اطبع هذه الصفحة


(البينونة المتأكدة)
 رد علمي فكري على (الكينونة المتناغمة) لعبد الله حميد الدين

عقيل بن سالم الشمري


بدأ اسم/ عبد الله حميد الدين يظهر على السطح السعودي بعد حادثة حمزة كشغري ، وكما هي عادة أهل السنة والجماعة في التثبت وإصدار الحكم على وفق ما تمليه نصوص الشرعية ، وهذا من عدل أهل السنة والجماعة ، وهم أهل العدل كما كانوا يعرفون فيه بين الفرق والطوائف فقد آثرت أن أوفر على إخواني من طلبة العلم وشباب المسلمين ومثقفيهم ومثقفاتهم فتتبعت تراث/ عبد الله حميد الدين، وهو :
1ـ لقاء مطول حول شرح: الكينونة المتناغمة ، وهي مختصر لكتابه في هذا الباب موجود على اليوتيوب.
2ـ تفسير سورة الفاتحة pdf.
3ـ مقال حول: مس المقدسات في السعودية بعد حادثة حمزة كشغري.
ثم استخرت الله في الكتابة والرد والبيان ، فأقول مستعيناً بالله :

الكينونة المتناغمة ( بيان وتنزيل ):

قال حميد الدين في تعريف ما أسماه (الكينونة المتناغمة ) : هي مكاشفات فلسفية منهجية نقدية جماعية في قضايا ( الإنسان - الوجود - الله ) ، وشرطها : ارتفاع سقف الطرح ! .
لا تعدُ الكينونة إلا أن تكون عبارة عن : إثارات (إشكالات) الهدف منها تثوير الأسئلة والتعايش مع السؤال لمجرد أنه سؤال ، فالأسئلة التي تثار ليس الهدف منها الخروج بحلول ، بل إنه يعتبر أن منطق السؤال لا يليق ، لأن السؤال لا يتأتى إلا بعد وجود (أزمة ذهنية ) كما قال .
وإثارة الأسئلة تكون مقبولة حينما تؤدي إلى إفراز (منتجات جديدة ) أو (تزيل علائق حاضرة ) فإن خلا السؤال من هذين الأمرين ، كانت (إثارة السؤال ) هي الأزمة وليس ما ينتج عنه .
هذا كله حينما تكون (الأسئلة المثارة ) يمكن بوجه أو بآخر الحصول على نتيجة لها وجواب شافٍ ، أما أن تكون (الأسئلة المثارة ) التي يثيرها (عبد الله حميد الدين ) في مكاشفاته لا يمكن بحال الجواب عنها ، وفي حال الجواب فلا يمكن التحقق من مدى صحته ، وفي حال التأكد من صحتها فلا يمكن تعميمها عند جميع الناس !! .
فمثل هذا النوع من الأسئلة لا يسمى ( مكاشفة ) وإنما (مهاترة ) .

الإيمان عند صاحب الكينونة حميد الدين (مفقود بعد وجود ) :

التعريف السابق الذي ذكره حميد الدين كان مقصوداً لأجل أكبر القضايا في الوجود باعتراف حميد الدين نفسه وهي قضية : الإيمان .
الكينونة عند حميد الدين تقوم على التالي :
أنه لا يوجد في الكون أدلة ضامنة مثبتة قاضية على جميع الأسئلة : وإنما كل ما يمكن للإنسان الحصول عليه هو (أسئلة عائمة ) تزداد يومياً ، ومع ازديادها كماً وكيفاً تحقق بمجموعها وحدةً يمكن أن تكون (علامة ) على الإيمان ! .
ليس للإيمان معالم واضحة وأطر عند حميد الدين ، لأنه يقوم على (الحيرة ) الواقعية والنظرية ، وقد يتعجب القارئ الكريم إذا أخبرته بأن :
الحيرة هذه مقصودة لذاتها عند حميد الدين ، في حين أن كل أحد من (المخلوقات) يهرب من الحيرة ، وقوانين الفيزياء كلها وأنظمة الكون العظيم تخلو تماما من أي حيرة .
الشك : يسعى حميد الدين لتحقيق الإيمان إلى فتح (باب الشك ) في كل ما حول الإنسان ، بل يتجاوز جميع مراحل الشكوك ليفتح الشك حتى فيما تم (التحقق منه بإجماع البشرية كلها ) ! فليس للسؤال الإنكاري الذي خاطبه الله للمشركين بقوله (أفي الله شك ؟) ليس هو (إنكارياً ) عند حميد الدين بقدر ما هو (تحقيقي مقصدي) والعياذ بالله .
فانتقل بذلك حميد الدين من (الحيرة الخلاقة !) إلى (صناعة الحيرة الإيمانية ) ! وهي سفسطة لن يجد ضماناً ابداً أبداً .
هذا في أوضح القضايا وهي الإيمان ولك أن تتخيل إيمانه فيما عدا الإيمان مثل:
قضية الوحي .
القرآن الكريم .
ظاهرة النبوة والأنبياء الكرام .
الرسل من الملائكة .
اليوم الآخر .

فإذا كانت قضية (تحقيق الإيمان ) عند حميد الدين لا تقوم إلا على :
شكوك مفتوحة ، ومدة زمنية توازي حجم القضية ، بعد ذلك لا تتوقع أن الإيمان يتحقق عند حميد الدين وإنما :
بمجموع تلك الشكوك ، والأسئلة المثارة ، والمدة الزمنية يتحقق (قدر إجمالي عن الإيمان) !
إذا كان هذا كذلك فمتى يتحقق الإيمان (بتفاصيل الإيمان ) ومتى يدرك الإنسان (معرفة الوحي ) ومتى (يؤمن بالقرآن) ؟
وكم من الزمن يستغرق لأجل أن يؤمن بأركان الإيمان الستة ؟!

الأدلة عند حميد الدين ( لا كاشف ولا مبين ) :

لا ينتظر القارئ الكريم أن أذكر له أدلة حميد الدين على الكينونة المتناغمة وعلى مذهبه في الإيمان ، لأمرين :

لأن الباطل لا يمكن أن توجد أدلته فضلاً عن أن تتناغم وتتظافر .
لأن حميد الدين لا ينطلق من قواعد فلسفية منهجية (صحيحة نظرياً وفاسدة تطبيقاً ) كحال المناهج الكلامية ، أبداً : وإنما ينطلق من : أسئلة مثارة ، تثيرها النفس أو الجمهور أو القارئ ، بمجموع هذه الأسئلة يتكون الدليل !
أما أدلة القرآن الكريم ، الذي أنزل لجل ظاهرة الإيمان والدعوة إليها وتحقيقها في قلوب أصحابها ، والرد على الطاعنين عليها ، فإنها عند حميد الدين :
لا تعدو أن تكون مساعدة في الإثارة فقط ، ولأشرح هذا الجنون تأملوا هذا المثال :
قوله تعالى : ( قل هو الله أحد ، الله الصمد ) .
هذه السورة التي تعدل ثلث القرآن ، وتتابع المسلمون على حفظها ، ولعلها السورة التي حفظها وأجمع عليها كل من نطق الشهادتين ممن عاش أو ولد أو سيولد لاحقاً ، مع هذا هي عند حميد الدين : مجرد مثيرة للأسئلة عن الإيمان ولكنها ليست دليلاً على الإيمان ، فالآية الكريمة عنده تثير سؤال ذهنياً - كما زعم - أن هناك إله واحد ، ومن صفاته أنه صمد ، لكن أين هو ؟ ما صفاته ؟ أين أجده ؟ كل هذه لم تتحدث عنها الآية ؟! .

ومكمن العلة هنا في حقيقة الأمر : ليس ما ادعاه حميد الدين ، من أن السورة تثير أسئلة ولا تهدي للإيمان ، وإنما في حقيقة الأمر تعود المشكلة عنده لأمرين :

التشكيك في مصدرية القرآن وأنه من عند الله (قبل ) .
اليقين بعدم قداسة القرآن والتزامه واتباعه (بعد ) .
وهذا ناتج عن قضية فلسفية وهي : أن القرآن لا يمكن القول به إلا بعد تحقق أدلة عقلية عليه ، والأدلة عند حميد الدين لم تتوافر لتدل على الله العظيم ، فكيف يمكن أن تدل القرآن الذي هو صفة من صفات الله .
إن حميد الدين كرس محاضرته وكتابه وشرحه للفاتحة لخدمة هذا الشك العالمي في أظهر القضايا وهي الإيمان ، فكل ما عداها من القضايا الإيمانية الأخرى لا يمكن أن تثبت ما لم يثبت اصلها وهو الإيمان ، فهذا دوارن حول مركز واحد وهو (الإيمان) بأبعاد مختلفة ، فحتى الدائرة التي يدور فيها حميد الدين ليست دائرة من دوائر البشر وإنما هي دائرة ( تيه بني إسرائيل ) فكلما حاول إمساك طرف خيطٍ في قضية الإيمان إذ بالخيط يتشابك في يد صاحبه ويلتف على عنقه ليزيد الخناق .

غاية ما يريد الوصول إليه حميد الدين ( هداية الحيران ) :

تتنوع مبتغيات حميد الدين في الكينونة المتناغمة لكنها تتفق على ما يلي :
هل أنا مؤمن ؟
الجواب : قد أكون مؤمناً لكن لم يتحقق لي الإيمان بصورة واضحة .
هل ممكن ألا أكون مؤمناً ؟
الجواب : أيضاً ممكن وليس في الأمر حرج ما دمت أعيش حياتي دون أذى للآخرين وظلم لهم .
ما الذي يضيفه الإيمان لي ؟
(ولا شي ) كما عبر ، لأن الله غني عني وبالتالي فلو (كفرت به ) أو لم أهتدِ إليه فلن يتضرر جراء ذلك .
فأنت تلاحظ أن النتيجة التي توصل إليها تقريرات حميد الدين هي ( شك يوصل إلى تيه وحيرة لا تنفع ولا تضر ) .
ولو قارنا مقارنة بين الجهد الذي بذله حميد الدين وبين النتيجة التي توصل إليها ، لوجدنا أنه لا يوجد مقارنة ، فالنتيجة التي وصل إليها حميد الدين توازي إيماناً غير مهم ولا يضيف في الحياة شيئاً ذا بال ، وهنا يأتي هذا السؤال :

إذن لِمَ كل هذا البحث والتأليف والندوات ما دام الإيمان بهذا التصور غير المهم؟
والجواب الحقيقي هو :
لأن في النفس فقراً وفاقة وعجزاً وفطرة لا يمكن أن تُسَدَ بجملٍ فلسفية ومقدمات كلامية وأسئلة اعتباطية ، فلا يملأ النفس إلا إيمان بالله على الوجه المشروع الذي أمرنا الله به ، وعلى الطريقة التي هدانا الله إليها ، ودلنا عليها ورسمها لنا ، هذا هو الواقع النفسي في نفس حميد الدين ولو كابر ، وما لم يصل للاستقرار بإيمان مشروع فلن تنتهي الأسئلة وغاية ما يحصله هو أن كثرة الأسئلة الذهنية لا تولد يقيناً وإيماناً وإنما تزرع شكوك قابلة لتحطيم كل ما يمكن أن يتكون من إيمان - إن تكون - يوماً من الأيام .

(الشك) عند حميد الدين والكينونة المتناغمة :

اختصر العبارة لأقول لكم أن الشك عنده : مقصود لذاته ! وذلك من خلال ما يلي :

أنه يسعى في الكينونة المتناغمة إلى إثارة الأسئلة قدر المستطاع ، فإذ استمعت للمحاضرة أو حضرتها وتكونت عندك أسئلة عن الله والوجود والكون والحياة والقرآن وغيرها ، فهذا أمر مقصود لذاته ، لأنه - كما زعم - من خلال هذه الأسئلة المثارة يمكن ملاقحتها جميعها لعله يتوصل إلى معرفة عن هذه الأمور ، وبالتالي :
كلما كثرت أسئلة الحيرة كلما قرب من الهداية ! (سبحان ربي ) .
أنه يفسر : لا إله بقوله : فيها تفسيران :
الأول : لا معبود :
وعليك أيه القارئ الكريم ألا تفرح بهذا التعريف لأنه لا يعني العبادة بالمفهوم الشرعي المعتمد على النصوص الشرعية ، فهو لا يؤمن بها فضلاً عن أن يلتزم بمدلولاتها ، وإنما غاية العبادة عنده : أن يعرف الله ووجوده فقط .
الثاني : أنها بمعنى الحيرة !
فالله هو الذي احتارت العقول فيه ، وبالتالي يناسب أن يزداد العقل حيرة فيه ، ولا طريق للحيرة إلا عن طريق الشك .
والمعادلة متعذرة التحقق عند حميد الدين هي :
أن يستفيد من الشك من غير أن يحتار ، أو كما قال (من غير أن يسمني) فهو يقر بأن الشكوك إن زادت تؤدي إلى تسمم العقل والقلب ، لكن كيف يجعل الشك قائده إلى الإيمان من أن غير أن يسممه الشك ؟ هذا ما لا يمكن الجواب عنه .
لأنه جعل الشك دليلاً معتبراً في حين أن الشك عَرَض يزول بالدليل ، فالمنهجان متباينان جداً ، والله الهادي إلى سواء السبيل .

مالذي يمكن أن تضيفه كتابات حميد الدين ؟ (ماء في غربال) :

هناك عدة فئات سأذكرها مع ما يمكن أن تضيف لها أطروحات حميد الدين :
الفئة الأولى : العلماء وطلبة العلم
هذه الفئة تحديداً - وبعد سماعي وقراءتي - لما كتبه حميد الدين أجد أنه يضيف لهم شيئاً واحد فقط لم يعاصروه في حياتهم ، وانقطعت صلة الأمة به ولله الحمد إلا أن يتجدد على يد حميد الدين ، وهو :
كتابات إخوان الصفا ، وابن عربي وابن سيناء والفارابي .
هذه الكتابات التي انتهت بتكفير أهلها ، وقتلهم ردة ، وتهريبها إلى خارج حدود العالم الإسلامي .
الفئة الثانية : المثقفين والمثقفات
وهم أهل القراءة الواسعة ، والتي يغلب عليها ألا تكون منهجية تتبع طريقة معينة ، فمثل هؤلاء تضيف لهم أطروحات حميد الدين :
الشك فيما أيقنوا به ، والحيرة فيما اهتدوا إليه .
إن الذهن الوقاد ذا الأسئلة الحادة لا يشبعه شكوك متناثرة ، فمثل إيمان حميد الدين لا يسمى إيماناً حتى على القواعد الفلسفية إذ هو في مرحلة مخاض ولا زال ، فما فائدة شك يورثني شكاً ، ولهذا عليهم أن يطلبوا اليقين حيث خلقه الله .
الفئة الثالثة : عامة المسلمين
يورثهم حمد الله على ما أنعم به عليهم من نعمة الإيمان التي يجدونها في أنفسهم ويعيشونها في واقعهم ، فكل ما حولهم هو فرع عن إيمانهم بالله ، فلن تضيف لهم أطروحات حميد الدين إلا ضياع هذا الإيمان واستبداله لا قدر الله بكفر يحرم صاحبه الحياة الهنية ، والجنة الأخروية .

النهاية : مَنَ عبد الله حميد الدين ؟

من ناحية فكرية هو : مجدد ملة ابن عربي ، ومتبع هدي إخوان الصفا ، يثير الشك لزيادة المرض ، فلا لله اهتدى ولا للأنبياء اقتفى .
هذا ما تيسر إيراده ، ولعل الله ييسر لي بقية الحلقات ، وأسميتها (البينونة المتأكدة) لأني أعني بها (بينونة فكرته عن الإسلام وجميع الأديان ) ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

 

عقيل الشمري
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية