الــــحــــمــــدُ لــــلــــهِ وبــــعــــدُ ؛
كنتُ مع أحد الأحبةِ في نقاشٍ من خلال الماسنجر وسألني عن حديث كتبه لي
بطريقة لم أتمكن من قراءته إلا بعد أن كتب لي الحديث بلفظه الآخر .
وفي هذا البحث سنقف مع اللفظ الذي سئُلت عنه ، وهي فائدة جميلة أحببت أن أفيد
بها إخواني هنا ، إلى جانب أني وعدت أخي السائل عن الحديث بتخريجه وكلام أهل
العلم عليه .
نَـــــصُ الـــــحَـــــدِيــــثِ :
روى الإمام أحمد في المسند (5/434)
بسنده فقال :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أُمِّ
الدَّرْدَاءِ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ - وَكَانَ
مِنْ أَصْحَابِ السَّقِيفَةِ - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ
فِي امْسَفَرِ .
- أخرجه الطبراني في الكبير (19/172 ح 387) من طريق عبد الله بن أحمد ، عن
أبيه به ، ولفظه :
ليس من ام بر ام صيام في ام سفر .
- وأخرجه البيهقي في " السنن " (4/242) من طريق عبد الرزاق به .
كَـلامُ الــعُــلَـمَـاءِ عـلى
لَــفْــظِ الحَــدِيـثِ :
تكلم العلماء على لفظ حديث : " لَيْسَ
مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ " سواء أهل اللغة ، أو الحديث ،
أو القراءات ، وهذه بعض أقوالهم :
1 - قال الزيلعي في " نصب الراية "
(2/461) :
وروى : " لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ
فِي امْسَفَرِ " وهي لغة بعض العرب ، رواها عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا
معمر ، عن الزهري ، عن صفوان بن عبد اللّه بن صفوان بن أمية الجمحي ، عن أم
الدرداء ، عن كعب بن عاصم الأشعري ، عن النبي عليه السلام ، فذكره ، وعن عبد
الرزاق رواه أحمد في "مسنده" ، ومن طريق أحمد رواه الطبراني في " معجمه "
.ا.هـ.
2 - وقال الخطيب البغدادي في "
الكفاية " ( ص 281) :
أخبرنا : الحسن ابن أبي بكر بن شاذان
قال : أنَّا أحمد بن إسحاق بن منجاب الطِّيِّبي قال : ثنا أحمد بن محمَّد بن
شاكر الزَّنجانيّ قال : ثنا الحسن بن علي الحلوانيّ قال : ثنا عبد الرَّزاق
قال : أنَّا معمر ، عن الزُّهري ، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، عن أم
الدَّرداء ، عن كعب بن عاصم الأشعريّ قال : سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه
وآله وسلَّم - يقول : لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ .
قلت : أراد ليس من البر الصِّيام في السفر ، وهذا لغة الأشعريّين يقلبون
اللام ميماً فيقولون :
رأينا أولئك امرجال ( يريدون الرِّجال ) ومررنا بامقوم أي : ( بالقوم ) وهي
لغة مستفيضة إلى الآن باليمن .
وفي الحديث أنَّ أبا هريرة قال : يوم الدار طلب امضرب. ( يريد طاب الضرب ) .
أخبرنا بذلك : حسن ابن أبي بكر قال : أنَّا عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم
البغويّ قال : ثنا إسماعيل بن إسحاق قال : ثنا سليمان بن حرب قال : ثنا جرير
بن حازم ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قلت لعثمان
وهو محصور في الدار : طاب امضرب يا أمير المؤمنين .ا.هـ.
3 - وقال الحافظ ابن حجر في " التلخيص
الحبير " (2/205) :
( فَـائِـدَةٌ ) : رَوَاهُ أَحْمَدُ
مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظِ : " لَيْسَ مِنْ امْبِرِّ
امْصِيَامُ فِي امْسَفَرِ " .
وَهَذِهِ لُغَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ , يَجْعَلُونَ لَامَ التَّعْرِيفِ
مِيمًا , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَاطَبَ بِهَا بِهَذَا الْأَشْعَرِيَّ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا
لُغَتُهُ , وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَشْعَرِيُّ هَذَا نَطَقَ بِهَا
عَلَى مَا أَلِفَ مِنْ لُغَتِهِ , فَحَمَلَهَا عَنْهُ الرَّاوِي عَنْهُ ,
وَأَدَّاهَا بِاللَّفْظِ الَّذِي سَمِعَهَا بِهِ , وَهَذَا الثَّانِي
أَوْجَهُ عِنْدِي , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .ا.هـ.
4 - وقال الكتاني في " نظم المتناثر
من الحديث المتواتر " :
( ليس من البر الصيام في السفر ) .
أورده في الأزهار من حديث :
(1) جابر بن عبد اللّه
(2) وكعب بن عاصم الأشعري
(3) وأبي برزة الأسلمي
(4) وابن عباس
(5) وابن عمر
(6) وعمار بن ياسر
(7) وأبي الدرداء سبعة أنفس .
قلت : نص على تواتره أيضاً الشيخ عبد الرءوف المناوي في التيسير نقلاً عن
السيوطي وفي رواية لأحمد من حديث كعب بن عاصم المتقدم : " ليس من أم بر أم
صيام في أم سفر " ، وهذه لغة لبعض أهل اليمن يجعلون لام التعريف ميما ؛
فيحتمل أنه عليه السلام خاطب بها هذا الأشعري لأنها لغته ، ويحتمل أن يكون
الأشعري نطق بها على ما ألف من لغته فحملت عنه علي ما نطق به ، قال ابن حجر
في تخريج أحاديث الرافعي : وهذا الثاني أوجه عندي واللّه أعلم .ا.هـ.
5 - وقال العلامة الألباني - رحمه
الله - في الضعيفة (1130) :
شـاذُ بهذا اللفظ ... قلت : وهذا
إسناد ظاهره الصحة ، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ، وعلته الشذوذ ومخالفة
الجماعة . فقد قال أحمد أيضا : ثنا سفيان ، عن الزهري به بلفظ :
" ليس من البر الصيام في السفر " .
وتابعه عليه ابن جريج ويونس ومحمد بن أبي حفصة والزبيدي كلهم رووه عن الزهري
بلفظ سفيان .
وتابعهم معمر نفسه عند البيهقي وقال :
" وهو المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم " .
وليس يشك عالم بأن اللفظ الذي وافق معمر الثقات عليه ، هو الصحيح الذي ينبغي
الأخذ به ، والركون إليه ، بخلاف اللفظ الآخر الذي خالفهم فيه ، فإنه ضعيف لا
يعتمد عليه ، لا سيما ومعمر ؛ وإن كان من الثقات الأعلام فقد قال الذهبي في
ترجمته :
" له أوهام معروفة ، احتملت له في سعة ما أتقن ، قال أبو حاتم : صالح الحديث
، وما حدث به بالبصرة فيه أغاليط " .
وإن مما يؤكد وهم معمر في هذا اللفظ الذي شذ به عن الجماعة أن الحديث قد ورد
عن جماعة آخرين من الصحابة ، مثل جابر بن عبد الله ، وعبد الله بن أبي برزة
الأسلمي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمرو ، وعمار بن ياسر ، وأبي
الدرداء ، جاء ذلك عنهم من طرق كثيرة ، وكلها أجمعت على روايته باللفظ الثاني
الذي رواه الجماعة ، وقد خرجت أحاديثهم جميعا في " إرواء الغليل " (925) فمن
شاء الوقوف غليه فليرجع إليه إن شاء الله تعالى .
وإنما عنيت هنا عناية خاصة لبيان ضعف الحديث بهذا اللفظ لشهرته عند علماء
اللغة والأدب ، ولقول الحافظ ابن حجر في " التلخيص " :
" هذه لغة لبعض أهل اليمن , يجعلون لام التعريف ميما , ويحتمل أن يكون النبي
صلى الله عليه وسلم خاطب بها بهذا الأشعري كذلك لأنها لغته , ويحتمل أن يكون
الأشعري ( يعني : كعب بن عاصم ) هذا نطق بها على ما ألف من لغته , فحملها عنه
الراوي عنه , وأداها باللفظ الذي سمعها به , وهذا الثاني أوجه عندي , والله
أعلم " .
فأقول : إن إيراد الحافظ رحمه الله تعالى هذين الاحتمالين قد يشعر القارىء
لكلامه أن الرواية ثبتت بهذا اللفظ عن الأشعري ، وإنما تردد في كونه من النبي
صلى الله عليه وسلم نفسه ، أو من الأشعري ، ورجح الثاني . وهذا الترجيح لا
داعي إليه ، بعد أن أثبتنا أنه وهم من معمر ، فلم يتكلم به النبي صلى الله
عليه وسلم ولا الأشعري ، بل ولا صفوان بن عبد الله ولا الزهري . [[ فليعلم
هذا فإنه عزيز نفيس إن شاء الله تعالى ]] .ا.هـ.
- وقال في " إرواء الغليل " (4/58 - 59 ح 925) :
" ليس من البر الصيام في السفر " ... وزاد الطحاوي :
" قال سفيان : فذكر لي أن الزهري كان يقول - ولم أسمع أنا منه - ليس من ام بر
ام صيام في ام سفر "
قلت : وهذه الزيادة عن سفيان شاذة ، بل منكرة ، تفرد بها شيخ الطحاوي محمد بن
النعمان السقطي ، وهو شيخ مجهول كما قال أبو حاتم ، وتبعه الذهبي في "
الميزان " ثم الحافظ في " اللسان " وقال الحاكم :
صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .
ثم أخرجه الإمام أحمد والطحاوي عهن ابن جريج ، والدارمي عن يونس ، والطحاوي
عن محمد بن أبي حفصة ، والفريابي ، والبيهقي عن معمر ، والفريابي عن الزبيدي
كلهم عن الزهري به .
