الْجَيْشِ مَعَهُ مُخَذِّلًا ، وَلَا مُرْجِفًا ، وَلَا جَاسُوسًا ، وَلَا
مَنْ يُوقِعُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَسْعَى بِالْفَسَادِ
، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ
فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اُقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ، لَوْ خَرَجُوا
فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ
يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ . . . " [ التوبة : 46 – 47 ] وَإِنْ خَرَجَ
هَؤُلَاءِ فَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ وَلَا يُرْضَخُ ، وَإِنْ أَظْهَرُوا
عَوْنَ الْمُسْلِمِينَ " .ا.هـ.
وأكتفي بهذه الأحكامِ المتعلقةِ بالمرجفين ، وإنما أردت التنبيهَ إلى
خطورةِ الإرجافِ ، لعل وعسى أن يقعَ الكلامُ موقعهُ في نفوسِ من حاد عن
الجادةِ ، نسألُ اللهَ لهم الهدايةَ .
رابعاً :
أثبت هؤلاءِ المرجفون أنهم قومٌ لا يقابلون الحجةَ بالحجةِ في الردّ على
كُتّابِ الساحةِ العربيةِ ، وإنما يستخدمون الطرقَ الملتويةَ فليجأون إلى
الشرقِ والغربِ ليمنعوا منبراً لا يملك عشرَ معشارِ ما يملكون هم لمواقعهم
ومنتدياتهم من الدعمِ ، وهم يثبتون أنهم يتبعون سياسيةَ تكميم الأفواه كما
يقولون ، وليس عندي شكٌ أن الساحةَ العربيةَ أحدثت لهم ألماً فكان صراخهم
على قدرِ الألمِ ، وقد قرأت عدداً من المقالاتِ تهاجمُ الساحةَ العربيةَ
وترميه مرة بأنهُ " متطرف " ، ومرة " إرهابي " ، وقاموس لا ينتهي من التهمِ
التي لا يقولها إلا الذي أعيتهُ الحججُ .
ومن آخر ذلك ما قام به عثمانُ العمير – هداهُ اللهُ – من زمن رفع قضيةٍ على
موقعِ الساحةِ العربيةِ ! ، وجاء رفعُ القضيةِ عندما نشر موقعه مقالاً
لنصراني يطعنُ فيه في دينِ الإسلامِ إلى جانبِ أن موقع الساحةِ العربيةِ
تعطل لساعاتٍ قليلةٍ بسببٍ أو آخر ، فأراد الرجلُ أن ينتهزَ الفرصةَ
لإشغالِ الناسِ عن نشر المقالِ السيءِ بدعوى رفعِ قضيةٍ على الساحةِ
العربيةِ ! ، وهي طريقةٌ معروفةٌ لإشغالِ الناسِ وجرهم إلى قضيةٍ أخرى
ينسون معها قضيتهم الأولى ! وهي شنشنةٌ نعرفها .
خامساً :
نصيحةٌ للمرجفين : قال تعالى : " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ
الْمُؤْمِنِينَ " [ الذيارات : 55 ] أَيْ إِنَّمَا تَنْتَفِع بِهَا
الْقُلُوب الْمُؤْمِنَة .
نذكركم أننا نعيشُ في عالمِ الشبكةِ العنكبوتيةِ التي فتحتِ العيونَ للناسِ
، وكشفت الحقائقَ للمغفلين والساذجين ، وزمنُ السيطرةِ على عقولِ الناس عن
طريقِ الفضائياتِ لم يعد مجدياً ، فإذا أراد عاقلٌ التحققَ من قضيةٍ أو
تقريرٍ أو حربٍ أو غير ذلك فإنه يبحث في الشبكةِ العنكبوتية ، فيجدُ مرادهُ
، وهذا لا يعني أيضاً أنّ العاقلَ يقبلُ كلّ ما ينشرُ في الشبكةِ
العنكبوتية بل لا بد من الأدلةِ على ذلك ، فالمصداقيةُ التي افتُقدت عند
كثيرٍ من المنابرِ الإعلاميةِ بجميعِ أنواعها توجدُ في الشبكةِ العنكبوتيةِ
ناصعةً ساطعةً صادقةً .
اللهم أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعهُ ، وارنا الباطلَ باطلاً وارزقنا
اجتنابهُ .
15 شوال 1426 هـ