صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الوهم القاتل في الخلاف ...

عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
@adelalmhlawi


 الاختلاف بين البشر سُنّة باقية ، هكذا قضى اللهُ -عز وجل - وهو القائل :
" ... ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربُك "
ولا تعني معرفة ذلك الاستسلام له ، وإنّما المقصود التقرير والبيان ، فهو كحقيقة وجود الكفر والإسلام  ، لا تعني الاستسلام للكفر وقبوله ، ولكنها توجب سعي من هو واقع فيه للخروج منه ، وكذلك الخلاف ، حتميته لا تعني أن يكون المرء من أهله ، بل توجب عليه أن يسعى جهده للبعد عنه ، وإن حصل خلافٌ بينه وبين أحد إخوانه أن يعرف كيف يتعامل حينها وُفْق الشريعة الغراء .

ولن أتناول موضوع الخلاف برمته ، فهو متشعب الأطراف ، ولكني سأذكر نقطة مهمة أرى أنّها جوهرٌ في الموضوع ، ومن تعامل معها بديانة وعقلانية وواقعية ، تجلت له الحقيقة ، وقلّ في حياته الخلاف وضاق ، واستطاع أن يقصّر مدته ، وأن يتعامل معه كلما حصل بما يقلل نتائجه السيئة .

هذه النقطة الجوهرية هي :
(ادّعاء كل طرف أنّه مظلوم وأنّ الحق معه)

وهذه من أكبر الأخطاء ، وأشد العوائق في طريق الصلح .
وابحث في مشاكل النّاس ستجد هذا الأمر بيّنًا ظاهرًا ، فكل طرف يدّعي أنّه المظلوم ، وأنّه المُفترى عليه ، والمُقصَّر في حقه .
واستحضر معي هاتين الصورتين المتقابلتين :

الأولى :

رجلان تخاصما وكل واحد منهم يدّعي أنّه مظلوم وأنّه قد أخطئ في حقه ، وأنّه قد تُعُدِّي عليه ، والثاني يُفكر بالتفكير نفسه .
فأنى لهما أن يصطلحا ، وكيف السبيل لردم الخلاف بينهما ؟
والنتيجة الحتمية لحالهما :
هجران للأبد أو على أقل تقدير امتداد هجرانهما زمنًا طويلاً ، وهذا أمر لا يقرّه الشرع .

والصورة الثانية :

رجلان تخاصما وكلاهما أو أحدهما اعترف بخطئه ، أو قال : لعلي أخطأت وقصّرت في حق أخي وأنا لم أشعر ، فهل تتصوّر أن تمتد هذه الخصومة بينهما ؟!

إنّ وهم (أنّ الحق معي ، وأنّني المجني عليه) هو السبب الرئيس في كثرة الخصومات وامتدادها زمنًا طويلاً ، وللشيطان دورٌ كبير في غرزها في نفوس المتخاصمين ، وربما شكاها بعضهم لأصدقائه من قليلي الفقه فعززها له للأسف الشديد .

يا من يحمل هذا الوهم ، أنت لستَ ملَكًا لا تخطئ ، ولا رسولاً مَعصومًا ، ولا امرأً مبرأً من العيب ، ولكنك بَشَرٌ خَطَّاءٌ ، وربما صدر منك تصرفٌ فعلته بغير قصد فكان له أثره السيئ عند أخيك ...
فكما أنَّ أخاك يخطئ فأنتَ تخطئ ، وكما أنّك تدّعي أنّك صاحب حق فأخوك يدعي هذا ، وكما أنّك تظنّ أنّك مظلوم فهو يظنُّ هذا ، بل وكما تفهم أنت خطأً فقد يفهم هو بالطريقة نفسها .
والشيطان - كما قرر القرآن - يوقع هذه العداوة ويعززها ، فاحرص ألا يجد في قلبك مرتعًا خصبًا لنزغاته .

والأنكى والأشنع في حال المتخاصمين ، أن يحصل الاعتذار من أحدهما فلا يقبل الآخر العذر ، بل ولا يكون جوابه إلا : إنّك لا ترى مني إلا الهجر الأبدي ، والعداوة أبد الدهر لأنّك قد أخطأتَ في حقي .

أيها المتخاصمان ، ليجلس كل واحد منكما مع نفسه ، وليكن صادقًا معها ، وليتصوَّرْ - ولو بنسبة يسيرة - أنّه هو المخطئ ، أو أنّه متوهم في تحليله لأحداث الخصومه ، وأنا على يقين أنّ الخصومة لن تطول إذ ذاك ، وأنّ خصوماتنا مع النّاس ستخف حدتها كثيرًا بإذن الله وتقل ، بل وقد لا تكاد توجد أبدًا .
أيها المتخاصمان ، الخصومة نكد في الحياة ، وضيق في الصدر ، وزيادة في الهموم ، وذكر سيئ للمرء في المجتمع ، وصورة غير حسنة له عند الآخرين ، وتنفيرٌ من الخلق ، وإبعادٌ عن مواطن الرحمة ، وخسرانٌ للذة كثير من العبادات ، وفقدان للأثر الحسن لأعمال صالحة ، فلا يوهمك الشيطان أنّك بخصومتك مرتاح ، وأنّ نفسك مطمئنة ، وأنّ البعد - خصوصًا عن الأقربين ومن تجب صلتهم - هو العلاج الناجع في الخصومة . لم يأت بهذا نص ، ولا دلّ عليه أثر صحيح ، بل كل نصوص الشريعة تدل على إحسان الظنّ بالنّاس ، وحمل أقوالهم وأعمالهم على أحسن المحامل ، وطرد أوهام الشيطان ونزغاته عند حصول أي موقف منهم ... هذا شأن العقلاء وأهل الديانة الصادقين ، المتبعين لأوامر الكتاب والسنة ، الداعية للتآلف والتآخي وسلامة الصدر للمسلمين .

اللهم بصّرنا بمصالحنا ، وارزقنا قلوبنا سليمة ، وأبعد عنّا نزغات الشياطين .


كتبه /
عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
١٤٤٠/١٠/١٣

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
عادل المحلاوي
  • رسائل دعوية
  • مقالات موسمية
  • كتب
  • مقالات أسرية
  • خطب الجمعة
  • الصفحة الرئيسية