صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قصة الميكرفون ، علماؤنا والمخترعات الحديثة (2/2) !!

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
استكمالا لمقالي الأول " قصة الميكرفون " الذي جعلته مدخلا وتمهيدا لهذا المقال رأينا كيف كان موقف العلامة ابن سعدي – رحمه الله – أن شرح الله صدره لمشورة د. العدوي في إدخال الميكرفون في جامعه بعد تردد وخوف من جماعة مسجده في عدم قبول ذلك المخترع الجديد على مجتمعه ؟ 

أيها الأحبة ... الذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع بالذات شبهة رُمي بها علماء بلادنا فحواها أنهم كانوا ضد المخترعات الحديثة ، وحجرة عثر في طريقها ! والمتولي لكِبر تلك الفرية بعض المستكتبين في صحفنا فلم يكونوا منصفين عادلين بل على العكس تماما ، وهذا مخالف لقول الله تعالى : " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا " [ الأنعام : 152 ] ، إلى درجة أن البعض راجت عليه تلك الشبهة وصدقوها ! فالعدل في الأقوال والأفعال أمر مطلوب ، والمنصف العاقل يعلم يقينا تهافت تلك الشبهة من أساسها . 

بالتتبع والاستقراء لتاريخ الأمة لا شك أن أيّ مُخترع حديث يدخل أيّ مجتمع سيجد الاستهجانَ وعدم القبول له والخوف منه مهما كان نافعا ومفيدا ، وكهذا كان حال المجتمعات المسلمة التي عاشت ردحا من الزمن تحت الاستعمار ، فالمخترع الجديد عندهم يحَذّرون منه ، والأصل فيه عندهم الريبة والتوجس منه ، وهذا عند العوام منهم ، فدعوني أضرب أمثلة على وقوف العوام في وجه الجديد من المخترعات الحديثة ، وبالمثال يتضح المقال ...

يقول د. علي الزهراني في رسالته العلمية " الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجرين وآثارهما في حياة الأمة " (2/161) عند المبحث الثالث المتعلق بالضعف العلمي : " ... يذكر السلاوي في " الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى " (4/254) أن بعض الفرنسيين تكلموا مع سلطان المغرب الحسن بن محمد بشأن بابور البر ( يعني : القطار ) ، والتلغراف وإجرائهما بالمغرب كما هما في سائر بلاد المعمورة . 

ثم يقول – أي : السلاوي - معلقا على ذلك : " وزعم أن في ذلك نفعا كبيرا للمسلمين والنصارى ، وهو والله عين الضرر !! ، وإنما النصارى أجربوا سائر البلاد فأرادوا أن يجربوا هذا القطر السعيد الذي طهره الله من دنسهم " .ا.هـ. 

هذا تصور السلاوي للمخترعات الحديثة ، ولا تعليق عليه ! 

ويأتي د. الزهراني بمثالٍ آخر فيقول : " ويذكر الغزي في " نهر الذهب في تاريخ حلب " (3/390) أن التلغراف قد دخل إلى حلب سنة 1278هـ ، وحين مدت أسلاك البرق ، وقيل للناس إنه ينقل الأخبار من بلد إلى آخر مهما كان بعيدا في لحظة كطرفة عين ، أنكروا ذلك ، وقالوا : لا شك أن الذي ينقل هذا الخبر شيطان مارد منبث في التيل " .ا.هـ. 

ويقول د. الزهراني أيضا : " وذكر الجبرتي في " عجائب الآثار " (2/244) ضمن أحداث شهر شعبان لسنة 1213هـ المنطاد الذي عمله الفرنسيون فقال : " وفي يوم الأربعاء كتبوا أوراقا بتطيير طيارة ببركة الأزبكية مثل التي سبق ذكرها وفسدت ، فاجتمعت الناس لذلك وقت الظهر ، وطيروها وصعدت إلى الأعلى ومرت إلى أن وصلت تلال البرقية وسقطت ، ول ساعدها الريح وغابت عن الأعين لتمت الحيلة ، وقالوا إنها سافرت إلى البلاد البعيدة بزعمهم !! " .ا.هـ. 

هذا هو موقف العوام من المخترعات الحديثة ، فهل موقف العلماء مشابه لهم أم ... ؟ 

العلماءُ لهم نظرة مختلفة تماما عن العوام ، فهم يجرون نصوص الكتاب والسنة على المخترعات الحديثة ، فإذا وجدوا أنه لا تعارض بينهما أجازوها ، وربما هم من أوائل المستفيدين منها ، فالله يقول : " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " [ الزمر : 9 ] ، فالمساوة بين أولئك العوام والعلماء ظلم لا يرضاه عقل ولا شرع ، ولنأتي بأمثلة توضح المقام كما في أمثلة العوام . 

قال د. الزهراني : " وحين ظن بعضُ الناس أن الساعة عبارة عن سحر ، قام العلامة الشيخ سليمان بن سحمان – رحمه الله – بتأليف رسالة يبين فيها أنها صناعة ، وليست سحراً " .ا.هـ. 

والأمير شكيب أرسلان وصديقه الشيخ محمد رشيد رضا يردان على شبهة المستكتبين في صحفنا عن علماء البلاد عند بداية تأسيس كيان المملكة في أنهم وقفوا في وجه أولئك المانعين للمخترعات الحديثة من العوام ، وكانوا عونا للملك عبد العزيز في التصدي لهم . 

ذكر الشيخ محمد رشيد في مجلة " المنار " ( جلد 31 / جزء 7 / ص 529 ) عن الأمير شكيب أرسلان في رسالته الرائعة " لماذا تأخر المسلمون ؟ ولماذا تقدم غيرهم ؟ " فقال الأمير : " على أن الذين يفهمون الإسلام حق الفهم يرحبون بكل جديد لا يعارض العقيدة ، ولا تخشى منه مفسدة . ولا أظن شيئًا يفيد المجتمع الإسلامي يكون مخالفًا للدين المبني على إسعاد العباد . 

أفلا ترى علماء نجد أبعد المسلمين عن الإفرنج والتفرنُج ، وأنْآهم عن مراكز الاختراعات العصرية ، كيف كان جوابهم عندما استفتاهم الملك عبد العزيز بن سعود - أيده الله - في قضية اللاسلكي والتليفون والسيارة الكهربائية ؟ أجابوه أنها محدَثات نافعة مفيدة ، وأنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - لا بالمنطوق ولا بالمفهوم - ما يمنعها . 

أفليس الأدنى لمصلحة الأمة أن تقدر الدولة على معرفة أي حادث يحدث بمجرد وقوعه حتى تتلافى أمره ؟ أفليس الأنفع للمسلمين أن يتمكن الحاج ببضع ساعات من اجتياز المسافات التي كانت تأخذ أيامًا وليالي ؟ 

لقد سألت الشيخ محمد بن علي بن تركي من العلماء النجديين الذين بمكة عن رأيه في التليفون واللاسلكي فقال لي : هذه مسألة مفروغ منها ، وأمر جوازها شرعًا هو من الوضوح بحيث لا يستحق الأخذ والرد " .ا.هـ. 

وقال أيضا في " المنار " ( جلد 30/ جزء 3/ ص 225 ) : " وكان يسرني أضعاف ذلك أن يرعوي أمان الله خان ويزدجر ، ويسلك في إصلاح بلاده الصراط المستقيم وهو هدي الإسلام الجامع بين مصالح الدارين ، والفوز بالحسنيين ، ويستعين على جمود علماء بلاده بالمستنيرين من علماء هذه البلاد وغيرها ، وقد ضمنت له ولرجاله إقناعهم بكل ما يشتبهون في منع الشرع له من الترقيات العسكرية والإدارية ونحوها ، كما قنع قبلهم كثير من علماء العرب والترك ، حتى علماء نجد الذين لا يجهل أحد شدة اعتصامهم بالدين وقوة شكيمتهم فيه ، وها هو ذا ملكهم وإمامهم قد وجد منهم خير الأعوان الناصحين لغلاة قومهم الذين استنكروا منه استعمال التلفون والتلغراف اللاسلكي ونحوهما ، ظنًّا منهم أنه من السحر وعمل الشيطان " .ا.هـ. 