وقال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر به . إلا أن لفظة مثل لفظ
الطحاوي الشاذ :
" ليس من امبر امصيام في أمسفر " .
وهكذا رواه البيهقي من طريق محمد بن يحيى الذهلي ثنا عبد الرزاق به .
وقال محمد بن يحيى : وسمعت عبد الرزاق مرة يقول : أخبرنا معمر ... قلت :
فذكره بإسناد اللفظ الأول : وهو الذي رواه عن يزيد بن زريع عن معمر عند
الفريابي ، وهو المحفوظ عنه صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ في " التلخيص " ( ص 195) بعد أن ذكره باللفظ الثاني من رواية أحمد
:
وهذه لغة لبعض أهل اليمن , يجعلون لام التعريف ميما , ويحتمل أن يكون النبي
صلى الله عليه وسلم خاطب بها بهذا الأشعري كذلك لأنها لغته , ويحتمل أن يكون
الأشعري هذا نطق بها على ما ألف من لغته , فحملها عنه الراوي عنه , وأداها
باللفظ الذي سمعها به , وهذا الثاني أوجه عندي , والله أعلم .
قلت : الأمر كما قال الحافظ - رحمه الله - لو كان هذا اللفظ ثابتا عن الأشعري
، وليس كذلك لاتفاق جميع الرواة عن الزهري على روايته عنه باللفظ الأول ،
وكذلك رواه جابر وغيره كما يأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في جميع الطرق
عنهم رضي الله عنهم ، وأيضا فإن الراوي عن الأشعري إذا أدى الحديث باللفظ
الذي سمعه منه ، فأحرى بهذا اللفظ - أعني الأشعري - أن يؤديه باللفظ الذي
سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم .
تنبيه : وقع الحديث في مسند الشافعي بهذا اللفظ الشاذ كما نبه عليه مرتبه
الشيخ البنا الساعاتي رحمه الله في " بادائع المنن " .ا.هـ.
6 - وقال شعيب الأرنؤوط في تخريجه
لمسند الإمام أحمد (39/84 - 85 ح 23679) :
إسناده صحيح
7 - وقال أحمد البنا في " بلوغ
الأماني من أسرار الفتح الرباني " (10/107) :
أي ليس من البر الصيام في السفر ،
أبدلت اللام ميما في الثلاثة على لغة بعض أهل اليمن حيث خاطبهم النبي صلى
الله عليه وسلم بلغتهم ، وكان هذا الأشعري منهم ، ويحتمل أن الأشعري بلَّغ
الحديث بلغته فأدَّاه الراوي عنه كما سمعه .ا.هـ.
8 - وقال الشيخ مقبل الوادعي - رحمه
الله - في " الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين " (2/179) ، وهذا المرتب على
حسب الصحابة :
... " ليس البر الصيام في السفر " .
هذا حديث صحيح على شرط مسلم وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري
ومسلما أن يخرجاها .
الحديث رواه ابن ماجة ، وعبد الرزاق ، والإمام أحمد ، وعند الإمام أحمد : ليس
من امبر امصيام في امسفر .
ومن طريقين آخرين ليس البر الصيام في السفر . ومدار الحديث على الزهري رحمه
الله .
ورواية : ليس من امبر تصحيف كما في الكفاية للخطيب ، والتلخيص الحبير لابن
حجر ، بل قال الزهري : لم أسمعه أنا : ليس من امبر امصيام في امسفر كما عند
الحميدي في مسنده فعلم من هذا أن الحديث لم يثبت .ا.هـ.
- وقال الشيخ مقبل أيضا في تحقيقه لكتاب " الإلزمات والتتبع " ( ص145) بعد
كلام الدارقطني وهو :
كعب بن عاصم الأشعري حديث أم الدرداء رواه عن الزهري جماعة ثقات منهم ابن
جريج وابن أبي ذئب ومالك ومعمر .
علق الشيخ مقبل في الحاشية بقوله بعد ذكره لرواية الإمام أحمد :
الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة والخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق ،
وعندهم وعند الإمام أحمد في بعض الطرق ليس من البر الصيام في السفر ، وذكر
الحميدي في مسنده (2/381) : أن سفيان بن عيينة قال : وذُكر لي أن الزهري كان
يقول : ولم أسمعه أنا : ليس من امبر امصيام في امسفر ، وذكر الخطيب في
الكفاية أن الصحابي صحفه على لغته ، قال الحافظ في التلخيص : وهو الأوجه عندي
.ا.هـ.
- ونقل نفس الكلام في الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحن (2/427) ، وهو المرتب
حسب الأبواب الفقهية .
هذه أقوال أهل العلم في الحديث بهذا اللفظ ، وهناك أقوال أخرى كثيرة لأهل
اللغة لم أوردها خشية الإطالة .
ومن كان لديه زيادة على ما ذكرنا فليضع ما لديه وأكون له من الشاكرين ، وأقول
له : جزاك الله خيرا .
رابط الموضوع