الحمد لله الرحيم الرحمن ، والصلاة والسلام على
أرحم الخلق بالخلق سيد ولد عندنا ، وبعد..
✍
فمن رحمة الله بعبده أن يجعل قلبه رقيقاً رحيماً
بالعباد ، يُؤلمه ما يُؤلمهم ، ويشعر بضعفهم وحاجتهم للمعونة ، وصاحب القلب
الرحيم من أهل الجنّة ، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام :
" أهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ - وذكر منهم -
وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ .."
رواه مسلم .
🌱يأتي
الشتاءُ ببرده وزمهريره ليتذكر الموسِر حاجة الفقير لغطاء وكساء ودفء ومؤنة
.
فلئن كان فئام من النّاس يعيشون رغد العيش من
أكسية تكسو أجسادهم ، وأغطية تدفيء صقيع أبدانهم ، ففي النّاس من يئن تحت برده
، وصقيع منزله الذي لا يواري عنه برودة الجو والمكان .
لقد ذكر الله عباده المؤمنين بأنّهم :
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ
مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا )
فتأمّل - إنفاقهم المال على حبه - فهم مع حاجتهم
لهذا الطعام يؤثرون غيرهم عليهم ، فكيف بمن عنده من أغطية البرد ، ومؤنة الشتاء
ماتكفي العشرات من عباد الله !
🌱
إخوتي...
إنّما يحمل المتصدقون والباذلون لإخوانهم في
الشتاء - الرحمةُ التي سكنت قلوبهم - فأصبحوا لا يقرّ لهم قرارٌ إلا بكفاية
إخوانهم ، فهم رحماء ويرغبون في نيل الرحمة من الرحيم الرحمن .
وفي الحديث :
" إنّما يرحم اللهُ من عباده الرحماء "
و"
الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْض
يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ " .
🌱
وفي فصل الشتاء أيضاً - تشتد حاجة بعض الأسر التي
قد ضعف عائلها عن التكسب ، وقلة حيلته في تأمين قوت أهله ، فيأتي أصحاب القلوب
الرقيقة لسد حاجة المعوزين والمحتاجين يحملهم على ذلك إرادة الأجر والثواب ،
ففي نصوص الكتاب والسنة مايدعو النفوس لتسارع في هذا الباب .
🌱
المتصدقون والمحسنون هم أصحاب الميمنة ، الفائزون
بالجنّة والدرجات العلى ، فقد رقت قلوبُهم في أيام المسغبة والشدة والحاجة ،
قال تعالى :
{أَوْإِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ؛
يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ؛ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ؛ ثُمَّ كَانَ مِنَ
الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ؛
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}
فهم يريدون هذه الجنّة التي وعدهم الله دخولها
بسلام .
فمن ( أطعم الطعام ، دخل جنّة ربه بسلام ) كما صح
بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
🌱ويحملهم
الخوف من النار ، ويوقنون أنّ في الإطعام حجاب منها ومن لظاها ، ففي الحديث
:
" اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقّ تَمرَة "
رواه البخارى ومسلم .
🌱ونفوسهم
تتوق لئن يصيروا من خير النّاس ، ففي الحديث :
يقول صلى الله عليه وسلم :
" خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ "
رواه أحمد .
🌱
ويخاف أحدُهم أن يكون ببخله قد بلغ مبلغاً عظيماً
من الذم فهرب من هذا ، ففي الحديث :
يقول صلى الله عليه وسلم :
" مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ
جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِه "
رواه الطبراني .
🌱
لقد أحب هؤلاء المتصدقون المنفقون الأجرَ من الله
، وانتظروا العوِض منه ، فسارعوا لكل عمل يرضى به اللهُ عنهم ، ولم يتأخروا عن
سد حاجة إخوانهم المعوزين ( تجارةً مع ربهم )
فاللهم أخلف عليهم خيراً ، وبارك لهم في أموالهم
وصحتهم وذرياتهم .
كتبه /
عادل بن عبدالعزيز المحلاوي
( أملج الحوراء )
١٤٤٠/٥/٢
هجري .
|