ومن الافتراءات التي راجت عن علماء بلادنا على البعض أن رماهم بعض المستكتبين في الصحف أنهم وقفوا في وجه تعليم المرأة ! وتلك فرية لا تثبت عند التمحيص ، بل هي عارية عن الصحة جملة وتفصيلا ، وأدل دليل على ذلك هذا المرسوم الملكي :

(نطق ملكي كريم) 

الحمد لله وحده وبعد : فلقد صحت عزيمتنا على تنفيذ رغبة علماء الدين الحنيف في المملكة في فتح مدارس لتعليم البنات العلوم الدينية، من قرآن وعقائد وفقه، وغير ذلك من العلوم التي تتمشى مع عقائدنا الدينية، كإدارة المنـزل، وتربية الأولاد وتأديبهم، مما لا يخشى منه عاجلاً أو آجلاً أي تغيير على معتقداتنا، لتكون هذه المدارس في منأى عن كل شبهة من المؤثرات التي تؤثر على النشء، في أخلاقهم، وصحة عقيدتهم وتقاليدهم، وقد أمرنا بتشكيل هيئة من كبار العلماء الذين يتحلّون بالغيرة على الدين، لتشرف على نشء المسلمين في تنظيم هذه المدارس، ووضع برامجها، بمراقبة حسن سيرها فيما أنشئت له، وتكون هذه الهيئة مرتبطة بوالدهم حضرة صاحب السماحة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، على أن تختار المدرسات من أهل المملكة أو غيرهم اللواتي يتحقق فيهن حسن العقيدة والإيمان، ويدخل إلى هذه المدارس ما قد سبق فتحه من مدارس للبنات في عموم المملكة ، وتكون جميعاً مرتبطة في التوجيه والتنظيم بهذه اللجنة تحت إشراف سماحته، مع العلم أن هذا التشكيل يتقدم الوقت الكافي بتهيئة وسائل التأسيس، ونأمل أن يكون ذلك في وقت قريب، والله الموفق ولا حول ولا قوة إلا بالله ) . 

( سعود بن عبدالعزيز )

( انظر : جريدة أم القرى / يوم الجمعة 21 ربيع الثاني سنة 1379هـ ) 

دققوا في عبارة : " فلقد صحت عزيمتنا على تنفيذ رغبة علماء الدين الحنيف في المملكة " ، فالعلماء هم من رغب في تعليم المرأة ، وعندما أشرف العلماء على تعليم المرأة كانت أفضل تجربة في العالم من جهة عدم الاختلاط بين الجنسين في التعليم ، وقبل ذلك هم من أقروا استخدام المخترعات الحديثة خلافا للعوام بشهادة من هم من خارج البلاد مثل شكيب أرسلان ، والشيخ محمد رشيد رضا . 

ولو رجع المنصف العاقل إلى فتاوى علماء بلادنا سواء الفردية للعلماء ، أو فتاوى اللجنة الدائمة ، أو هيئة كبار العلماء واستخرج الفتاوى المتعلقة بالمخترعات الحديثة لوجد كمّا هائلا يتضح منه تهافت كلام أولئك المستكتبين في الصحف ، وأكتفي بهذه الأمثلة التي فيها توضيح وبيان لكل منصف عادل . 

أسألُ اللهَ أن يحفظ لنا علماء البلاد ، ويوفق ولاة الأمر لما يحبه ويرضاه . 

عبدالله بن محمد زقيل
كاتب وباحث شرعي
zugailamm@gmail.com
 
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية