صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







بين "داعية" و"فنان" !!

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل
@zugailamm


لاتزالُ الصحافةُ المحلية عندنا تعيشُ كمّاً كبيراً من المتناقضات التي لم ولن تنتهي ، فقد دأبت على قرع طبول النائحة المستأجرة على أي خبر يتعلق بداعية أو عالم أو طالب علم إذا بدر منه ما لا يُوافقه عليه العقلاء من فعلٍ أو تصريحٍ أو تقريرٍ ، بل تحاول بكل ما أوتيت من تلاعبٍ في عناوين ومحتويات الأخبار عمل صورة نمطية معينة تظهر تيارا أو مجتمعا كاملا بصورة همجية متخلفة فظة غليظة ، وكل ذلك لا يخلو من عدم المصداقية ، والبعد عن المهنية .

بينما في المقابل تصدر أفعال مشينة وغير سوية من أناس محسوبين على سبيل المثال : الوسط الفني أو الرياضي أو بعض المسؤولين فلا تجد تلك الزوبعة والهجوم واللمز والغمز والنوح المستأجر ، وربما لا يورد الخبر أصلا فيها بل يعرف عن طريق بعض الصحف الإلكترونية أو التسريبات في المواقع الاجتماعية أو النقل عن المجالس والعلاقات الشخصية .
ولو رجعنا لأرشيف الصحافة في هذا الباب تحديدا وذلك بحصر المتناقضات لطال بنا المقام ولكن دعوني أقرر مبدأً قرآنياً مهماً يجلي إشكالا يقع فيه شريحة من المتأثرين بما ينشر في الإعلام بصفة عامة والصحافة بخاصة ألا وهو مبدأ "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" .

هذا المبدأ القرآني العظيم ورد ذكره باللفظ الآنف الذكر في كتاب الله في خمسة مواضع وهي:
سورة الأنعام (آية : 164) ، والإسراء (آية : 15) ، وفاطر (آية : 18) ، والزمر (آية : 7) ، والنجم (آية : 38) .
أضف إليها آيات أخرى تعضد وتقوي هذا المبدأ القرآني مثل قوله تعالى : "وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا" [ الأنعام : 164 ] ، وقوله تعالى : "وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى" [ فاطر : 18 ] ، وقوله تعالى : "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" [ المدثر : 38 ] .

وكما قيل : بالمثال يتضح المقال ...
دعونا نأخذ آخر قضية شُغل بها الإعلام بجميع فروعه ومواقع التواصل الاجتماعي ألا وهي قضية الطفلة "لمى" – مثل اسم ابنتي الصغرى – التي ذهبت ضحية عنف لا يقره شرع ولا عقل بل ولا حيوانات ، والمتهم فيها بحسب ما نشر هو والدها الذي لم يرحم براءة طفلة صغيرة ، وبحسب مجريات القضية أن أمها مطلقة ، ولا يشك عاقل أنها من قضايا العنف الأسري الخطيرة .
المستفز في القضية تعامل الصحافة المحلية غير المهني وكما أشرتُ آنفا محاولة خلق صورة نمطية سيئة عن شريحة معينة في المجتمع فجاءت عناوين الصحف وبعض القنوات الفضائية حاشرة لفظة "داعية" ! .
ولنفترض أنه داعية وثبت أنه قام بالجريمة فهل هذا يعني صك براءة له ؟ ولا يتحمل وزر جريمته ؟ أم أن المقصد أبعد من ذلك ؟ ولا شك أن المقصد واضح لكل ذي لب .

الغريب والمريب في القضية أنها حدثت – حسب آخر المعلومات – قبل ما يقارب العام ، وأن المتسبب في وفاة "لمى" تشخيص الطبيب الذي أمر بإخراجها من العناية المركزة إلى غرفة الأصحاء ! .
ولا أستبعد أن الأيام القادمة حُبلى بتفاصيل تخالف تماما ما نشر في الإعلام ، وأقول هذا عن تجارب سابقة وليست تجربة واحدة .

الصورة المتناقضة في المقابل أن قضية مشابهة تقريبا حصلت مع فنان سعودي تدخل تحت مسمى العنف الأسري حيث حصلت مشادة كلامية بين فنان سعودي وبين زوجته المغربية فقضم أنفها تسبب لها في نزيف ، ونقلت للمستشفى للعلاج ، ورفعت الزوجة عليه دعوى قضائية ولم نسمع أو نقرأ عناوين مماثلة للجلبة التي حصلت مع "الداعية" !
صحيفة "الرياض" وضعت عنوانا "زوج يقضم أنف زوجته بعد مشادة كلامية" ! ، بينما عنوان صحيفة "سبق" الإلكترونية "فنان سعودي يقضم أنف زوجته في الرياض" ! .

هل لاحظتم الفرق بين العنوانين ؟
وذهبت مجلة "سيدتهم" إلى أبعد من ذلك فأتت بتفاصيل القضية واسم الفنان وجنسية الزوجة بينما الصحافة سكتم بكتم !
ولسان حالها يقول : تستحق هذه المرأة ، وكأن العنف الأسري لا ترفع الصحافة عقيرتها إلا على "الداعية" ، أما الفنان ، والمتلبرل ، والرياضي ، وغيرهم فهؤلاء مرفوع عنهم القلم فيفعلون ما يريدون بالنساء ولو وصل الأمر للقتل ! فهي كائن يستحق أن يسكت عن ظلمها إن كان من غير "الداعية" .

هل رأيتم وسمعتم مكاييل وظلم وعدم مهنية كهذه ؟!
وختاما : وأنا أكتب هذه السطور قرأت مقالا رائعا للكاتب محمد الأحيدب عن قضية الطفلة "لمى" وتعامل الإعلام مع لفظة "داعية" عنون له "لم يقتلها لأنه داعية!!" فألفيته مقالا قيما يكشف زيف الإعلام غير المهني .

ولذا نصيحة من محب وعارف : لا تتسرعوا في تصديق ما تنشره الصحافة مباشرة وخاصة إذا كان فيها طرف لا ترتضيه بل ينبغي التمحيص والتدقيق والسؤال والبحث عن الحقيقة ، فقد عانت مؤسسات حكومية وأفراد من كذب الصحافة ، والصحافة الغربية للأسف تنقل عن صحافتنا المحلية خبرا مكذوبا ، فيصبح وسيلة ضغط على الدولة ، أو سخرية بنا .
وصدق الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [ الحجرات : 6 ] .


كتبه :
عبد الله بن محمد زقيل
28 – 12- 1433هـ
@zugailamm

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية