صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الأمير عبدالقادر الجزائري والاستعمار الفرنسي!

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل
@zugailamm


أخي د. عبد العزيز قاسم .
قرأتُ معارضة زميلنا في مجموعتك البريدية الباحث الموريتاني الهادي النحوي – وفقه الله – على علي بلحاج في موضوع الصوفية ، وعنونتَ لها : " النحوي: كونوا أكثر إنصافا واقرؤوا التاريخ لفهم التصوف ومعرفة مدى إسهامه في نشر هذا الدين وان ضد المستعمر يا بلحاج " .
وليسمح لي الزميل الهادي النحوي بهذه المداخلة التي أرجو أن يتسع صدره لها ، وسأقتصرها على موقف الصوفية من الاستعمار ، وأما باقي النقاط فلعل الزملاء في المجموعة يشاركونا بما لديهم .
قبل الدخول في التفصيل دعني أؤصل لقضية مهمة جدا وهي موقف الصوفية من الجهاد .
بنظرة سريعة على الأساليب التي اتخذها الصوفية لصرف الناس عن الجهاد في سبيل الله هو تفسير الآيات القرآنية المتعلقة بالجهاد بتفسيرات غريبة جدا ، وأن المقصود به هو جهاد النفس وليس جهاد الأعداء أو المحتل .
قال السهروردي في " عوارف المعارف " ( ص 82 ) : " عن داود بن صالح أنه قال : قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن : يا ابن أخي ؛ هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [ آل عمران : 200 ] ، قلت : لا ، قال : يا ابن أخي لم يكن في زمن رسول الله غزو يربط فيه الخيل ، ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة فالرباط لجهاد النفس ، والمقيم في الرباط مرابط مجاهد نفسه " .
وقال أيضا : " وقال بعض المتصوفة في قوله تعالى : " وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ " [ الحج : 78 ] هو مجاهدة النفس والهوى ، وذلك حق الجهاد وهو الجهاد الأكبر على ما روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رجع من بعض غزواته : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " .
قال العجلوني في " كشف الخفاء " عن الحديث : " قال الحافظ ابن حجر في تسديد القوس : هو مشهور على الألسنة وهو من كلام إبراهيم بن عيلة " .ا.هـ.
وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية عنه : " لا أصل له ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله " .ا.هـ.
ومن الأساليب أيضا أنهم يرون عدم جدوى جهاد الكفار وهذا بناء على قولهم بأن كل ما قدره الله فهو يحبه ، وكل ما وقع فقد قدره الله ، ولذا يجب عدم معارضة قضاء الله وقدره .
وسأضرب مثالا بالإمام الغزالي ( ت 505 ) فقد عاش في العصر الذي غزا فيه الصليبيون والتتار بلاد المسلمين ، واحتلوا ، وقتلوا ، وذبحوا ، وفعلوا الأفاعيل ، فلم يذكر الجهاد في كتابه " إحياء علوم الدين " ، ولم يأتي عليه ، وكان مجاورا في بيت المقدس تارة ، ومعتكفا بزاويته في الجامع الأموي تارة أخرى .
أكتفي بهذه المقدمة .
نأتي الآن على موقف الأمير عبد القادر الجزائري الذي استشهدت به أخي الهادي النحوي ، واسمح لي أن أنقل ما ذكره الزركلي في " الأعلام " (4/45 -46) عنه قائلا : " ... ولما دخل الفرنسيس بلاد الجزائر(سنة1246 هـ -1843 م ) بايعه الجزائريون وولوه القيام بأمر الجهاد ، فنهض بهم ، وقاتل الفرنسيين خمسة عشر عاما ، وضرب في أثنائها نقودا سماها "المحمدية " وأنشأ معامل للأسلحة والأدوات الحربية وملابس الجند . وكان في معاركه يتقدم جيشه ببسالة عجيبة . وأخباره مع الفرنسيين في احتلالهم الجزائر كثيرة ، لا مجال هنا لاستقصائها . ولما هادنهم سلطان المغرب الأقصى عبد الرحمن بن هشام ، ضعف أمر عبد القادر ، فاشترط شروطا للاستسلام رضي بها الفرنسيون ، واستسلم سنة 1263هـ (1847م) فنفوه إلى طولون ، ومنها إلى أنبواز حيث أقام نيفاً وأربع سنين . وزاره نابليون الثالث فسرحه ، مشترطا أن لا يعود للجزائر . ورتب له مبلغا من المال يأخذه كل عام . فزار باريس والأستانة ، واستقر في دمشق سنة 1271هـ وتوفي فيها " .ا.هـ.
وقد انقلب الأمير عبد القادر 180 درجة على الاستعمار فأصبح مصادقا له ، قال د.الزهراني في " الانحرافات العقدية والعلمية " (1/540) : " وحين انهزمت فرنسا سنة 1870م أظهر الأسف ، وتزين بنيشانها الأكبر إظهارا لاعتراف مصادقتها ، وتخلى عن ملاقاة الناس مدةً . واعتبر " السنوسي " ذلك من أخبار وفائه ... وحين قام ابنه " محي الدين " بإعلان الجهاد ضد الفرنسيين مرة أخرى ، واتفق مع بعض زعماء القبائل في الجزائر ، تبرأ " عبد القادر " منه ، وكان ذلك سببا في انفضاض القبائل عنه ، وفشل حركته ... " .ا.هـ.
فهذه نهاية الأمير عبد القادر – رحمه الله – مع الاستعمار ، وهناك أمور أخرى أثيرت حوله لا أريد الدخول فيها .
واصل د. الزهراني (1/540) قائلا : " وحين كان الأمير " عبد القادر " يقود المجاهدين لحرب المستعمر ، قاومه كثير من الطرقيين ، وانبث كثير من شيوخ الطرق في البلاد لتثبيط الهمم بالنسبة للمقاومة ، ومطالبة الناس بالانتظار والهدوء حتى تصل السفن الفرنسية ، وقد قامت حكومة الجزائر الفرنسية بتقريبهم ، ومكافآتهم ، ومنحهم النياشين والأوسمة ، تقديرا لجهودهم في خدمتها ، والوقوف إلى جانبها .
وكان شيوخ الطرق الخائنون يقومون بكتابة عرائض بتوقيعاتهم ، وتوقيعات أتباعهم ، يملؤونها بالثناء والشكر لفرنسا ، التي كانت تعتبرهم ممثلين للشعب ، ولا غرابة بعد ذلك كله أن يقول الحاكم الفرنسي في الجزائر : " إن الحكومة الفرنسية تعظم زاوية من زوايا الطرق أكثر من تعظيمها لثكنة جنودها وقوادها ، وأن الذي يحارب الطرق إنما يحارب فرنسا !!! ... وحين تأسست جمعية العلماء المسلمين في الجزائر سنة 1931م ، وانطلقت تؤدي دورها التربوي ، وتنشئ المدارس ، وتنشر اللغة العربية ، أقلقت السلطات الفرنسية ، وكان سلاحها الماضي في القضاء على تلك الجمعية رجال الطرق الصوفية .
فقد تألب كل من أتباع الطريقة العليوية والطريقة الشاذلية والطريقة القادرية وغيرها من الطرق الصوفية الأخرى ضد الجمعية محاولين القضاء عليها وتنفير الناس منها ، ووصل الأمر ببعضهم إلى القيام بمحاولة اغتيال مؤسسها المجاهد الشيخ " عبد الحميد بن باديس " رحمه الله " .ا.هـ.
والكلام طويل في هذه القضية بالذات الصوفية الذين وقفوا مع الاستعمار منذ البداية بالمؤزارة والمناصرة والمقاتلة في صفه وتحت رايته ، ودعوة الناس إلى الرضوخ لذلك ، وتحذر من مقاومته .
وفي هذا القدر كفاية ...

عبد الله زقيل


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية