صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مقولة "القرآن حمال أوجه" !

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل
@zugailamm


يردد البعض عبارةً ينسبها إلى الخليفة الرابع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب تقول: "القرآن حمال أوجه".
فما صحة سندها إلى علي بن أبي طالب ؟ وما سياقها على فرض صحتها ؟ وما مدى مصادمتها للقرآن ؟
أولا: لا يوجد سند صحيح إلى علي بن أبي طالب أنه قالها رغم شهرتها وطيرانها في الآفاق وتلقف الناس لها وكأنها نص قرآني، والشهرة لا تعني بحال من الأحوال الصحة، ولذلك ألف العلماء كتبا عن الأحاديث المشتهرة على الألسنة وتجد كثيرا منها لا أسانيد لها أصلا.

والأثر لم أجده باللفظ، وإنما جاء بلفظ آخر فقد روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنه ، ويحيى بن أبي أسيد .
1- عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم : " القرآنُ ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه " .
أخرجه الدارقطني في سننه (4276) ، وحكم عليه العلامة الألباني في "الضعيفة" (1306) بأنه ضعيف جدا وأعله بثلاث علل .
2- عن يحيى بن أبي أسيد عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إن القرآن ذلول ذو وجوه فاتقوا ذله وكثرة وجوهه "
ذكره ابنُ حزم في الإحكام في أصول الأحكام (3/281) وقال: "مرسل لا تقوم به حجة" .
فالحديث بهذين الطريقين لا يصحُ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أما الموقوف على ابن عباس فأخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/560) عن الأوزاعي قال : "خاصم نفرٌ من أهل الأهواء علي بن أبي طالب ، فقال له ابن عباس : يا أبا الحسن ؛ إن القرآن ذلول حمول ذو وجوه ، تقول ويقولون ، خاصمهم بالسنة فإنهم لا يستطيعون أن يكذبوا على السنة" .
وهو ضعيف في سنده يحيى بن عبد الله البابلتي قال عنه ابن حبان: يأتي عن الثقات بأشياء معضلات يهم فيها فهو ساقط الاحتجاج فيما انفرد به.
وأيضا في سنده الحسن بن جعفر السمسار، قال عنه الحافط ابن حجر في "اللسان" (2/198): "قال العتيقي : كان فيه تساهل" .
فالسند ضعيف ، وكذلك هو من قول ابن عباس لعلي بن أبي طالب وليس العكس.

ثانيا: على فرض صحة الأثر عن ابن عباس فالسياق لا يساعد المطلقين لها على الاستدلال بها فقد قالها علي بن أبي طالب عندما بعث ابن عباس للخوارج لنقاشهم ومحاورتهم فأمره بعدم جدالهم في القرآن لأنه بالنسبة لهم حمال أوجه فإذا أردت أن تحاجهم فعليك بالسنة فهي مبينة وشارحة للقرآن.

ثالثا: في هذا المقام لا بد من إيراد آية مهمة تكشف المتبعين للمتشابه لضربه بالمحكم، وهي قوله تعالى: " هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ" [ آل عمران : 7 ]
فالقائلون أن القرآن حمال أوجه لا شك أنهم من الذين وصفهم الله بالزيغ واتباع المتشابه، ولذلك تقول عائشة رضي الله عنها: " تَلاَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ" قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّىَ اللَّهُ، فَاحْذَرُوهُمْ".
أخرجه مسلم في صحيحه.
وعن أَبي عِمْرَانَ الْجَوْنِيّ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيُّ أَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: هَجَّرْتُ إِلَىَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْماً، قَالَ: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ. فَقَالَ: "إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلاَفِهِمْ فِي الْكِتَابِ"
أخرجه مسلم في صحيحه.
وضرب العلامة ابن كثير مثلا للتلاعب بالآيات والوقوف عند المتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة فقال: كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وتركوا الاحتجاج بقول: "إن هو إلا عبد أنعمنا عليه"، وبقول: "إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون" .

رابعا: قال الشيخ د. يوسف القرضاوي ردا على أولئك المستدلين بمقولة علي بن أبي طالب المنسوبة إليه : ولقد اتخذ بعض الناس من كلمة أمير المؤمنين علي تكأة يعتمدون عليها في دعوى عريضة‏:‏ أن القرآن يحتمل تفسيرات مختلفة‏ وأفهاما متباينة‏ بحيث يمكن أن يحتج به على الشيء وضده.

‏ولو صح ما ادعوه على القرآن الكريم لم يكن هناك معنى لإجماع الأمة بكل طوائفها على أن القرآن هو المصدر الأول للإسلام عقيدة وشريعة‏ ولم يكن هناك معنى لوصف الله تعالي القرآن بأنه نور وكتاب مبين‏، فكيف يكون الكتاب المبين‏ الهدى والفرقان والنور غامضا أو قابلا لأي تفسير يشرق صاحبه أو يغرب‏ وقد قال تعالى‏:‏ "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" [ النساء : 59 ] .

وقد أجمع المسلمون على أن الرد إلى الله يعني الرد إلى كتابه‏ وأن الرد إلى الرسول بعد وفاته يعني الرد إلى سنته،‏ فإذا كان الكتاب حمال أوجه‏ ـ كما يقال‏ ـ فكيف أمر الله تعالى برد المتنازعين إليه؟‏ وكيف يعقل أن يرد التنازع إلى حكم لا يرفع التنازع، بل هو نفسه متنازع فيه؟ .ا.هـ.


عبد الله بن محمد زقيل
تويتر : @zugailamm
بريد إلكتروني : zugailamm@gmail.com


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عَبْد اللَّه زُقَيْل
  • مسائل في العقيدة
  • مسائل فقهية
  • فوائد في الحديث
  • فوائد في التفسير
  • فوائد في التاريخ
  • فـتـاوى
  • مشاركات صحفية
  • تـراجــم
  • متفرقات
  • كتب تحت المجهر
  • دروس صوتية
  • الصفحة الرئيسية