اطبع هذه الصفحة


الحاجة إلى الغباء

عبدالوهاب بن عبدالله آل غظيف
@wahhab11

 
بسم الله الرحمن الرحيم


أن تجد إنساناً في مجتمع اليوم يعلن الحرب على السيارة و الطائرة ، أو يكره الاستفادة من الكهرباء كما يكره أن يقذف في النار ، ويقوم موقفه ذلك على فلسفة : (أن هذه الأشياء من إنجازات الغرب وهذا الغرب يتنافى معنا ديناً وأخلاقاً وفي كثير من المبادئ ، فلا يجب علينا أن نتأثر به ...الخ ) فلا أقول إنه نادر الوجود ، بل يكاد يُعدم رجل سليم يفكر بهذه الطريقة ، ولن تجد عند عوام الناس من يمتلك هذه العقلية فضلاً عن أن يكون منتسباً للفكر والثقافة .

تلك العقلية الكليلة التي لم يحالفها الحظ لتقف على الفرق بين إفادةٍ مادية بحتة في إطار المشترك الإنساني وبين التأثر الفكري وما ينافي الخصوصية ، لم يحالفها الحظ أيضاً (في صورة الرافض للمنجز المادي) إذ كان رفضه عائقا حقيقياً أمام مصالح الناس في عاجل معاشهم ، من ثم لم تجد رواجاً بينهم أو زبوناً منهم يفكر بها ، فأجمعوا على نبذها الذي تستحقه في هذه الصورة ، وركنوها في زاوية التندر والسخرية ، ولا تظن هذا الإطباق على نبذ هذه العقلية عائد إلى ذكاء الناس واهتدائهم للفرق ، بل إنّ ما أكد قصورها وهشاشتها وبطلانها عندهم كونها ضرراً مادياً وخسارة في عاجل معاشهم ، بدليل : أنك تجد ذات العقلية حينما تلبس ثوباً آخر ، وتصدر في صورة أخرى ، تصطاد فرائسها من حملة الأقلام ومن ينتسب للفكر والثقافة لا الدهماء فحسب ، فذات الملازمة بين المشترك الإنساني وبين الخصوصيات الدينية والفكرية ينتهجها كثير من الكتاب في عواميد الصحف ودهاليز الشبكة ، ليس في صورة الرافض للمنجز المادي ، وإنما في صورة المورد للمنتجات الفكرية والأخلاقية والمبادئية ، تحت ذريعة التنمية والتقدم المادي ، ومصلحة التطور الاقتصادي ... الخ ، وحينما يجابه توريده الانهزامي بممانعة واثقة ومستعلية يصيح في الناس مشوهاً هؤلاء الممانعين : أنهم معيقون للتقدم والتنمية ، كما أنهم يستفيدون من الغربيين مادياً ، في حين أنهم يرفضونه فكرياً !
وكم قرأنا تلك الحجة الداحضة التي يشهرونها في وجه ممانعي التغريب الفكري : أنك أيها الممانع لن تجد مكاناً تتعالج فيه إذا مرضت إلا عند هؤلاء الغربيين ، أو على الأقل تحت طائلة العلوم والتكنولجيا الطبية التي أبدعوها .

يعني : يا من ترفض نسبية الحق ومذاهب الشك الغربية إياك أن تتعالج عندهم وأنت ترفضها ، ويامن تكره وتدفع أخلاق الغرب الإباحية إياك أن تركب سيارة صنعوها وأنت تدفع إباحيتهم ، فما الفرق بين هذه الفلسفة وفلسفة ذلك الرافض للمنجزات المادية ، الذي يقول : (أن هذه الأشياء من إنجازات الغرب وهذا الغرب يتنافى معنا ديناً وأخلاقاً وفي كثير من المبادئ ، فلا يجب علينا أن نتأثر به ) ؟ !
الفلسفة واحدة ، حيث الملازمة التي تجعل المجتمع محصوراً بين خيارين : إما رفض المادة لرفض التأثر الفكري ، وإما التأثر المادي مع ضريبة التأثر الفكري ، وكلاهما خياران مجحفان لا يليقان بمجتمع يعتز بأصالته ويفاخر بقدرته على مواكبة عصره !
وإذا كانت الفلسفة واحدة فإن الفرق يكمن في امتثال الخيارات فحسب ، كما يكمن من جهة أخرى في أن الخيار الذي اختاره كتاب العواميد قد حقق لهم حاجة آيديولوجية أو شهوانية.. ، المهم أنها حاجة لم تكدر صفوها إعاقة حقيقية لمصالح الناس في عاجل معاشهم ، وإن كدرتها إعاقة لمصالح الناس في فكرهم ودينهم وأخلاقهم إلا أنها لا تنهض لينتج عنها ما ينتج عن معيق مادي ، فتثير الانتباه وتستدعي التفكير .

وهذه الدركات الموغلة في الغباء والقصور العقلي ( في سبيل النزعة المادية البهيمية ) تجدها كثيراً في ( المصدر الأصلي ) أعني العقليات الغربية التي تستيغ الإباحية مثلاً وتجرّم التعدد في آنٍ معاً !

20/ 12 / 1431

 

عبدالوهاب آل غظيف
  • المقالات
  • الردود والمراجعات النقدية
  • التدوينات القصيرة
  • الصفحة الرئيسية