صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







معركة القنادر !

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل

 
لا يخلو كتابٌ من كتب السنة ، أو كتب الآداب الشرعية ، أو الكتب الفقهية إلا وتروي لنا جملةً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن آداب لبس النعل ، وهي كلمةٌ مؤنثة وجمعها نعال ، وآداب لبس النعل أو ما يسمى اليوم بالحذاء كثيرة من ذلك : استحباب لبسه ، وأن يبدأ عند لبس النعل باليمنى ، وفي خلعه باليسرى ، ويكره المشي في نعل واحدة لغير عذر ، وجواز الصلاة بالنعلين ، ومنع لمشي بين المقابر بالنعال ، وغير ذلك من الآداب .

والضرب بالنعال كان معروفا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لشارب الخمر .

‏عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ‏أُتِيَ النَّبِيُّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏بِرَجُلٍ ‏‏قَدْ شَرِبَ ، قَالَ : " اضْرِبُوهُ " ، قَالَ ‏أَبُو هُرَيْرَةَ : "‏ ‏فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ " ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : " أَخْزَاكَ اللَّهُ " ، قَالَ ‏: " لَا تَقُولُوا هَكَذَا ، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ " .
أخرجه البخاري .

قال الحافظ ابن حجر عند شرحه للحديث : " وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ : " أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَشْوَان فَأُمِرَ بِهِ فَنُهِزَ بِالْأَيْدِي وَخُفِقَ بِالنِّعَالِ " الْحَدِيث , وَلِعَبْدِ الرَّزَّاق بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر أَحَد كِبَار التَّابِعِينَ : " كَانَ الَّذِي يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي عَهْدِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْر وَبَعْض إِمَارَة عُمَر يَضْرِبُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَنِعَالِهِمْ وَيَصُكُّونَهُ " .

وأهل العلم يناقشون في كتب الفقه وشروح الحديث حد شارب الخمر والأداة المستخدمة في الجلد هل هي الجريد أم النعال أم الثياب أم السوط على خلاف فقهي بينهم .

وتعارف العرب أن رفع الحذاء في وجه شخص يعني قمة الإهانة والاحتقار ، وقد يكون تأثيره النفسي أبلغ من الشتم باللسان ، ويسبب كسرا معنويا يسري تأثيره على الشخص المهان ، وربما ينقلب إلى وحش كاسر بسبب تلك الإهانة .

السادة الكرام ...

بعد هذا الملخص لحكم النعل أو الحذاء في الشريعة نأتي على المشهد الذي أشغل الإعلام العالمي في نهاية ولاية الصليبي ومجرم الحرب جورج دبليو بوش الابن لعلاقته بالحذاء ، والسيناريو لذلك المشهد ...
المكان : بغداد
الزمان : السادس عشر من ذي الحجة لعام 1429 هـ
المناسبة : لقاء صحفي جمع بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والصليبي ومجرم الحرب بوش .
عناصر الحدث : منتظر الزيدي ، ونوري ، وبوش .

في قاعة اكتظت بالإعلاميين ، وكاميرات وفلاشات المصورين ، وبينما بوش يقول باللكنة العربية : شكرا ، وإذ بحذاء مسرع يأتي من أحد الحضور ينطلق بسرعة جنونية ربما تجاوزت 200 كم في الساعة صوب وجه الصليبي بوش ! ، ويروغ منها بوش بحركة رياضية تدلك على الرشاقة ، ولما يصعد برأسه من الحذاء المسرع الأول ، وإذ بحذاء آخر بنفس السرعة وبنفس السيناريو الأول ، ولم يصب حذاء الرامي له وجه الصليبي !

فترة حكم الصليبي بوش الابن على وشك الانتهاء ، وصاحب فردتي الحذاء منتظر الزيدي دخل التاريخ من أوسع أبوابه ، ولو تخلينا أحد الحذائين أصاب وجه بوش كيف ستكون نهاية حكمه الصليبي ؟ ربما عاهة مستديمة تذكره إلى أن يموت بذلك الحذاء ، ولكن مع الأسف لم يصب أي الحذائين الهدف ! وبالطبع الهدف هو وجه بوش الابن .

وبعد الرمي التفت الجميع صوب الرامي للحذائين منتظر الزيدي وقفزوا عليه ، وخرج البعضُ من باب خلف رئيس الوزراء العراقي ، والصليبي بوش ليكملوا العدد الذي اجتمع على منتظر !
مقطع الفيديو لتلك اللحظات انتشر عن طريق وكالة " اسيوشيدت برس " انتشارا سريعا في جميع المحطات الفضائية والأرضية ، والشبكة العنكبوتية ، والتعليقات عليه لا تحصى ، وفرح العالم كله بالرامي وبالأداة المرمي بها وهو حذاء منتظر الزيدي ، وتباينت مشاعر الناس نحو ذلك المشهد ، ولكن يبقى حذاء منتظر الزيدي – أكرم الله الجميع - هو البطل الذي سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه .
ناداني ابني محمد وقال لي : هل رأيت مقطع الفيديو الجديد في اليو تيوب ؟
قلت له : أي واحد ؟ لأن الموقع يقذف بالمئات من المقاطع كل يوم
وعندما أراني المقطع أصابتني الدهشة ! وقلت له : أعده مرة أخرى ، وأعاده ولا أكاد أصدق ما رأيت ، وقلتُ له : معقول !
العجيب في المقطع محاولة نوري المالكي صد الحذاء عن مجرم الحرب بوش ، فهو يحميه بالرغم مما فعله في العراق ، وليس مستغربا منه ، فمجرم الحرب بوش ولي نعمة نوري المالكي الذي حماه ، وأدخله إلى العراق على الدبابة الأمريكية .

رمي الصحفي منتظر الحذاء وشتم بوش يعبر عن مدى الحنق من أفعاله في العراق ، وأجزم أن كثيرا من الناس فرحوا بذلك المشهد مسلمهم وكافرهم ، أسودهم وأبيضهم ، عربيهم وأعجميهم ، فالذي فعله ببلاد المسلمين ومنها العراق ، والناس الذين شُردوا ، وتيتموا ، وترملوا لا يشفع له أن يكون في قلب أحد ذرة من احترام لمجرم الحرب بوش ، وجاءت قندرة (باللهجة العراقية) الصحفي منتظر لتسدل الستار عن فترة حكم عانى فيها العالم من حماقات ذلك الرئيس الذي يعد أسوء رئيس مر على أمريكا ، القلة اتهم الصحفي منتظر بالحُمق لأنه ألقى بنفسه إلى التهلكة بأيدي من قبضوا عليه ، ولكن القدر المشترك عند الجميع أنه أدخل السرور على الكثير في العالم لأنه ختم فترة حكم مجرم الحرب بالقندرة ! ، وتصدرت عناوين الصحف العالمية والعربية والمحلية الخبر ، وعبر الرسامون الكاريكاتوريون ذلك المشهد بسخرية ، ونظم الشعراء القصائد في مدح المشهد .

ومن آخر ما قرأتُ عن قندرة الصحفي منتظر : عرض مواطن سعودي من منطقة عسير شراء حذاء الصحافي العراقي الذي قذف به الرئيس الأمريكي جورج بوش، بعشرة ملايين دولار أمريكي ، في حين أن هناك فقراء أو من دون خط الفقر في عسير أولى بهذا المبلغ !

وذكرني بعرض لشراء نعل أبي تحسين التي ضرب بها صورة صدام حسين عندما أطيح به بمبلغ 250 ألف دولار ، وقدمت العرض عائلة كويتية ، ولكنه فضل التبرع به لمتحف في حلبجة التي ضُربت بالكيماوي ، فهل هذا الضربُ من التبذير يأتي تعاطفا مع منتظر الزيدي أم أنه من باب الشهرة ؟!
أعتقد التعاطف الوجداني مع منتظر الزيدي هو المحرك لمثل هذا التبذير الغير مسوغ شرعا وعقلا ...

وختاماً : سيبقى هذا المشهد عالقا بالأذهان لمدة طويلة كمشهد شنق الرئيس صدام حسين والشعارات التي أطلقت حين شنقه والتوقيت الذي شنق فيه ، في ظني هناك أوجه شبه بين المشهدين ، والله أعلم .



عبدالله بن محمد زقيل
كاتب وباحث شرعي
zugailamm@gmail.com

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية