اطبع هذه الصفحة


حين يصبح الشعار الاسلامي صك غفران

د.عدنان محمد أمامة

 
من آخِر ما تفتَّقت عنه قَرائِحُ أعداء الإسلام في مُحارَبتهم لقِيَم الدِّين التي لا تتَّفِق مع أهوائهم - خلعُ لقب مفكِّر إسلامي على كلِّ منحرِف يستخفُّ بثَوابِت الشريعة، ويعترض على مُحكَمات الدِّين، وبمجرَّد العثور على منافق كهذا، نجد الفضائيَّات الحاقدة على الإسلام تتسابَق إلى استِضافته، وتتَبارَى في الوقوف على رأيه في مختلف قضايا الدِّين، وترفعه إلى مَصافِّ العلماء المجدِّدين المجتهِدين، ومُؤهِّله الوحيد الخروجُ على قطعيَّات الدِّين، وما أجمع عليه المسلمون.

ومعلومٌ لكلِّ ذي لُبٍّ أنَّ الأسماء لا تُغيِّر الحقائق، وأنَّ العِبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وأنَّ صفة الإسلام ووصْف الإسلامي لا يستحقُّه إلا مَن التَزِم الإسلامَ الذي أنزَلَه الله في كتابه وعلى لسان رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عقيدةً وعبادة، ومنهجًا وسلوكًا.
والمؤسف أنَّ هذا التزوير والتزييف للحَقائق لم يقتَصِر على أعداء الإسلام، بل تعدَّاه إلى العديد من رُموز ومُؤسَّسات العمل الإسلامي.
سألت أحد مُدِيري المدارس الإسلاميَّة: لماذا لا تفصلون في مدرستكم بين الطلاب والطالبات، خُصوصًا في الصفوف المتوسطة والثانوية، والتي عدد طلابها يسمح بالفصل؟
فأجابني: أنا لا أقبل.
قلت له مندهشًا: ولماذا؟
فقال: لأنَّ الله - سبحانه - خلقنا ليبتلينا، وكيف يتحقَّق ابتلاء الرجل بالمرأة مع الفصل بينهما؟
فأجبته: إذًا أنت فهمت من كوننا خُلِقنا للابتلاء أنْ نعرض أنفسنا للبلاء وللفتن ومواطن الامتحان، ثم لا نرسب ولا نقع فيها، على حدِّ قول الشاعر:
أَلْقَاهُ فِي اليَمِّ مَكْتُوفًا وَقَالَ لَهُ
إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَبْتَلَّ بِالْمَاءِ
ثم سألته: لماذا إذًا حين يُحرِّم الله أمرًا يحرم كلَّ السبل الموصلة إليه؟
إنَّ هذا الجواب من ذلك المدير يدلُّ على خلطٍ عجيبٍ بين الابتلاء الذي هو مَحْضُ إرادة الله وتقديره، وهو مُتعلِّقٌ بحكمته البالغة - سبحانه - ولا دخْل لنا به، وليس بإمكاننا ردُّه أو دفْعه، وهو ما يُسمَّى بالإرادة الكونيَّة القدريَّة، والابتلاء الشرعي الموجَّه إلينا، والذي كُلِّفنا بموجبه باختيار الإيمان وترْك الكُفر، وعمَل الخير والبُعد عن الشرِّ، ونشْر العدل ومحاربة الظُّلم، وأنَّ الواجب علينا أنْ ندفع أقدارَ الله بأقدارِ الله، وأنْ نفرَّ من قدَر الله إلى قدَر الله، لا أنْ نتعرَّض لها ونُبطِل التكاليف الشرعيَّة.

وعندما طرحت السؤال ذاته على مدير مدرسةٍ إسلاميَّة أخرى: لماذا لا تفصلون في مدرستكم بين الطلاب والطالبات؟
أجاب: أنا أصرُّ على أنْ يتعلَّم الذكور إلى جانب الإناث؛ لأنَّنا نعدُّ طلابنا للحياة التي سيعيشونها، والحياة المعاصرة تعجُّ بالاختلاط في كلِّ مكانٍ، فلا بُدَّ أنْ نجعل الطالب في حالة ألفة وانسِجام مع مُحِيطه ومجتمعه.

فأجبته: والمجتمع أَلِفَ العُري والتهتُّك، والأعراس المختلطة، والمسابح المكشوفة، ومسلسلات العُهر والغَرام، فهل نحن مُطالَبون أنْ نربِّي طلابنا على ذلك حتى لا يعيشوا قطيعةً مع محيطهم؟
لا شكَّ أنها هزيمة نفسيَّة شديدة أصابَتْ مَن كان يظنُّ بهم أنهم حُماة هذا الدِّين وحرَّاسه، والأُمَناء على قِيَمِه وأحكامه وشَرائعه، فلا عجبَ بعد هذا الذي سمعته من المديرين السابقين أنْ نشاهد الطلاب والطالبات يتشارَكون الدراسة واللعب والمزاح، والنُّزهة والحفلة، ولا نندَهِش ونحنُ نُطالِع في هذه المدارس الأخبار التالية: حقَّقت مدارسنا الإسلاميَّة قفزةً نوعيَّة بتشكيلها لفِرَق رياضيَّة للطالبات في مختلف الألعاب، وشارك فريق كرة القَدَم للطالبات في المرحلة الثانوية في مدارسنا في أكثر من دوري مدرسي للإناث، وحصل الفريق على نتائج مرضية - والحمد لله - ولنا أنْ نسأل بعد هذا: ما الفارق بين مدارسنا المسمَّاة إسلامية والمدارس العلمانية والنصرانيَّة؟
والصورة ليست أفضل في إذاعتنا وفضائيَّاتنا الإسلاميَّة؛ فالموسيقا باتَتْ تصبغ كلَّ البرامج وساعات البث، ولم ينجُ من صُحبة الموسيقا إلا القُرآن والأذان، وبات من المألوف أنْ تسمع الإعلانات والدعايات التجارية بأصواتٍ نسائيَّة، ملؤها الغنج والدلع والتكسر والخضوع بالقول، وأصبح من مظاهر التحضُّر ألا نستمع إلى البرنامج إلا من خِلال مذيع ومذيعة، وحتى الدروس الدينيَّة وبرامج الفتوى ضرورات الجذب الإعلامي تتطلَّب أنْ تُقدِّمَها وتحاور ضُيوفها المذيعة وليس المذيع، وكم يقَع الحرج للسائل وللمُفتي على حَدٍّ سَواء عندما يتعلَّق الأمر بالقَضايا الحسَّاسة لأحد الجنسين، ومُذيعاتنا بتنَ مُتخصِّصات في مختلف المجالات الفنيَّة والسياسيَّة والثقافيَّة وحتى الرياضيَّة، وعليهن أنْ يُتابِعن كلَّ ما يجري في هذه الأوساط ويستَضِفن المعلِّقين، ويترُكوا لهم المجال ليطرحوا ما عندهم من عقائد وقِيَم وأفكار يُوافِق قيمنا أو تخالفها لا بأس؛ لأنَّنا نؤمن بالحريَّة الفكريَّة ونحترمها، ولدى مستمعينا الحصانة الكافية من الفتن.

وتحت اسم العرس الإسلامي يُوضَع العروس بجانب العروس وهي بأبهى زينتها أمام الحضور الكريم بما فيه من رجال ونساء، وتلتقط لهم الكاميرات الواسعة أدقَّ الصور، والمنشد الإسلامي لا يكون الفيديو كليب الذي يُصوِّره متناسبًا مع عالم التحضُّر إلا إذا أطلَّ علينا مع زوجته، وقُلِ الأمرَ نفسه بشأن الحجاب الإسلامي، والجلباب الإسلامي الذي لا يربطه بالإسلام إلا الاسم.
إنَّ المؤلم في الصورة السابقة أنْ يحصل ما تقدَّم باسم الدِّين والإسلام، فنجمَع إلى جانب ارتكابنا للمُخالفات الشرعيَّة ووُقوعنا في تلك المعاصي نسبة ذلك إلى الإسلام، ووالله إنها لَجِنايةٌ على الدِّين، وأي جناية أنْ يُنسَب لدِين الله ما ليس منه؟ وهل استحقَّ اليهود ما استحقُّوا من غضب الله ومقته وسخطه إلا حين تلاعبوا بدِين الله واشتروا به ثمنًا قليلاً؟!
إنَّني أدعو نفسي وإخواني جميعًا إلى وقوفٍ مع الذات، ومراجعة دقيقة وحقيقيَّة لكلِّ تصرُّف من تصرُّفاتنا، ومدى انطباقه مع أحكام الإسلام التي أنزلها الله.

فإنْ صعُب علينا الأمر فلا أقلَّ من أنْ نحذف (إسلامي) و(إسلاميَّة) من وصْف ما نقوم من مخالفات.


 

د.عدنان أمامة
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية