اطبع هذه الصفحة


سترة المصلي مشروعة ومستحبة في الفلاة وفي العمران

د.عدنان محمد أمامة

 
ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقصد وضع السترة أمامه عند الصلاة فكان يصلي تارة إلى السرير وتارة إلى جدار وتارة إلى الاسطوانة وتارة إلى حربة وتارة إلى عنزة وتارة الى راحلته وتارة إلى مقام إبراهيم وهذا كله ثابت في الصحيحين أو احدهما.

ولذلك اتفق العلماء جميعا على مشروعية السترة كما نقل ذلك ابن عبد البر وابن رشد وابن قدامة وابن تيمية والسفاريني من والنووي وابن حزم وغيرهم .
وقد دلت الآثار على أن السلف الصالح كانوا يحرصون على السترة في صلاتهم، وكانوا ينكرون على من يصلي لغير سترة.
وكان اهتمامهم بالسترة عام ودائم في جميع الصلوات سواء السنة والفرض وسواء كان ذلك في الصحاري أو في العمران.

والأدلة على سنية اتخاذ السترة في الفلاة كثيرة منها:

ما رواه مسلم عن نافع عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه وكان يفعل ذلك في السفر فمن ثم اتخذها الأمراء.
وروى مسلم أيضا عن نافع عن بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغرز العنزة ويصلي إليها زاد بن أبي شيبة قال عبيد الله: وهي الحربة.
أما اتخاذ السترة في المسجد فوردت فيها أحاديث منها ما روى البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال : « لقد رأيت كبار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب »
ولمسلم عنه : « كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما »
وروى البخاري عن يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ هَذِهِ الْأُسْطُوَانَةِ قَالَ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا.

وروى البخاري في صحيحه أن عمر - رضي الله عنه - رأى رجلاً يصلي بين أسطوانتين فأدناه إلى سارية فقال: صلِّ إليها. قال ابن حجر: أراد عمر بذلك أن تكون صلاته إلى سترة.
قال ابن بطال‏:‏ لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الحربة، كانت الصلاة إلى الأسطوانة أولى لأنها أشد سترة‏.‏

قال ابن حجر:أراد البخاري بإيراد أثر عمر هذا أن المراد بقول سلمة ‏"‏ يتحرى الصلاة عندها ‏"‏ أي إليها، وكذا قول أنس ‏"‏ يبتدرون السواري" ‏"‏ أي يصلون إليها‏".‏
وروى ابن أبي شيبة من حديث نافع قال: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلاً إلى سارية من سواري المسجد، قال لي: ولّني ظهرك ، وروى ابن أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع: أنه كان ينصب أحجاراً في البرية، فإذا أراد أن يصلي صلى إليها.

ورى ابن ابي شيبة في مصنفه عن أنس أنه نصب العصا في المسجد الحرام وصلى إليها ".
فهذه الاثار تدل بشكل قطعي على مشروعية اتخاذ السترة داخل المسجد كما هو مشروع في الصحارى والفلوات.

وقد نص كثير من الفقهاء على ذلك قال: ابن قدامة في المغنى:

(يستحب للمصلي أن يصلي إلى سترة , فإن كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو سارية , وإن كان في فضاء صلى إلى شيء شاخص بين يديه , أو نصب بين يديه حربة أو عصا أ و عرض البعير فصلى إليه، أو جعل رحله بين يديه، وسئل أحمد يصلي الرجل إلى سترة في الحضر والسفر؟ قال: نعم مثل آخرة الرحل، ولا نعلم في استحباب ذلك خلافاً، والأصل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تركز له الحربة فيصلي إليها ويعرض البعير فيصلي إليه، وروى أبو جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركزت له العنزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع. متفق عليه. وعن طلحة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك. أخرجه مسلم. انتهى.
وقال العلامة أحمد بن محمد خليل _ من علماء الحنابلة _ في التهذيب المقنع في اختصار الشرح الممتع قال (قوله: "وتسن صلاته إلى سُترة" أي: يُسَنُّ أن يُصلِّي إلى سُترة. وظاهره: أنَّه سواء كان في سَفَرٍ أم في حَضَرٍ، وسواء خشي مارًّا أم لم يخشَ مارًّا، لعموم الأدلة في ذلك. وقال بعض أهل العلم: إنه إذا لم يخشَ مارًّا فلا تُسَنُّ السُّتْرة . ولكن الصحيح: أن سُنيَّتها عامة، سواء خشي المارَّ أم لا.وعُلم من كلامه: أنَّها ليست بواجبة، وأنَّ الإنسان لو صَلَّى إلى غير سُترة فإنه لا يأثم، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم. والقول الثاني: أن السُّتْرة واجبة. وأدلَّة القائلين بأن السُّتْرة سُنَّة وهم الجمهور أقوى، وهو الأرجح.أما المَأموم فلا يُسَنُّ له اُتِّخاذ السُّترة) .

وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ – من المالكية - : " مِنْ شَأْنِ الْمُصَلِّي أَنْ لَا يُصَلِّيَ إِلَّا إِلَى سُتْرَةٍ ، فِي سَفَرٍ كَانَ أَوْ حَضَرٍ ، أَمِنَ أَنْ يَمُرَّ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ لَمْ يَأْمَنْ " انتهى .

بل نص بعض الفقهاء على مشروعية أن يتحول المسبوق إلى ما يستتر به بعد انفصاله عن إمامه.

قال العلامة الفقيه سحنون بن سعيد التنوجي المالكي في المدونة الكبرى (قال _ ابن قاسم _ : وقال مالك : إذا كان الرجل خلف الإمام وقد فاته شيء من صلاته فسلم الإمام وسارية عن يمينه أو عن يساره فلا بأس أن يتأخر إلى السارية عن يمينه أو عن يساره إذا كان ذلك قريبا يستتر بها ، قال : وكذلك إذا كانت أمامه فيتقدم إليها ما لم يكن ذلك بعيدا ، قال : وكذلك إذا كان ذلك وراءه فلا بأس أن يتقهقر إذا كان ذلك قليلا ، قال : وإن كانت سارية بعيدة منه فليصل مكانه وليدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع ).

تنبيهات على مسائل متعلقة بالسترة

أولاً: ما يفعله بعض الناس من اتخاذ الخط سترة لا يصلح، والحديث الوارد في ذلك ضعفه جمع من أهل العلم كابن الصلاح والعراقي وغيرهم, والسنة أن تكون بالسترة قدر ثلثي ذراع فأكثر ، طولا ؛ لما رواه مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : ( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي ، فَقَالَ : مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ ) .

ثانياً:
اتفق الفقهاء على أن السترة تشرع للمنفرد والإمام أما المأموم فلا يستحب له أن يتخذ سترة, وعليه فيجوز المرور بين يدي المأموم لحاجة بدليل ما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس أنه قال : أقبلتُ راكباً على حمارٍ أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم يُنكر ذلك عليَّ أحدٌ .

ثالثاً:
لا خِلافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء فِي أَنَّ الْمُرُورَ وَرَاءَ السُّتْرَةِ لا يَضُرُّ ، وَأَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، فَيَأْثَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ.

رابعا:
يُسَنُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى سُتْرَةٍ أَنْ يَقْرَبَ مِنْهَا نَحْوَ ثَلاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ قَدَمَيْهِ وَلا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ . لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا : " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا ، لا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلاتَهُ.


 

د.عدنان أمامة
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية